ترجماتثقافة و فن

هوليوود ريبورتر: فيلم “يوم الدين” تجربة مرموقة احتاجت إلى عكاز موسيقي

الفيلم المصري عوّض مواضع النقص بـ “عكاز موسيقي” بهيّ لعمر فاضل

اختارت “هوليوود ريبورتر” تلك الصورة من الفيلم، والتي تصوّر البطلين في إحدى لحظات الرحلة إلى “أمل المعرفة”

بعد عرض الفيلم المصري “يوم الدين”، الذي يشارك به الكاتب والمخرج أبو بكر شوقي في المسابقة الرسمية لمهرجان “كان” السينمائي الدولي”، خلال يومي الأربعاء والخميس الماضيين، نشرت الصحف الفنية العالمية مراجعات للفيلم ضمن مراجعتها لأفلام المهرجان؛ لتأتي على رأسها مراجعة المجلة الفنية الأشهر “هوليوود ريبورتر”، والتي ركّزت على تحليل العناصر المختلفة بالفيلم وإلقاء الضوء على تعويض بعضها ضعف البعض الآخر.

إليكم نص المقال.

كتب – بويد فان هويج

ينضم الفيلم الروائي الأول للمخرج المصري أبو بكر شوقي، والذي يدور حول رجل شُفي من الجذام ويبحث عن أصوله، إلى المجموعة المرموقة من الأفلام المنافسة بالمسابقة الرسمية في مهرجان “كان.

“مجذوم سابق يجلس مع يتيم على حمار”.. قد تبدو العبارة كاستهلال لنكتة مألوفة؛ لكنها تمثل ما حدث في بداية العرض الأول للفيلم المصري “يوم الدين”، وهو فيلم يبدو مألوفًا إلى حدٍ كبير في الواقع.

يستدعي الفيلم إلى الأذهان ما يقارب ألف عنوان آخر لأفلام مشابهة، يأتي في مقدمتها بالتأكيد فيلميْ المخرج الأمريكي “رجل الفيل” و”القصة الموثوقة”، لينضم الفيلم المصري إلى أفلام الطرق التي تتناول حياة المشردين ويدور حول شخصيتين غير متطابقتين، ويقدم فيه شوقي المخرج المبتدئ مزيجًا دراميًا وميلودراميًا متعدد الأطياف لكنه ليس شديد الامتزاج، ودفعة من البصيرة والنقد الاجتماعيين، مع بعض الكوميديا البسيطة واللعب على أوتار القلوب، مستندًا بشكل أساسي إلى بصمة فنية تقترب من العبقرية.

ورغم أن المخرج قرر أن يلعب دور البطولة ممثل غير محترف، لا يزال يعيش في مستعمرة الجذام في الواقع، فهذا ليس كافيًا كي يجعل “فيلم الطريق” هذا، الذي يصنع تناغمًا من توتر الأبطال، يبدو قادرًا على أن يكون جيدًا بقدر التوقعات التي تصاحب وجوده في ساحة المنافسة بمهرجان “كان”. غالبًا سيقدّر الجمهور العادي العناصر الأدبية العديدة والمميزة بالفيلم، بينما يستمتع برسالته الهادفة إلى الارتقاء، والتي تنتصر للمستضعفين والمهمشين في المجتمع.

شوقي مصري-نمساوي درس بمدرسة “تيش” العليا للفنون بجامعة نيويورك الأمريكية، ويجب أن تُشكر له عودته إلى مسقط رأسه لتصوير فيلمه الروائي الأول، وقراره بتوجيه عدسات الكاميرات إلى موضوع نادرًا ما تستكشفه السينما بشكل عام، وهو الجذام الذي تناوله المخرج أيضًا في وثائقي قصير سابق له.

يتابع الفيلم الروائي الأول لشوقي المفاهيم الخاطئة لدى المجتمع المصري حول هذا المرض، الذي هو غير شديد العدوى لكن الوصمة التي يلصقها بأصحابه هي ما أدى إلى إنشاء مستعمرات الجذام في المقام الأول؛ ويجب أن يُذكر في ذلك أن المفاهيم الخاطئة حول الجذام تمتد إلى نطاق أبعد من المجتمع المصري وحده. يُشفى بطل الفيلم الأربعيني “بشاي” (راضي جمال) من الجذام، فيصبح خطر نقله العدوى إلى الآخرين صفرًا في الواقع، برغم تشوه وجهه ويديه بنسبة أكبر.

شوقي، الذي كتب سيناريو الفيلم أيضًا، أرسل “بشاي” في رحلة ليرى ما إذا كان بإمكانه العثور على عائلته في صعيد مصر، بعد وفاة زوجته المريضة عقليًا، وبعد أن هجرته تلك العائلة في المستعمرة بشمال البلاد منذ كان طفلًا. وفيما بدا تمكُّنًا من الفيلم في استخدام بعض الكليشيهات، يختبئ طفل العاشرة المُلقب بـ “أوباما” (أحمد عبد الحفيظ) بعربة الحمار التي يقودها “بشاي” مغادرًا المستعمرة، كي يمكنه اصطحاب البطل ورؤية شيء ما جديد في العالم؛ أو على الأقل رؤية صعيد مصر. “أوباما” طفل نوبي، لذا يُحتمل أن يجد خيطًا ما يقوده إلى عائلته أثناء عملية بحث “بشاي” عن عائلته. ولا إشارات هنا إلى تخمين أن هذين الرفيقين المبغوضين من المجتمع سيمران بالعديد من المشاكل في طريقهما إلى نهاية مُتوقعة.

ولأن “يوم الدين” يشبه أفلام الطرق عمليًا، فقد صُمِّم بشكل متسلسل استطرادي، وينتهي الحال بـ “بشاي” القبطي في السجن، مُقيَّد اليدين المجتمعتين في سوار واحد مع يديْ مسلم ورع، ويمرض حمار البطلين حتى يسلم الروح فيسلبهما وسيلة التنقل التي يعتمدان عليها.

المصور الأرجنتيني فيديريكو سيسكا، مصور فيلم “باتي كيكس”، التقط جميع تلك المشاهد بأسلوب غير متسرع يفضّل استخدام لقطات متوسطة تتيح نظرة خاطفة إلى العالم الجميل، غير المبالي إلى حدٍ كبير، الذي تتحرك في إطاره الشخصيات.

في لحظة بعينها يزور المسافران مدرسة ضربها الزلزال سابقًا، حاول فيها أحد السكان المحليين مساعدة “أوباما” في البحث عن شهادة مدرسة من شخص ما يُدعى “محمد”، ليأتي الرد المقتضب من “بشاي”: “نص البلد اسمها محمد” كمزحة جيدة؛ رغم الفرصة المفقودة بوضوح لإلقاء نكتة حول شهادة الميلاد في موضع ما من هذا الموقف.

ثمة لحظات صادقة مسلية، بضعها كوميديا سوداء تبدو واقعية إلى حدٍ كبير، مثل المشاجرة على متن القطار؛ رغم كون هذه اللحظة الأقرب إلى الواقعية الوثائقية سرعان ما تتبدَّد حين ينطق “بشاي” سطرًا من الحوار قائلًا: “أنا إنسان!”، وهي عبارة توجيهية جدًا في أحد جوانبها، فضلًا عن كونها لم تبدُ مناسبة للشخصية ولا مطلوبة حقًا في تلك اللحظة المحددة.

هناك أيضًا بضع لقطات ارتجاعية وأحلام متعاقبة تحاول إضفاء بعض الإثارة إلى أسلوب إنساني دافئ بشكل عام، باستخدام لحظات أكثر فنيةً، ورغم كون هذه اللحظات نادرة جدًا في الفيلم ومقتضبة جدًا بما يجعلها غير كافية لتوصيل أية معلومة جديدة، أو تحويل القصة إلى شيء أقل ارتباطًا بأرض مصر الخصبة التي عادةً ما تتناثر فيها القمامة.

من الناحية العملية، جميع اللحظات التي يحلق فيها “يوم الدين” عاطفيًا هي توجيهية، أو تستعين بمساعدة هائلة من بصمة الألحان البهية القوية للملحن الأمريكي عمر فاضل، والذي كان “اللاعب صاحب القيمة الأكبر” من المساهمة الفنية هنا.

أحد الأسباب التي جعلت الفيلم في حاجة إلى الاعتماد على هذا “العكاز الموسيقي” هو أن نبرة نطق الكلمات لم تكن دائمًا مسموعة، مثلما حدث في تلك اللحظة على متن القطار. يقول “أوباما” لرفيقه، في أحد الخطوط الأخرى للفيلم والتي تبدو مكتوبة بحيث تلائم تمامًا فم من ينطقها: “أنت مش عيان، أنت عندك شوية جروح بس ما خفتش”.

وحين تقول شخصية أخرى بالفيلم لبشاي “إحنا عمرنا ما هنبقى طبيعيين، بس ده مش معناه إننا نعيش مكسوفين”، تبدو هذه العبارة حكمة أقل ثقلًا على أذن المتفرج، اكتسبها قائلها من سنوات عاشها في الشارع وتؤدي الغرض منها فحسب؛ مقارنةً بالعبارات “المُفوَّضة” عمومًا، المُستوحاة من وجهات نظر يمكننا أن نجدها بحلقات برنامج الإعلامية “أوبرا وبنفري” عبر “يوتيوب”.

ورغم أن الممثلين غير المحترفين أقنعونا بشخصياتهم كما لو كانت نسخًا منهم، ونجحوا في تسويق علاقتهم الخيالية كشيء حي حقيقي، فإن مثل هذه الخطوط الحوارية إما تهدد بتقويض تأثير الشخصيات أو تفرض سيطرتها على المشاهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى