سياسة

على غرار الستينيات.. حرب اليمن مرة أخرى؟

قال المشير عامر، في الستينيات، بعد حرب اليمن: أدركنا أنها كانت حربا بين القبائل وتدخلنا دون دراسة تاريخ البلاد

كونتر بانتش – مايكل هورتون – ترجمة: محمد الصباغ

توغلت أربع دبابات في ليلة مقمرة وحاصرت قصر الإمام بدر بالعاصمة اليمنية صنعاء. كان ذلك بالتحديد في 26 سبتمبر عام 1962. وعند سماعه أصوات الدبابات غادر غرفته بالدور العلوي قبل قصفها. وهنا بدأ الإنقلاب الذي أغرق شمال اليمن في حرب أهلية دموية قرابة ثماني سنوات.

أمر الإمام من تبقى من حراسه بإحضار المدافع الرشاشة، ثم وقف مع والد زوجته في شرفة القصر، وأطلقوا النار على الجنود المتمردين المحاصرين للقصر، وألقيت أكياس من الرمال المشبعة بالبنزين على الدبابات بالأسفل وتم اشعال النيران فيها.

فر الجنود بعد ذلك وظل بدر يقاتل من جبال اليمن في الشمال الغربي حتى تم نفيه إلى المملكة المتحدة عام 1970. ومع نفي الإمام بدر انتهت فترة الإمامة الزيدية التى حكمت أجزاء من اليمن لألف عام.

  كان قائد الإنقلاب هو رئيس حرس بدر، المشير عبدالله السلال، الذي تلقى الدعم من الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وخلال شهور، كان على الأراضي اليمنية عدة آلاف من الجنود المصريين لدعم الجمهوريين بقيادة سلال ضد الملكيين بقيادة بدر.

مولت المملكة العربية السعودية الملكيين، وأيدهم سراً أيضاً كل من الأردن، وإسرائيل، وإيران، وفرنسا وأخيراً المملكة المتحدة. وكان لكل منهم هدف استراتيجي باضعاف عبد الناصر والجيش المصري. وفي نهاية المطاف دفع ناصر بأكثر من 50 ألف جندي مدعومين بطائرات الميج والأسلحة الثقيلة إلى اليمن. ورغم عدد الجنود، والدعم الجوي الكبير واستخدام المصريين أيضاً للأسلحة الكيماوية، أصبحت الحرب في اليمن كما وصفها عبد الناصر بعد ذلك ”حرب كفيتنام”.

مع إستيلاء الحوثيين حالياً على الكثير من شمال اليمن، تظهر أصداء الستينيات. وهناك احتمال ضئيل بعدم نشوب حرب بالوكالة طويلة الأمد على أرض اليمن بين قوتين إقليميتين هما السعودية وإيران. وبعكس الستينيات هم الآن على طرفي النقيض.

تعارض السعودية بشدة الحوثيين لأنهم يتبعون الطائفة الزيدية الشيعية. ويخشى السعوديون من ”ثورة“ حوثية قد تنتشر في حدودها الجنوبية ما يجعل الأقلية الشيعية في المملكة أكثر جرأة. في إبريل 2000، أخمدت السعودية حركة تمرد شيعية في محافظة نجران، التى تقع على حدود يحكمها الحوثيون.

 وعلى الجانب الآخر من الحرب بالوكالة تأتي إيران بدعمها المادي المحدود للحوثيين. المزاعم التى تقول إن إيران تمد الحوثيين بالأسلحة والتدريب مشكوك فيها، لأن الحوثيين ليسوا في حاجة للأسلحة، هم يمتلكون أكثر من طاقتهم، و مقاتليهم الأساسيين متمرسين على القتال وليسوا في حاجة إلى تدريب. ورغم ذلك، لو تم عزلهم، قد يزيد ذلك من درجة ارتباطهم بإيران.

ما يحتاجه الحوثيون وما تمدهم به إيران هو على الأقل الأموال. الإقتصاد اليمني في حالة احتضار. ويعتمد البنك المركزي بشكل مستقل على القروض والمنح من السعودية والدول الخليجية. وإستقالة الرئيس اليمني هادي  وحكومته وحل الحوثيين للبرلمان بشكل منفرد وغير قانوني يعني أن الأموال التى تأتي من دول الخليج قد انتهت.

و السؤال مطروح الآن: من أين ستأتى الأموال لدفع مرتبات عشرات الآلاف من الموظفين والجنود في اليمن؟

ويمثل عدم وجود موارد لدفع المرتبات الحكومية خطراً حقيقيا وقاتلاً للقيادة الحوثية. وسوف تستفيد السعودية من هذا الوضع بمنح زعماء القبائل والعناصر العسكرية المعزولة المعارضة للحوثيين أموالا لا حصر لها. الأمر المقلق أكثر هو أن تلك الأموال قد تجد طريقها إلى جماعات مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وهم كسلفيين سنة أعداء أبديين للشيعة الحوثيين.

تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية هو أكثر من مجرد تنظيم بلا ملامح كما هو شائع. فمع استيلاء الحوثيين على صنعاء واستقالة الحكومة، يعني ذلك أن العلاقات بين زعماء القبائل والمليشيات القبلية المعارضة للحوثيين وأيضاً المسلحين المنتمين للقاعدة سوف تصبح أفضل. وستكون المليشيات السلفية المنظمة كالقاعدة المستفيد الأكبر من الحرب بالوكالة في اليمن.

الخطوة الأولى لتلك الحرب هى تلك الدعوات الحالية من أعضاء الحكومة اليمنية لدول مجلس التعاون الخليجي للتدخل في اليمن والإطاحة بالحوثيين. فأعضاء مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً السعودية لا يمتلكون القدرات أو الصيغة التى تسمح لهم بتدخل عسكري في اليمن، اليمن ليست مثل البحرين. ورغم ذلك، وبلا شك، ستقوم بعض دول الخليج بتمويل عمليات سرية في اليمن، و كل تلك الأعمال ستسكب البنزين على النار المشتعلة التى تهدد كل أنحاء اليمن.

بلا شك الحوثيون هم حركة يمنية متجذرة في السياق الثقافي والإجتماعي اليمني. وكل الأطراف الخارجية بما فيها ممثلي الحكومة الأمريكية مثل جون ماكين وديان فينستين، الذين يدعون للتدخل على الأرض في اليمن، عليهم أن يتذكروا جيداً قول المشير عامر، مهندس الحرب المصرية الكارثية في شمال اليمن، حين قال: ”لم نكلف أنفسنا عناء دراسة الآثار المحلية والعربية والدولية أو التساؤلات السياسية والعسكرية المتعلقة بالأمر. وبعد سنوات من التجربة، أدركنا أنها كانت حرب بين القبائل وتدخلنا دون معرفة طبيعة الأرض هناك ولا تقاليدهم ولا أفكارهم“.

تورط المصريون في اليمن معتقدين أنهم في حرب بالوكالة عن الجمهوريين، وأنها ستكون حرباً قصيرة ودقيقة ضد داعمي الملكية المدعومين من السعودية، لكن الأمر انتهى إلى خسارة مصر لـ 20 ألف جندي. التدخل في اليمن دون الأخذ في الإعتبار تاريخ البلاد وعاداتها وخليط الولاءات المعقد هناك هو لعبة من الخطير التورط فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى