مجتمع

أنا مسلمة.. أدعم قرار حظر الحجاب

أنا مسلمة.. أدعم قرار حظر الحجاب

هكذا علّقت البريطانية الباكستانية المسلمة “قانتا أحمد” -الطبيبة المتخصصة في علم اضطرابات النوم والكاتبة الصحفية- على القرار الصادر من محكمة العدل الأوروبية بتاريخ 14 مارس للعام 2017 والذي يقضي بحق أصحاب العمل في الاتحاد الأوروبي في منع الموظفين من ارتداء أي رمز له دلالة فلسفية أو دينية بما فيها الحجاب، بشرط أن يعتمد المنع على قواعد تضعها الشركة تفرض فيها “زيّاً محايداً”.
وكان القرار قد صدر عقب قيام عاملة استقبال ترتدي الحجاب برفع دعوى قضائية بعد طردها من مكان عملها ببلجيكا، فما كان من محكمة الاستئناف هناك إلا إحالة القضية إلى المحكمة الأوروبية للاستيضاح والتي قضت بحكمها الأخير.

وتقول “قانتا” إن القرار جاء دفاعاً وترسيخاً للمبادئ الأوروبية، وأوضحت وجهة نظرها في مقال بمجلة “ذا سبيكتاتر The Spectator” البريطانية الذي ننشره في ما يلي:

أنا مسلمة.. أدعم حظر الحجاب

ترجمة: مريم كمال

hejab

 “تربّيت في أسرة بريطانية مُسلمة وفيها تعلّمت أن المرأة هي فقط المسؤولة عن إدارة حياتها، وهي الإدارة التي تشمل أيضا “حجابها”؛ فأنا أتمتع بمطلق الحرية في تغطية شعري أو عدم تغطيته.
ولذا فأنا وعائلتي وغيرنا ملايين من البشر نصاب بحالة تشوش وارتباك حين نسمع بالاعتقاد الشائع الذي يقول بأن المسلمة الصالحة لا بد أن تغطي شعرها أو وجهها.
وحتى السنوات الأخيرة لم تكن الفكرة التي تقول بوجوب ارتداء المرأة للحجاب مُتجذّرة بهذا القدر.

 كان هذا الحكم بمثابة الإشارة -إشارة لا تتعلق بفكرة الإسلام الصارم- لكنها تتعلق بما حدث بعد أن تسامحت الثقافة الغربية مع الإسلاميين كجزء من حرصها على تجنب العنف والجريمة.
أثمر هذا التسامح عن حالة غريبة وغير مقصودة من التعاون بين الليبراليين والمتطرفين استمرت لعدة سنوات، لكن أخيرا بدا أن النهاية أوشكت على الاقتراب.

من خلال قرارها اتخذت المحكمة الأوروبية موقفاً علمانياً في مواجهة الإسلاميين الذين يسعون إلى السيطرة على المجال العام؛ إذ يسمح المجال العام العلماني لي بممارسة شعائر ديني كما يسمح للآخرين بذلك، وكما ينص القرآن الكريم في سورة الكافرون “لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ”، فإن منح صاحب العمل الحق في تقييد استخدام غطاء الرأس لهو أمر جيد جدا وفي صالح كل شخص مؤمن بدينه.

القمع باسم الدين:
سبق وأن رأيت ما يحدث للمجال العام حين يتم الحجر عليه باسم التديّن، فمهنتي كطبيبة حملتني إلى العمل في المملكة العربية السعودية حين كنت بعمر ال 31، وهناك تم إجباري بحكم القانون على ارتداء الحجاب مع ضرورة تغطية كامل شعري ورقبتي، وتغطية جسدي بالكامل من خلال ارتداء “العباية”.

لمدة عامين أصبحت أكثر تعايشا مع تلك الطبيعة الغريبة، الثقيلة، غير المُجْدية –  التي تقضي بالإجبار على ارتداء الحجاب – حتى أنني رأيت كيف يتم فرضها على مريضاتي بغير إدراكهن للأمر.
وحين يتم الاجبار على الحجاب يقع فعل القمع، وهو الفعل الذي لا أساس له في الإسلام.

تفسير معنى وشكل الحجاب:
لا يمكن أن تجد خلال بحثك عن أحوال المسلمين خلال فترة صدر الإسلام عما يجب أن يغطيه الخمار أو الحجاب؛ فهل يجب أن يغطي الوجه، الشعر أم الجسد؛ فالقرآن الكريم لم يتحدث إلا عن تذكير المرأة بتغطية مقدمة صدرها “النحر” كما جاء في سورة النور “وَليَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ.”
كما أُمرت إحدى زوجات الرسول – في إشارة إلى مكانتها المُتميّزة – أن تتحدث من وراء “حجاب” وفقا لما جاء بسورة الأحزاب “وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعَاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ.”
وحتى أن السيدة عائشة –  زوجة النبي وصاحبة المكانة الرفيعة والعالِمة بأمور الدين – قدّمت العديد من التفاصيل حول الخِمار، ومع ذلك لا توجد سبيل لمعرفة طريقة ارتداؤه على وجه التحديد.

أما عن التفسيرات الصارمة للحجاب فهي اختراع جديد؛ إذ أنها تفسيرات لم تأتِ من القرآن أو حتى من عادات الإسلام في بداية ظهوره لكنها نبعت من الأفكار المعادية للمرأة وهي الأفكار التي تزعم أن لها أساسا في المقدس.

لذلك حين قامت المحكمة الأوروبية بتدعيم أصحاب العمل الذين قاموا بحظر الحجاب فإنها لم تَحجُر أبدا على الحرية الدينية لأي شخص.
فالحجاب يحمل قدرا لا بأس به من الأعراف الثقافية الجديدة؛ فمن خلاله يريد الإسلامي إيصال رسالة مفادها: “نحن المسلمون مختلفين عن الغرب، نحن لا نُشبهكم ولا نتصرف مثلكم”، وهو اتجاه غريب وقبيح وبصفة خاصة بالنسبة للعائلات التي عاشت لأجيال عدة في أوروبا.

تاريخ علماني:
يجب على هؤلاء الذين يعيشون في أوروبا ويحاربون من أجل الحق في ارتداء الحجاب، يجب عليهم أن يتذكروا تاريخنا في العالم الإسلامي؛ ففي العشرينيات ومع بزوغ نجم الدولة العلمانية في مصر وإيران بدأت المسلمات في تنظيم أنفسهن من أجل نيل حقوقهن، وفي العام 1922 نجحن – بقيادة هدى شعراوي التي أسست الإتحاد النسائي المصري – في نزع الحجاب.
وخلال عقد استطاعت المرأة أن تخوض المجال الأكاديمي المصري، كما حرصت كل من تركيا وإيران على إجبار السيدات على خلع حجابهن كجزء من السياسة العامة للدولة.

لكن سرعان ما تراجع هذا المد مع نمو الإسلام الأصولي واندلاع الثورة الإيرانية في العام 1979؛ حيث طغت حمى الصحوة وانتشرت بسرعة كبيرة سواء داخل العالم الشيعي ومنه إلى العالم السني ؛ فبدأت المملكة العربية السعودية وباكستان في فرض برامج الأسلمة، ووقف “آية الله مرتضي مطهري” الرمز الشيعي الأبرز ليصف خلع الحجاب ب “الوباء” وناعتا هذا السلوك ب “مرض العصر”.
لكنني أعتقد أن الوباء الحقيقي كان الإسلاموية الشمولية التي لا تريد فقط أن تدير شئون الدولة بل تتدخل وتتحكم فيما اخترات المرأة أن ترتديه.

الاندماج في مقابل التعددية:
الآن فقط أدرك الغرب ما يدور حوله؛ فحين يتم تهديد تماسك ووحدة الدولة يمكن – بل يجب-  وأن يتم فرض أحكام واتخاذ قرارات تتعلق بالملبس.
فأوروبا تحصد الآن نتائج سياسات التعدد الثقافي والتي دفعت بها إلى الانقسام بدلا من الاتحاد وهو أمر لا يتعلق فقط بنمو الإسلاموية ولكن أيضا بفكرة إثارة العداء نحو المهاجرين واللاجئين.
ينمو الفكر الإسلاموي ويزدهر حين يصبح المسلمون مجتمعا داخل المجتمع، ولذلك فالإسلامي يخترع أرضية دينية لإقناع المُسلم بضرورة أن يبدو – من خلال ملبسه – وكأنه شخص مختلف عن المجتمع الذي يعيش فيه، وهو سلوك يدعم الأجندة الطائفية.
لكن وبعد طول انتظار -وقبل أن يقع دمار أكبر- استطاعت المحكمة الأوروبية أن تسترد حجر الأساس الذي يشكّل هُويّة أوروبا؛ الهوية الديمقراطية العلمانية الليبرالية حيث نتشارك جميعا المجال العام ولا وجود لهيمنة أي فئة على أخرى.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى