سياسةمجتمع

رباب المهدي في الجارديان: “الإمام ماركس”..أو كيف تغيرت نظرتي إلى الإسلاميين؟

المهدي في “الجارديان”: حلمت نهلة بأن ماركس يؤمنا في الصلاة

الجارديان – رباب المهدي – ترجمة: محمد الصباغ

خلال إحدى  التظاهرات بشارع محمد محمود بالقاهرة في نوفمبر 2011، سألني أحد الأصدقاء عما إذا كنت أرغب في تأسيس “مجموعة قراءة” لبعض الشباب المنخرطين بالسياسة. لقد قرأت رواية (أن تقرأ لوليتا في طهران – Reading Lolita in Tehran) ولم تعجبني، لذا لا أهتم بمحاكاة بطلة الرواية التي جعلت في منزلها نادياً للقراءة وشجعت الأعضاء على القراءة ومناقشة الأدب الغربي كأحد وسائل التحرر. لم يفهم صديقي ما عنيته ولذا قبلت.

توقعت حضور خمسة أشخاص فجاء خمسة عشر، جميعهم في العشرينيات وبدايات الثلاثينيات من العمر، وأغلبهم ممن تصنفهم وسائل الإعلام والسياسيين بـ”الإسلاميين“. تصنيفي أنا؟ ”ناشطة وأكاديمية يسارية“.

تقابلنا أسبوعياً، وقرأنا سوياً لفلاديمير لينين، وفرانز فانون، وعلي شريعتي، وطلال أسد، وإدوارد سعيد وليلي أبو المجد وآخرين. تحدثنا عن الماركسية ودراسات ما بعد الاستعمار، والإسلام، والنسوية، والمقاومة والثورة. كما تناقشنا أيضاً باستفاضة عن السياسة المعاصرة، لكن مع مرور الأسابيع قمنا بالطهي معاً، وشاهدنا الأفلام، وتحدثنا عن عائلاتهم وحياتهم العاطفية.

وكطالبة لدراسات ما بعد الاستعمار وامرأة عربية وسط دوائر غربية، كان عليّ عادة مواجهة افتراضات الآخرين عني، ومعظم عملي الأكاديمي كان مرتبطاً بتفكيك تلك الصور النمطية. لذا اعتقدت أنني بعيدة عن التصنيفات والافتراضات والاستنتاجات والتقسيمات المصطنعة، حتى طلبت مني كل من أسماء وعواطف ومريم –الثلاث أمهات وربات منزل- الانضمام إلى المجموعة، وهنا أجبرت على مواجهة افتراضاتي العميقة.

عندما جئن إلى أول اجتماع، اعتقد أنني كنت  حساسة تجاههن، اقترحت أن نشكل مجموعة منفصلة للنساء، وبالتالي يكون الأمر أكثر سهولة. رفضن بأدب، وعلمت بعد ذلك أن الثلاثة لسن في حاجة إلى إشعارهن بالراحة كي يعبرن عن آرائهن.

عادة كانت أسماء تهيمن على النقاشات. أما عواطف فكانت لها دائماً ملاحظات ظريفة، وثلاثتهن جئن بقصص حياة عاشوها بالكامل: من التطوع بمعسكرات الشباب، وحضور دورات إلى  ترك الاطفال مع أزواجهن. كنت افترض أن بيوتهن وحياتهن قد تكون مرتبة وفقاً للتوزيع الصارم للأدوار حسب الجنس، لكن الأمر لم يكن كذلك.

عقب أشهر من بدايتنا، بعض أصدقائي ”العلمانيين“ (هذا تصنيف اخر مصطنع وسهل) بدأوا يسألون عما إذا كانت النساء، مع قراءة النصوص والمناقشات، بدأن في خلع الحجاب أوأصبح الرجال أقل تديناً. لكن ذلك لم يحدث. ولو كان هناك شئ ما، فهو أنهم -المجموعة كلها – أصبحوا أكثر راحة عند بالتداخل مع الهويات المتعددة.

وصلت نهلة، التى باتت مرشدتي لأماكن الموسيقى البديلة والعروض الكوميدية والتصوف في القاهرة، متأخرة عن موعد اجتماعنا، وقالت: ”حلمت بأن ماركس يؤمنا في الصلاة لكنه لم يعرف اتجاه القبلة“. لم ترى نهلة و الشباب الآخرون تناقضاً بين كونك متديناً، وتقدمياً.

أما أسماء فقد رفضت خلع حجابها رغم طلب زوجها ذلك. فيما يؤمن محمد، الصيدلي من البدرشين، أن القرار لبناته في رغبتهن  في الصلاة أم لا، حتى لو كان شخصياً لا يفوت صلاة. ويعتقد تامر، مخرج، أن أفلام برناردو برتولوتشي التي شاهدناها قد تخدم نفس الغرض وهو تقليل العريّ، يتفق البعض ويختلف البعض الآخر. تناقشوا عن ترسيخ عقائدهم، ومعاناتهم الشخصية مع بعض القناعات الدينية والسياسية التي يحملونها منذ وقت طويل. لا يوجد شئ مثالي هنا.

عبر الزمن تتغير الأشياء، كما حدث مع مصر. أصبحت اجتماعاتنا الأسبوعية أقل عدداً وأقل انتظاماً. تحتم على عواطف وعائلتها الرحيل خوفاً من المحاكمة. وبقي أسماء ومحمد وتامر، لكن كان عليهم التوقف عن فعل الكثير من الأشياء المحببة لهم. مع الحملة على الحريات والهجمات ضد النشطاء، أصبح الكثير من أعضاء مجموعة القراءة محبطين وفي خطر. تقضي نهلة معظم وقتها متنقلة بين سجن وآخر لزيارة أصدقائها المحبوسين. كذلك كثيرون من عائلة مريم في السجن مع آخرين شاركوا في مظاهرات ضد الرئيس السيسي.

يخلط النظام والإعلام (المحلي والدولي) بين المسلمين المتدينين، والإسلاميين، والمشاريع السياسية اليمينية مثل مشروع الإخوان المسلمين وبين الإرهاب. يتم تصوير أصدقائي كقنابل موقوتة يجب القضاء عليها أو احتوائها –ليس لأنهم يمثلون تهديداً إرهابياً كما يصور البعض الأمر- لكن بسبب عقولهم الانتقادية، ورغبتهم في التغيير وحبهم للحياة التي تهدد الوضع الحالي.

هل كل الشباب الذين قرأوا معي يمثلون كل المصريين، كل الأشخاص المتدينين، أو كل شباب جيلهم؟ بالطبع لا، لكنهم ليسوا أيضاً حالة شاذة. عندما انظر إلى مجموعتنا، أو ما تبقى منها، أرى كيف يبدو الإبعاد والاغتراب أمرا صعبا. هذه الدولة هى المكان الذى اختار الناس أن ينتموا إليه، وهى نفسها التى ترفضهم. الشىء الثابت هو أنهم يتحدون رغبة الكثيرين في استسهال التصنيف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى