سياسة

آيدن وايت: صحافة مصر خلقت الوحش الذي التهمها

 

aiden_white

 

 آيدن وايت  يكتب عن اجتماع حضره مع صحفيين مصريين في القاهرة، لمناقشة أزمة الإعلام المصري بعد 30 يونية.

وايت هو الأمين العام السابق للاتحاد الدولي للصحفيين، وهو حاليا مدير شبكة الصحافة الأخلاقية

عن شبكة الصحافة الأخلاقيةآيدن وايت – ترجمة منة حسام الدين

 

على مدار السنوات، استقبل النادي اليوناني  الفخم في وسط القاهرة العديد من الفعاليات الاجتماعية المبهجة، لكنه في  الثالث من فبراير، وفي مناخ يفتقر للمرح، استضاف اجتماع 30 صحفيا أو أكثر للإعلان عن بداية نشاطات “رابطة المحررين المصريين” .

اجتمعوا ليناقشوا انهيار الصحافة الاخلاقية، والمستقلة، في أعقاب الثورة الشعبية التي اندلعت ضد محمد مرسي، اول رئيس منتخب ديمقراطيا للبلاد، والذي أطيح به  في نهاية يونية من العام الماضي. وبعد مرور 7 أشهر، وبعد الموافقة على دستور جديد يتضمن ثلاث مواد  قيمة تكفل حرية التعبير وحرية الصحافة، اجتمع الصحفيون في النادي اليوناني لتحليل ما جرى لوعود الثورة فيما يخص حرية الصحافة والتعددية.

بعد تنحي الرئيس حسني مبارك ونظامه القمعي عام 2011، كان هناك تفاؤل غير مسبوق إزاء ازدهار الصحافة، والتنوع في وسائل الإعلام، ودخول عهد جديد من حرية التعبير، وبعد ثلاث سنوات مازل الحلم ينتظر.

انتخاب مرسي، على الرغم مما فيه من رمزية، لم يساهم ولو للحظة في الدفع قدماً إلى التحول الديمقراطي في مصر، بما في ذلك وسائل الإعلام التي صارت تواجه تهديدات جديدة.

بعد الإطاحة بدولة مبارك البوليسية، الكثير من الناس خشوا  أن الديمقراطية التي حصلوا عليها بشق الأنفس، سوف تفتح المجال أمام  الفاشية الدينية التي يمثلها مرسي ومؤيديه من جماعة الإخوان المسلمين.

ونتيجة لذلك، العديد من الصحفيين، ومن ضمنهم بعض الإعلاميين الذي صنفوا على أنهم “قائدي إعلام الثورة”، مثل إعلامييّ قناة”ONTV” وجريدة “المصري اليوم” اليومية، أصبحوا جنودا في معركة  من اجل إنقاذ روح ثورتهم من الإخوان المسلمين.

 لم تكن مؤامرة مدبرة، وإنما مجرد تكاتف للعقول المتشابهة:  الصحفيون والمحررون من وسائل الإعلام القومية والمستقلة على حد سواء،  شعروا بالقلق والتوتر إزاء التهديدات التي مثلها نظام مرسي تجاه الثورة.

في الأسابيع المضطربة التي تلت عزل مرسي ، انجرف الإعلام المستقل بجميع أركانه إلى دور جديد، فأصبح عنصراً رئيسياً في جبهة سياسية مكونة من الدولة، والجيش، والقضاء، والشرطة، تم تعليق مفاهيم الصحافة المستقلة، واستبدالها بتقارير حزبية يغلب عليها الطابع الوطني.

هذا التغيير في الاتجاه داخل الصحافة، وغياب الموضوعية،  جعل المراقبين الإعلاميون الاجانب يشعرون بالحيرة.

الإعلاميون الاجانب الذين يتعرضون للتهديد والعداء في القاهرة ، هم تحديداً الأكثر شعوراً بأزمة الإعلام، بعض القراء يعرفون عن العشرين صحفياً، معظمهم من الجزيرة، والذين تم القبض عليهم ويواجهون العديد من التهم، بعضهم في السجن ينتظر المحاكمة،  في ظل وجود حملة عالمية تطالب بالافراج عنهم.

في ظل هذا المشهد المضطرب والمليء بالتهديدات، أمضى مزيج من الصحفيين المحترفين من مختلف المنابر الاذاعية، والتليفزيونية، والعاملين في الإعلام الإلكتروني والطباعة، يوماً اجتمعوا فيه بالنادي اليوناني، حيث قال أحد المتحدثين :”لندق ناقوس الخطر” من أجل حرية الصحافة، والصحافة بشكل عام.

ناقش الصحافيون  كيف تم اختطاف وسائل الإعلام من قبل “الديكتاتورية الشعبية”، التي، في واقع الامر، لعب  الصحفيون أنفسهم دوراً في خلقها، كما لاحظوا كيف أن شباب المراسلين والمحررين الذين تحرروا في أعقاب خلع مبارك، تم كبح جماحهم بواسطة تدخلات المعلنين والملاك، وكيف طغت الأصوات “الوطنية “على الأصوات المهنية والموضوعية في الصحافة.

وتسائلوا في الندوة: أليس هذا نفس ماحدث في الصحافة الأميريكة بعد هجمات 11 سبتمبر؟ عندما علقت وسائل الإعلام بشكل مؤقت مفاهيم التوازن والموضوعية بعد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن عام 2001؟

 ربما،  لكن لم أحدا لم يحتفي بخطاب جورج بوش الخاص بالحرب على الإرهاب “أنت إما معنا، أو ضدنا” ،   ذات الخطاب المتفشي الآن في القاهرة.

 رأى معظم الصحافيين الحاضرين، أن  “المصلحة الوطنية” هي عذر بائس للدعاية الفجة، للخبث التحريري والتعامل الخادع مع الحقائق، لكنها تبقى – تلك المصلحة الوطنية-  الحجة التي تقف وراء سلوك وسائل الإعلام في مصر.

لم يتعاطفوا مع قناة “الجزيرة”،  التي وجهوا تحديدا إلى قناتها المصرية “مباشر مصر: انتقادات بشأن انحيازها لجماعة الإخوان المسلمين،  والسياسات القطرية في المنطقة.

ومع ذلك، وبنهاية اليوم، أصبح المزاج العام في النادي اليوناني أقل احتقانا،  مع  تناول النقاش كيفية العودة إلى الأساسيات : الأخلاق، التعددية، والصحافة المهنية.

قرروا أن يدعموا سيدعمون رابطة المحررين المصريين، حديثة التأسيس، وسيعملون  على تنظيم المزيد من المناقشات والمناظرات، ودعم الجهود الرامية إلى إنشاء هيئة تنظيمية ذاتية ومستقلة للإعلام المصري، فضلاً عن تنظيم إجراءات جديدة لتحسين مستويات الشفافية والإدارة الرشيدة داخل وسائل الإعلام .

بالتأكيد، لازالت صراعات أخرى تنتظر، ليس أقلها معركة تشريع قانون الإعلام الجديد، المفترض إصداره في وقت لاحق من العام الحالي، بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فضلا  عن التحدي المتمثل في إصلاح شبكة وسائل الإعلام المملوكة للدولة، والتي من بينها صحف مثل الأهرام، واتحاد الإذاعة والتليفزيون الذي يبث  أكثر من 20 قناة تليفزيونة، والعديد من المحطات الإذاعية.

لكن تلك الخطوات يمكن أن تنتظر، يكفى أن الصحفيين والمحررين قد كسروا صمتهم إزاء ازمة وسائل الإعلام، إنها بداية صغيرة،  ولازال لا شيء مؤكدا، لكن الصحفيين المصريين عادوا إلى المسار الصحيح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى