ترجماتسياسة

“أتلانتك” الأمريكية تقدم “تمرينًا” لفهم تغريدات ترامب

يصعب فهم تصريحات ترامب بسبب تكرار العبارات والبذاءات وعدد الكلمات المحدود في تويتر

الإنتاج الغزير للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من التصريحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي أي مكان آخر، إلى جانب انتهاجه اتجاهًا ارتجاليًا في الحديث بوجه عام، لا يعني سوى أن إدراك آرائه وانطباعاته الحقيقية قد يكون تحديًا للكثيرين، برغم سهولة أن يجد الجميع كلماته.

خلال يومي الأحد والإثنين الماضيين، نشر ترامب سلسلة من التغريدات التي تتحدث عن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية “نافتا” وعلاقة الولايات المتحدة بالمكسيك، ورأت صحيفة “أتلانتك” الأمريكية بعض الوضوح في فهم آرائه عند قراءة التغريدات بالترتيب. لكن قيود الشكل وعدد الكلمات المفروضة في تويتر، إلى جانب تكرار ترامب للعبارات وميله إلى الحديث العنيف والبذيء، يضيف قدرًا أكبر من عدم الوضوح.

الصحيفة حاولت استخلاص الآراء الحقيقية لترامب من التغريدات بتمرين بسيط، يستنبط الحقيقة بمن بين السطور ويلخصها في فقرتين هكذا:

قبل 25 عامًا مضت، منحت الولايات المتحدة المكسيك هدية هائلة هي اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية؛ والتي أثرت المكسيك لكنها أفقرت الولايات المتحدة. الأكثر سوءًا هو أن المكسيك ترد هذا المعروف بإرسال سيل ضخم من المخدرات والبشر – وضعوا في اعتباركم أنها لا ترسل أفضل الناس – عبر الحدود إلى حدود الولايات المتحدة. بإمكان المكسيك أن تتحكم في حدودها مع الولايات المتحدة؛ لكنها ترفض أن تفعل ذلك. حان الوقت كي تستخدم الولايات المتحدة التأثير الإيجابي الذي اكتسبته من اتفاقية “نافتا”، وتوقف ذلك بإجبار المكسيك على دفع تكلفة بناء جدار بطول الحدود.

ويرتبط بذلك ارتباطًا لا ينفصم “القرار المؤجل للواصلين أطفالًا” أو “داسا”. هذه السياسة جيدة من حيث كونها تسمح للأشخاص الجيدين الذين قدموا إلى الولايات المتحدة أطفالًا بالبقاء فيها؛ لكنها سيئة أيضًا من حيث كونها تشجع تدفق أعداد هائلة من الناس على السعي إلى القدوم إلى الولايات المتحدة. على الجانب الآخر، يقع اللوم على الحزب الديمقراطي الذي حجب القانون، ويحتاج مجلس الشيوخ أن يستدعي الخيار النووي ويخفِّض الحد الأدنى لجميع مشاريع القوانين إلى 50 صوتًا. لكن، من زاوية أخرى، تأخر الوقت كثيرًا لفعل ذلك وقد أصبح “داسا” نافذًا.

يوضح دافيد جراهام، كاتب المقالة بصحيفة “أتلانتك”، أن “هذا التمرين ليس مفيدًا في فهم آراء الرئيس الأمريكي فحسب؛ بل لأنه يظهِر إلى أي مدى تُبنى سياسات البيت الأبيض على سوء الفهم وأنصاف الحقائق والأباطيل والتناقضات”. وفيما يلي يشرح الفجوة الحقيقية بين تغريدات ترامب وما يحدث على أرض الواقع.

ترتبط فكرة أن “نافتا” كانت نعمة على المكسيك ونقمة على الولايات المتحدة باعتقاد ترامب أن التجارة “معادلة صفرية”، في حين لا يشاركه معظم الاقتصاديين هذا الرأي. الخدمة البحثية للبرلمان الأمريكي “الكونجرس” لخصت الأمر العام الماضي بقولها إن “معظم دراسات الآثار الاقتصادية لمرحلة ما بعد (نافتا) وجدت أن النتائج الشاملة الخالصة للاتفاقية على الاقتصاد المكسيكي تميل إلى كونها إيجابية، لكن بقدر معتدل”، حيث جلبت الاتفاقية المال والثورة إلى المكسيك لكنها أضرت ببعض القطاعات نظرًا لعدم المساواة الاقتصادية السائد في العالم ككل.

كذلك وجدت الخدمة البحثية للكونجرس وجهات تحليلية أخرى أن للاتفاقية أثر إيجابي على الناتج الإجمالي المحلي الأمريكي – وإن لم يكن ذلك التأثير كبيرًا – ولم تتضرر الموارد والمصارف في الاقتصاد.

الآن، ماذا عن علاقة اتفاقية “نافتا” بالهجرة؟ كان هناك اتجاه متزايد للهجرة غير الشرعية من المكسيك إلى الولايات المتحدة، واستمر هذا الاتجاه بعد سريان الاتفاقية؛ لكن الهجرة غير الشرعية وصلت إلى قمتها ثم انعكس اتجاهها في 2007. وفي 2015 كان هناك اتجاه صافٍ من المكسيكيين المهاجرين إلى الولايات المتحدة (يشكل شرعي أو غير شرعي) والذين تمت إعادتهم إلى بلادهم.

وفي العام المالي 2017، تم القبض على أعداد من غير المكسيكيين أثناء محاولتهم دخول الولايات المتحدة بشكل غير شرعي تفوق أعداد المهاجرين من المكسيك؛ وهي المرة الثالثة التي يحدث فيها ذلك خلال السنوات الأربع الماضية. يُضاف إلى ذلك أن مؤشرات تدفق الأفراد إلى الولايات المتحدة قد انخفضت منذ تولي ترامب الرئاسة، وبدون “حائط الحدود” الذي يريده.

الرئيس الأمريكي قال إن “المكسيك لديها القوة المطلقة كي لا تسمح لهذه (القوافل) الكبيرة من البشر بدخول بلادهم”، ويعود مصطلح (القوافل) إلى مقالة نشرتها صحيفة “بزفييد” الأسبوع الماضي – ولعل ترامب قد رآها على قنوات “فوكس نيوز” المؤيدة له – حول قصة حوالي 1000 مهاجر من أمريكا الوسطى يمشون في مسيرة كبيرة باتجاه الشمال. لكن القصة لا تقدم أي مؤشر على حركة أوسع للهجرة، فضلًا عن تسليم هؤلاء الأشخاص أنفسهم السلطات الأمريكية وطلبهم اللجوء السياسي؛ أي أنهم ليسوا مهاجرين غير شرعيين.

وبينما يؤكد ترامب أن بإمكان المسيك إيقاف تدفق المخدرات المهرَّبة إلى بلاده من جهة المكسيك، فإن هذه المسيرة تثبت العكس حيث رغب روادها في تجنب ترحيلهم وتجنب العصابات المعروفة باعتدائها على المهاجرين المعرضين للخطر في أية لحظة. الفساد متوغل في المكسيك، بدءًا من التحالف بين رجال الشرطة ومهربي المخدرات؛ لكن الحكومات المكسيكية الناجحة حاولت دحض تلك التجارة وفشلت.

التجارة ذاتها تجري على الحدود الجنوبية للمكسيك، حيث حاولت الحكومات قمع التجارة على المعابر هناك وفشلت؛ لا سيما منذ قرر سكان أمريكا الوسطى في مرحلة ما بعد حكم ترامب أنهم لن يذهبوا إلى الولايات المتحدة ولن يعودوا إلى وطنهم الأصلي، وقرروا البقاء في المكسيك. ورغم وجود الكثير من الانتقادات لمدى نجاح الحكومة في مكافحة الاتجار بالمخدرات والهجرة غير الشرعية، فإنه لا يوجد دليل على أن السبب يكمن في “عدم وجود إرادة لدى المكسيك لهذه المكافحة”.

تعليق ترامب على القرار “داسا” يبدو أكثر تعقيدًا وتناقضًا من تعليقاته على الهجرة و”نافتا”. قدم الرئيس الأمريكي خلال حملته الانتخابية وعدًا بإلغاء هذا القرار، ونفّذ ذلك بمجرد توليه لمنصبه؛ لكنه قدم له سببًا إجرائيًا وهو أن الرئيس في رأيه ليس من سلطته حماية من وصفهم بـ “الحالمين” – نسبةً إلى مشروع “قانون الحلم” الخاص بالتعامل مع القصَّر القادمين إلى الولايات المتحدة – مطالبًا الكونجرس بسنّ قانون لحماية هؤلاء.

كانت هذه هي محاولته لتفريق دم القضية السياسية بين عدة أطراف، حيث كان يعلم أن السياسة تستحوذ على الاهتمام لكن أنصاره يكرهونها، لذا أراد أن يسعدهم بإلغاء القانون وفي الوقت نفسه يخفف وقع الضربة السياسية بتحويل اللوم إلى الكونجرس.

وبالنظر إلى ما تثيره القضية من خلاف، ووضع الكونجرس بين المشاكل المزدحمة فوق رأسه، فقد كان على ترامب أن يعلم أن القرار “داسا” قد قُتِل في مهده ولا مجال للحديث عنه. لكنه، على مجار الأسابيع القليلة الماضية، يحاول إقناع الناس بأن إلغاء القرار هو خطأ الديمقراطيين المسيطرين على البرلمان. صحيحٌ أنه كان على الديمقراطيين الكفاح بشكل أكبر من أجل القانون حين كانوا مسيطرين على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ؛ لكن حزب ترامب الجمهوري هو من عرقل مشروع القانون بعد ذلك.

من السهل أن السبب الذي يجعل ترامب مهتاجًا بهذا الشكل، فقد كان الوعد الأساسي في حملته الانتخابية هو بناء جدار على الحدود الجنوبية وتحميل المكسيك تكاليفه، والآن هو في الحكم منذ 14 شهرًا ويجد نفسه عاجزًا عن تحقيق أي تقدم حقيقي. وبينما هو في هذا الوضع الحرج فإنه يزعم أنه يبني الجدار بأي شكل، حيث نشر تغريدة قبل أسبوع مضى تتضمن صورًا لبناء جدار كتب عليها: “ملخص عظيم في ظهيرة هذا اليوم لبداية بناء جدارنا الحدودي الجنوبي!”.

وكما أشارت صحيفة “لوس انجلوس تايمز“، فإن هذا ليس حقيقيًا؛ فقد كانت الصور تعبر عن عقد موجود قبل فترة لاستبدال سور حدودي موجود، وصرَّح حرس الحدود بوضوح بأن هذا ليس الجدار الذي يقصده ترامب.

هذا جزء من اتجاه أكبر لهذا الرجل. لقد كتبتُ، بعد توقيع ترامب قانون الإنفاق الشامل على مضض، أنه يظهِر علامات رجل يستمر في الفشل فيما يريد أن يحققه في حكم الولايات المتحدة. أحد الأسباب وراء ذلك هي أنه من أنصار نظرية خاطئة في الرئاسة تقول بأن الرئيس يمكنه الحكم سياسيًا باستخدام قوة الإرادة وبراعة التسويق فحسب؛ وهذا يوضح أيضًا لماذا يعتقد ترامب أن المكسيك بإمكانها فتح وغلق سيل الاتجار بالمخدرات والهجرة غير الشرعية بمجرد أن تريد ذلك.

هناك سبب آخر لخّص به كاتب بصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية المسألة حين كتب عن آخر “انفجارات” ترامب الإثنين الماضي، قائلًا: “يضلل دونالد ترامب الأمريكان بشكل محزن، عن قصد أو دون قصد، فيما يتعلق بقاحد أكثر قراراته كرئيس من حيث الترابط المنطقي. ما التفسير حسن النية لهذا التصرف؟”.

لكن هذا ليس سؤالًا ذا خيارين للإجابة؛ فقد كذب ترامب على الشعب بشكل متكرر، وروايته عما حدث بالنسبة للقرار “داسا” مضللة. وفي الوقت نفسه، الرأي الذي وصل إليه في تغريداته ينم عن الكثير من سوء الفهم للحقائق والعمليات، بما يتضمن أمورًا أساسية مثل كيفية عمل الكونجرس. من الصعب جدًا أن يمارس أحدهم السياسة بصورة فعالة حين لا ترتبط رؤيته للموقف بالموقع على الإطلاق.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى