سياسة

أحمد زويل للأمريكيين: لا تقطعوا المساعدات عن مصر

 يكتب صاحب نوبل في الكيمياء  في صحيفة لوس أنجلوس تايمز مطالباً الولايات المتحدة بدعم النظام المصري وعدم قطع المساعدات الأمريكية.

la-oe-zewail-egypt-el-sisi-20141104-001

أحمد زويل – لوس أنجلوس تايمز

ترجمة – محمود مصطفى

انتقد بعض أعضاء الكونجرس مؤخراً الرئيس عبد الفتاح السيسي وطالبوا بتقليص أو إلغاء الدعم العسكري الأمريكي كطريقة لمعاقبة حكومته.

بعد لقائي بالسيسي في القاهرة مؤخراً ،  والحديث إلى قطاع واسع من المواطنين هناك أدركت لماذا يؤيده معظم المصريين الآن، وأنا أعتقد أن تخفيض الدعم الأجنبي لمصر في هذه المرحلة سيضر بالعلاقات الأمريكية المصرية وسيكون له تبعات خطيرة على الشرق الأوسط.

 يكشف لنا التاريخ عن هذه المخاطر، في عام 1955 وفي غداة الثورة المصرية عام 1952 وافقت الولايات المتحدة على إمداد مصر بالتمويل للمساعدة في بناء سد أسوان وخلق مصدر للطاقة الكهرومائية يعد حيوياً لتحويل مصر إلى بلد صناعي.

ثم بعد أشهر قليلة أصبح وزير الخارجية جون فوستر دالس مقتنعاً بأن رئيس مصر جمال عبد الناصر ليس أهلاً للثقة وسحب العرض الأمريكي بالتمويل وكانت النتيجة تحول البوصلة السياسية في مصر من الغرب إلى الشرق وسارع الإتحاد السوفييتي بملأ الفراغ.

استمر الأمر إلى عام 1973 ليحول الرئيس أنور السادات الاتجاه، وفي الأربعين عاما التي تلت ذلك صارت العلاقات الأمريكية المصرية شديدة الأهمية وشهد الشرق الاوسط  سلاماً بين إسرائيل ومصر.

اليوم تحتاج الولايات المتحدة إلى مصر أكثر من أي وقت مضى. وبالإضافة إلى إتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، المحورية بالنسبة للمصالح الأمريكية محلياً وفي الشرق الأوسط، استمرت الولايات المتحدة وستستمر في الحاجة إلى تعاون مصر في الحرب على الإرهاب. فقط في الشهر الماضي ضرب الإرهابيون شمال سيناء وقتلوا أكثر من ثلاثين من أفراد الجيش المصري وأصابوا عدداً من المدنيين.

الشراكة بين الولايات المتحدة ومصر حيوية لكلا الدولتين ولا يمكن أن تستند على المناورات السياسية وتهديدات وقف المعونة. علاوة على ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تدرك أنها لم تعد المقدم الرئيسي للمساعدات الأجنبية لمصر. اليوم، تسهم دول الخليج بأكثر من 10 أضعاف ما تسهم به الولايات المتحدة.

عندما تم انتخاب محمد مرسي رئيساً لمصر في 2012، كان الكثيرون في البلاد ومنهم أنا يأملون في أن يصبح رئيساً ديمقراطياً لكل المصريين. ولسوء الحظ سرعان ما تحولت رئاسته إلى توكيل لجماعة الإخوان المسلمين ووصلت البلاد تحت قيادته إلى حافة الحرب الأهلية. نزل ملايين المصريين إلى الشوارع في 30 يونيو 2013 للمطالبة بالتغيير وباستقرار أكبر لمصر.

لم ينتوِ الرئيس السيسي في البداية الترشح للمنصب الذي يشغله الآن، لكنه دعي إليه بحسب ما قال لي رئيس المحكمة الدستورية في مصر وآخرون. وإذا كانت الانتخابات التي جاءت به إلى المنصب مزورة، كما يزعم بعض الساسة والصحفيون، فلماذا يستمر المصريون في تأييدهم له بعد الانتخابات؟

إنه بالتأكيد لم يكن برجماتيا، فبعد فترة قصيرة من انتخاب السيسي أعلنت حكومته عن خفض لـ”الدعم” على الغاز الطبيعي واستهلاك الطاقة وخفض للدعم على الخبز وسلع أخرى. كانت هذه خطوة هامة من أجل الإستقرار الاقتصادي في مصر لكنها اعتبرت  سياسياً مستحيلة لأكثر من نصف قرن خلال رئاسة السادات وحسني مبارك. السيسي كان قادراً على إقناع المصريين بأنه يقوم بعمل ضروري

في دعوة أخرى بعد الانتخابات للمصريين، أعلن السيسي تدشين مشروع وطني ، قناة السويس الجديدة، وهوي ممر مائي مواز للممر الذي تم حفره عام 1869 وطالب المصريين بالاستثمار في المشروع. خلال ثمانية أيام جمع البنك البركزي المصري قرابة 8.5 مليار دولار عن طريق بيع شهادات الاستثمار.

زرتُ أحد البنوك خلال هذه الأيام الثمانية وكان الطابور ممتداً لمسافة طويلة، واضطرت البنوك للعمل لأوقات متأخرة للتعامل مع الحجم الهائل وغير المتوقع من المعاملات.

صحيح أن محاولة مصر للوصول للديمقراطية بعد ثورة 2011 واجهت عراقيل كثيرة وأنه تظل هناك قضايا يجب معالجتها من بينها وضع قوانين عادلة تنظم عمل المنظمات غير الحكومية وإنفاذ حكم القانون في السجناء السياسيين الذين ينتظرون محاكماتهم وإدماج أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في النسيج السياسي لمصر.

 هذه القضايا تجعل من الأكثر حيوية أن تستمر الولايات المتحدة في مشاركة مصر عبر حوار وشراكة مباشرين. لا يجب أن تتردد أمريكا في بسط قوتها الناعمة الكبيرة، بإتاحة الوصول إلى الأسواق الأمريكية وإطلاق مبادرات تجارة وتوفير الدعم لبناء مؤسسات تعليم وديمقراطية جديدة.

ما يدعى بالربيع العربي أثبت أن سقوط النظم الشبيهة بنظام مبارك لا يعني صعوداً مباشراً للديمقراطية فهذا سيستغرق وقتاً ورعاية وتشجيعاً.

تواجه مصر مشاكل ضخمة، فبجانب القضايا الداخلية التي تتضمن اقتصاداً مضطرباً وبطالة مرتفعة،  لدى مصر مشاكل أمنية في الشرق مع الدولة الإسلامية وفي الغرب مع ليبيا وفي الجنوب باتجاه اليمن، ولكن على الرغم من هذه القضايا استطاع السيسي أن يجعل أغلبية المصريين يقفون خلفه وهو يتخذ خطوات جادة نحو إصلاح الإقتصاد المتعثر ويعطي أملاً للبلاد بإطلاق مشاريع قومية هامة منها مدينة العلوم والتكنولوجيا التي انخرطت بفاعلية في الدعوة إليها لسنوات عديدة.

وكما ذكرت مجلة “الإيكونوميست” في مقال لها حول أيام السيسي المائة الأولى، فإن الرئيس “جلب تطورات اقتصادية ودبلوماسية وكذلك الأمل للمصريين الذين أنهكتهم سنوات من الاضطراب السياسي.”

تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تغذي هذا الأمل، وقطع المساعدات لمصر لن يحقق ذلك.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى