ترجماتسياسة

آية حجازي تكتب لواشنطن بوست: عرضوا على زوجي استبدالي بزوجة أخرى!

آية حجازي هي ناشطة اجتماعية أمريكية مصرية سجنت في مصر وبرأتها المحكمة بعد احتجاز دام لما يقرب من ثلاثة أعوام.

واشنطن بوست- آية حجازي

ترجمة: فاطمة لطفي

إذا طلبت مني تسمية إنجازي في الحياة، سأجيبك في كلمة واحدة هي «بلادي». المؤسسة غير الحكومية التي أسستها مع زوجي في مصر، وجزيرة الإنسانية التي حمت 40 طفل شارع تعرضوا للنبذ ولانتهاكات واعتداءات جنسية. لكن المؤسسة لم تستمر طويلًا، فسرعان ما داهمت الشرطة مقر المؤسسة ووجهت لثمانية منا اتهامات بارتكاب جرائم بشعة وسجنوننا لما يقرب من ثلاثة أعوام. وبفعلها ذلك، دمرت السلطات المصرية حلمي وأحلام أربعين طفلا وأثبتت أنها عازمة على سحق من يرغب في العمل بمجال حقوق الإنسان في مصر.

لنبدأ من البداية، في يناير عام 2011، كنت طالبة أمريكية مصرية تدرس القانون في جامعة جورج ماسون، تأثرت بالاحتجاجات في مصر آنذاك وأردت أن أرى موطني دولة ديمقراطية مزدهرة. لذا تخليت عن كل شيء لأنضم للتظاهرات في ميدان التحرير، وهناك التقيت زوجي محمد وتزوجنا بعد ذلك بعامين.

وقررنا معًا، أن السبيل الأفضل لجلب إدارة رشيدة لمصر هو أن نستثمر في أطفالها. وبدأنا بالفئة الأكثر ضعفًا وهي أطفال الشارع. وفي 75 يومًا فقط رأيت إمكانات «بلادي» الهائلة، وجد 40 طفلًا مأوى معنا بدلًا من أن يصبحوا مشردين أو مجرمين.

وفي «بلادي»، تبدلت أحوالهم وتغيرت هوياتهم وصورتهم عن أنفسهم. عندما كان صلاح، أحد أطفال المؤسسة، يشعر بالحزن بسبب أنهم كانوا يطلقون عليه طفل شارع، قلت له إنه لا يجب أن يعتبر نفسه كذلك بعد الآن لأنه لم يعد يعيش في الشارع، هو الآن يعيش في مؤسسة بلادي وصار ابنا لها، جعلهم ذلك جميعًا يشعرون بالفخر. وعندما زاره أحد أقربائه في وقت لاحق وعايره بكونه طفل شارع رفع صلاح رأسه عاليًا وقال له «لا. الآن أنا ابن لبلادي».

غيّرت بلادي أيضًا المنظور المجتمعي تجاه أطفال الشوارع. عقب أن اصطحبتُ ثلاثة أطفال من المؤسسة للتحدّث في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، قال لي أستاذ جامعي هناك إن طلابه غيروا من وجهات نظرهم. وبينما رأوا في السابق مراهقين مؤذيين يتحرشون بهم أو يتسولون، رأوا أطفال «بلادي» على ما هم عليه. أطفالا صامدين وأبرياء. شعرنا بالقوة لأننا قادرون على حماية أطفال الشوارع، المشكلة التي كان يعتقد أنها مستعصية على الحل.

لكن بدلًا من أن تدعم الدولة مبادرتي، داهمت الشرطة المصرية المؤسسة وأوقفت عملنا وألقت بالأطفال مجددًا إلى الشارع. أحد هؤلاء الأطفال مازن، دخل إلى المؤسسة بعد أن تشاجر مع والديه لأنه -مازن- كان متحمسًا لاستكمال تعليمه في المرحلة الإعدادية. وحينما اقتادته قوات الأمن إلى الخارج نظر إليّ بيأس وهو ممسك بكتبه وتوسل قائلًا «أرجوك، أريد خوض الامتحانات».

بعد الاعتقال، خضعت أنا وزوجي لتحقيقات كل منا على حدة وطلبوا أن يدين أحدنا الآخر. قالوا لزوجي إنه يمكن أن يغادر بأمان إذا أقر بأنني جاسوسة أمريكية، وفي حال قام بذلك، ستساعده السلطات في العثور على زوجة جديدة! مع ذلك، كنا أقويا بفضل الحب الذي يجمعنا، لكن كلفنا حبنا وحلمنا ما يقرب من ثلاثة أعوام في السجن.

وأثناء فترة احتجازي في السجن، ذكّرتني كلمات أحد أطفال المؤسسة ويدعى “أسامة” بحلمي عندما كتب «لن أصدق أبدًا أي شيء سيئ عنك. وسأبقى بجانبك حتى تحصلي على حقوقك، وبمجرد خروجك من السجن، سنحتفل ومن ثم ستغادرين هذه البلاد التي تغيب عنها العدالة، لست مجبرة على البقاء فيها لكن نحن مجبرون».

ورغم صغر سنه، كان أسامة محقًا. لا يوجد سوى القليل من العدالة في مصر. تريد الحكومة الاستئثار بالتمويل الأجنبي، وفي طريقها لذلك تشهّر بسمعة أي شخص يستخدم تمويلًا أجنبيًا أو لديه علاقات خارجية. وهي مستعدة لإصدار أحكام قضائية بحق أبرياء بالسجن مدى الحياة فقط لإحكام قبضتها على زمام السلطة. وتحقيقًا لذلك، مررت الآن قانونًا الجمعيات الأهلية أكثر قسوة من أي قانون صدر في السابق.

لكننا لم نفقد دافعنا. حاولت الشرطة استخدام قضيتنا كدليل على أن منظمات الجمعيات المدني تضر بالمجتمع لكن جهودهم بهذا الصدد جاءت بنتائج عكسية. احتشد العاملين بمؤسسة بلادي ومن منظمات المجتمع المدني بمصر وآخرون غرباء من حول العالم وحتى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى جانبنا. ونتيجة لذلك، حدث المستحيل. وأخذت العدالة مجراها وبرأتني المحكمة أنا وزوجي. وبدلا من إثبات مدى ضرر منظمات المجتمع المدني، أظهرت قضيتنا للعالم أن الدولة المصرية فاسدة دون هوادة وبلا أي معايير أخلاقية، كما أظهرت أن منظمات المجتمع المدني ضحية للحكومة.

وأثبت إطلاق سراحي أنني كنت على حق في الأمل الذي كنت أحمله. الآن أستطيع أن أقول بصدق لأسامة إنه بإمكاننا تحقيق العدالة إذا سعينا وراء أحلامنا.

لذا لأجل دعم نضال المصريين لتحقيق العدالة وللحصول على حكومة رشيدة، سأؤسس “بلادي” في الولايات المتحدة. ومرة أخرى سنبدأ بالفئة الأكثر ضعفًا، الأطفال المعتقلين سياسيًا. فقط عندما يصبح الناس أحرارًا يمكن أن يحلموا بمجتمع إنساني وحكم رشيد.

وهناك الكثير يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة للمساعدة. على سبيل المثال، ينبغي على الولايات المتحدة تقديم مساعدة لدعم حقوق الإنسان للحكومة المصرية فقط إذا كانت الحكومة تنهض بحقوق الإنسان ولا تقمعه. كما أن عليها أيضًا استخدام نفوذها للنهوض بحقوق الإنسان علنًا وخلال اجتماعات سرية، كما جرى الأمر في قضيتنا. حيث أحلام الكثير من الشباب المصريين على المحك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى