ترجماتثقافة و فن

محمد أبو سالم: قصة موسيقى الآندرجراوند (7) بيانولا

محمد أبو سالم: قصة موسيقى الآندرجراوند (الحلقة السابعة) بيانولا

 

 

 

bianolla
الصورة من مدونة يزيد.نت https://yazeed.net/2013/04/19/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%84%D8%A7/

 

محمد أبوسالم

 

البطل التراجيدي في المآساة الإغريقية له عدة صفات لابد أن يتسم بها، النبل، الكبرياء المبالغ فيه، التعرض لأحداث مآساوية نتيجة للخطأ التراجيدي، إدراكه أنه من ارتكب هذا الخطأ وأن ما يتعرض له نتيجة أفعاله، ومن الأخطاء التراجيدية الشائعة أن تتركوا شاعرًا يسترسل في الحديث عن شاعر يحبه، هذه الطريقة هي الضمانة الوحيدة لألا ننتهي أبدًا، وهو ما وقعتم به في الحلقة السابقة، سأحاول أن أتدارك الأمرولكن أرجو إن وقعت به مرة ثانية أن يوقفني أحدكم.

 

بمناسبة الحديث عن التراجيديا سأذكر لكم لماذا آثرت أن أكتب هذه الحلقات بالعربية على عكس ما أرتاح إليه، صديقي المغربي د. خالد أمين رئيس المركز الدولي لدراسات الفرجة والأستاذ الزائر في عدة جامعات ألمانية وأمريكية يفهم المصرية جيدًا كعادة أبناء جيله ومن سبقهم من أجيال في كل الدول العربية، لذا كنا نتحدث بها دائمًا أثناء زياراته المتكررة لبرلين، من عدة سنوات أحضر معه ابنه حسام الذي لم يكن قد تخطى مرحلة المراهقة، لنكتشف أن العربية هي وسيلة التواصل الوحيدة الممكنة بيننا، لا هو يفهم حرفًا من المصرية، ولا أنا أفهم المغربية ولا الفرنسية، لا أريد أن يحرم حسام ورفاقه من الاطلاع على تجربة الموسيقى المستقلة بمصر لإنها تستحق.

 

أنا والد الشعرا فؤاد حداد
أيوة أنا الوالد وياما ولاد
آبالسه ربّيتهم بكل وداد
بعدسّه تلميذ أوَّلى وإعداد

المسحراتي – الأرض بتتكلم عربي (سيد مكاوي) ، في كل حي ولد عترة – تعالى نلضم أسامينا – الليلة يا سمرا (محمد منير) ، صلينا الفجر فين (علي الحجار) ، مافيش في الأغاني كده ومش كده (حنان ماضي) ،  فنان فقير على باب الله (وجيه عزيز) ، اسطنبول (نغم مصري) ، قطر الصعيد (اسكندريللا) ، يا بلادي يا بلادي (بليغ حمدي – فيلم العمر لحظة) ، يا طوبة حمرا (أحمد اسماعيل – فيلم كف القمر)

 

يا اسمر يا روحي يا امتداد النيل
الثانية مشيت قد ألفين ميل
على قافية متقدر لها تحمل
ألفين سنة ويفضل كلامي جميل

هل تظن أن هناك من يستطيع أن يتحدث عن فؤاد حداد بعد ذلك؟؟ دعنا ننتقل إلى الثنائي التالي كي لا ندخل تيه كل هذا الجمال، لننتقل إلى الثنائي الأخير المؤثر والذي أدرك تأسيس أول الفرق المستقلة بالفعل.

الأبنودي

عبدالرحمن الأبنودي أو (الخال) كما يحب أن يناديه مريديه، هو صاحب فكرة أن نقدم أغنية في مقدمة المسلسلات، وصاحب أكبر عدد أغاني في مسلسل واحد، حيث كتب 19 أغنية في مسلسل “النديم”، الدراما تحرر الشاعر، فيكتب ما لا يحتمله سوق الإنتاج، ورغم أن موهبة الأبنودي العظيمة حررته أصلاً إلا أنه سعى للمزيد وناله، ومن النماذج الغير معتادة على لغة الأغنية بخلاف أغاني مسلسلاته الكثيرة (المسيح، أنا كل ما أقول التوبة، أحضان الحبايب، تحت الشجر يا وهيبة، عدوية، عرباوى، قصص الحب الجميلة، ساعات ساعات، شباكين على النيل عنيكي، كل الحاجات بتفكرني، برة الشبابيك، قلبى مايشبهنيش) والعدد في الليمون كما نقول في مصر، بعد الثورة التي أيدها الأبنودي منذ يومها الأول كتب (ضحكة المساجين) وأهداها لعلاء عبدالفتاح وكل مساجين الحرية، من مآثر الأبنودي أيضًا تلك اللغة البكر البليغة التي أحضرها معه من محافظة قنا، والتي حافظ عليها رغم إجادته للكتابة باللهجة القاهرية، ولم يسبق لنا أن تفحصنا جماليات لهجات الصعيد بهذه الكثافة قبله، مما فتح شهية الجميع على التماس جماليات لهجات مصرية أخرى.

 

من الحكايات المتواترة عن صلاح جاهين والتي لا أعرف مصدرها أنه قابل خالد الذكر زكريا الحجاوي ذات مرة فدار الحوار الآتي:
– مش انت ياد صلاح بتاع الكاريكاتير؟
-أيوة يا عم زكريا

-وبتكتب شعر ليه بقى؟
-علشان اعبر عن الحاجات اللي جوايا و……
-سيبك من الشعر يا بني

وأصبح صلاح من مريدين زكريا الحجاوي، وظل يتردد على مقهى عبدالله الذي كان يجلس فيه الحجاوي وحوله نخبة من الأدباء فيما يشبه الصالون الأسبوعي، وذات مرة سأله نفس السؤال عن سبب كتابته للشعر، ولكن جاهين لم يجب، بل وقف وظل يدور حول زكريا الحجاوي وهو يغني ويرقص، وعندما سأله زكريا عن الذي يفعله أجاب صلاح: (بالعب يا عم زكريا .. بالعب)

صلاح جاهين

هذا هو مفتاح شخصية صلاح جاهين وشعره، طفل يلعب ويجرب فيمل ويهجر لعبته للعبة أخرى، هذا اللعب الذي جعله يكتب الليلة الكبيرة وكأنه يحمل كاميرا سينيمائية ويدور بنا بدون نظام مسبق، بل تدهشه كل صورة فيدخلها فجأة، وهجر لعبته تلك ليلعب لعبة رباعياته التي قدم فيها عصير الحكمة، ولا تعجبه اللعبة كثيرًا فيهجرها ليعبث قليلا مع الملائكة ال (بمبي)، صلاح جاهين غزير الإنتاج، ولكني سأعطيك مثالاً واحدًا لتعرف مدي أثره على الفرق الحرة بعد عشرات السنين، البيانولا.

أخيرًا هناك شئ مهم أيضًا يربط بين حداد وجاهين وفرق الموسيقى المستقلة، فابنة جاهين الصغرى وحفيد حداد أعضاء في فرقة اسكندريللا، سامية كمغنية وأحمد كشاعر.

 

الحلقات السابقة:

محمد أبوسالم: قصة موسيقى الآندرجراوند (6) لغبة الغريبين

محمد أبو سالم: قصة موسيقى الآندرجراوند (5) غنام وربيع وعزيز

محمد أبو سالم: قصة موسيقى الأندرجرواند (4) تأثير حميد

محمد أبو سالم: قصة موسيقى الآندرجراوند (3) مرحلة أنجليكا

محمد أبو سالم: قصة موسيقى الآندرجراوند (2) طنبورة وجريتلي

محمد أبو سالم: قصة موسيقى الآندرجراوند..(1) البدايات

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى