مجتمع

ثمن الأظافر الجميلة .. تحقيق نيويورك تايمز عن عبودية عاملات التجميل

تحقيق لـ”نيويورك تايمز” يكشف معاناة واضطهاد عاملات تقليم الأظافر في نيويورك .. وحاكم الولاية يتدخل لحمايتهن

نيويورك تايمز – سارة ماسلين بير – إعداد وترجمة: محمد الصباغ

 قبل الثامنة صباحا، تبدأ الفتيات يوميا في التوافد، ويظهر بينهن الكثير من ذوات الملامح الأسيوية واللاتينية. إنه يوم عمل جديد لجيوش من عاملات تقليم الأظافر بمدينة نيويورك، مهرولات إلى صالونات العناية بالأظافر. لا يعدن قبل ساعات متأخرة من الليل بعد وردية عمل تتراوح من 10 إلى 12 ساعة منحنيات على أصابع الأقدام والأيدي.

في صباح أحد أيام مايو الماضي، وصلت “ينج رين” الصينية، 20 عاما، إلى أمريكا، وتعلمت المهنة ثم انتقلت للعمل بأحد محلات لونج أيلاند. وتذهب يومياً حاملة أدوات تقليم الأظافر التي تحملها العاملات في تلك الوظيفة حيث يمكن أن ينتقلن من مكان عمل لآخر. وفي بعض الأحيان تعمل بعض السيدات بدون مقابل حتى يقرر صاحب العمل أنها تمتلك المهارة الكافية للحصول على أجر، وقد تصل فترة الاختبار تلك إلى ثلاثة أشهر. وفي حالات أخرى تدفع العاملات 100 دولار في بداية عملهن في صالونات تقليم الأظافر وكأنها رسوم لفترة التدريب.

بلغ عدد تلك الصالونات في نيويورك وحدها 2000 صالون حتى عام 2012، وألتقت “نيويورك تايمز” 150 من عاملات تقليم الأظافر وأصحاب تلك المحلات، وتوصلت الجريدة إلى أن أغلبية هؤلاء العاملات يحصلن على أقل من الحد الأدنى للأجور بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي بعض الأحيان لا يحصلن على أجر بالأساس. كما يعاني هؤلاء العمال من كل أنواع الإهانة سواء الجنسية أو الجسدية،  وذلك لأخطاء بسيطة، ولا يكون العقاب بسبب خطأ حقيقي في العمل إلا نادراً.

وفي العام الماضي وبسبب ما أرسلته جريدة “نيويورك تايمز” من بلاغات رسمية للشرطة تم عمل حملة أمنية على تلك المحلات لأول مرة ومن خلال تفتيش 29 صالوناً وجدت الشرطة 116 مخالفة متعلقة بالأجور. ومن خلال لقاءات مع 100 من العاملات في تلك المحلات ذكر ربعهن فقط أنهن يتقاضين ما يعادل الحد الأدني للأجور في ولاية نيويورك. وجميعهن عدا ثلاث عاملات فقط قالوا إنهن تعرضن لخصومات غير قانونية، وأيضاً ذكروا أنهن لا يتقاضين أجراً مقابل ساعات العمل الإضافية. ومما يزيد من تعرضهم لتلك المخاطر هو أن معظمهن لا يتحدثن الإنجليزية جيداً ودخلوا الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية.

تعمل “رين” الصينية في أحد المحلات في نيويورك حيث المكان مجهز بكراسي جلدية للإهتمام بأقدام العملاء، وكل كرسي مزود بجهاز أيباد مع ذراع صناعية بحيث لا تفسد السيدة طلاء أظافرها أثناء التعامل مع الأيباد. تستخدم “رين” اسماً مزيفا لها، وهو ”شيري“، وتعمل في صمت أثناء تنظيف أصابع الأقدام والأيدي.

تعود “شيري” لمنزلها في المساء حيث توجد غرفة نوم واحدة، ويعيش معها خمسة أفراد آخرين. تملأ الأسرة غرفة النوم، وكل منهن محاط بستائر. وعندما تضاء الأنوار في المطبخ تنتشر الصراصير في كل مكان.

حسب بعض أصحاب الصالونات فتلك الصناعة انتشرت وبالتالي أصبح الربح بالكاد يذكر، ونتيجة لذلك بالطبع لم ترتفع أسعار الخدمة التي يقدمونها منذ التسعينيات وبالطبع أيضاً لم ترتفع الأجور منذ تلك الفترة. وتقول “رين” إنها عند حصولها على أول أجر ”انفجرت ضاحكة بلا وعي.. لقد عملت لفترة طويلة دون أن أصنع أي أموال والآن اجتهادي في العمل أتى بثماره“.  في تلك الليلة احتفل بها أقاربها. وفي اليوم الثاني من العمل مقابل أجر علمت أن راتبها اليومي سيكون أقل من 3 دولار في الساعة. بينما في أحد صالونات مانهاتن بشارع 14 يضطر الموظف الجديد إلى أن يدفع 100 دولار ليعمل ثم يمارس المهنة لعدة أشهر دون الحصول على أجر قبل أن يبدأ في الحصول على راتب يتراوح بين 30 و 40 دولار في اليوم.

يندرج هؤلاء العمال في أمريكا تحت ما يقال عليهم ”tipped workers“ أي عمال يتقاضون معظم قيمة رواتبهم من البقشيش. وهؤلاء يتقاضون أقل من 30 دولار يومياً مع غير الإكراميات التي يحصلون عليها، وفقاً لقانون العمل الفيدرالي. ففي ولاية نيويورك يمكن لأصحاب العمل أن يدفعوا لهؤلاء العمال أقل من الحد الأدني في الولاية (8,75 دولار بالساعة) بنسبة طفيفة وفقاً لحسابات معقدة تعتمد على ما يحصلون عليه من إكراميات، لكن عملياً لا يحدث ذلك وفقاً لما قاله عشرات العمال. فهم يعملون حوالي 12 ساعة يومياً لمدة ستة أو سبعة أيام في الأسبوع، ولا يوجد ما يسمى (أوفر تايم) أي أجر مقابل ساعات العمل الإضافية، في هذا الوسط. أما في المناطق الأكثر فقراً لا يحصل العمال على أجر ثابت بل على نسبة مما يدفعه العملاء.

معظم العاملات في هذا المجال من أصول صينية أو لاتينية وبعض التبتيين والنيباليين، لكن في الأماكن المستقرة التي تشهد سبل راحة أكثر للعملاء تجد العمالة أغلبها كورية ويعود ذلك إلى أن 80% من أصحاب المحلات من الكوريين. وفي المجمل يحصل العمال الكوريون على أجر أكثر بنسبة 15 أو 25% عن نظرائهم، لكن التفاوت قد يصل إلى أكثر من ذلك. ويقول بعض أصحاب المحلات الكوريين صراحة أن السبب يعود إلى أن الكوريين أذكى من اللاتينيين.

و يظهر التمييز العرقي في جوانب أخرى  في حياة صالونات العناية بالأظافر. عندما يأتي رجل مثلاً إلى المكان للإهتمام بأظافر قدمه يستقبله العامل غير الكوري بسبب سماكة الأظافر والأصابع المغطاة بالشعر.

و بالنسبة لهذا المجتمع من العمال يكون امتلاك صالون هو قصة النجاح التي يريدونها بعد هجرتهم إلى هذا المكان.

و دافع أصحاب الصالونات عن تلك الطريقة في التعامل والأجور الزهيدة التي يدفعونها، فتقول زوجة أحد أصحاب الصالونات إن أرباحهم تخطت 400 ألف دولار في السنة لكن كان هناك نفقات باهظة أيضاً مثل الإيجار والرواتب.

عملت “رين” مثل الكثيرات في الثلاثة أشهر الماضية دون الحصول على أي أجر، ولم تدرك أنه غير قانوني، ولم تدرك أن 30 دولار قيمة ما تقاضته هو غير قانوني أيضاً. وكمهاجرة شعرت بالسعادة بهذا الأجر الزهيد وبهذا العمل، وخافت من تقديم شكوى. فمن قد يستمع إليها ولمن هم مثلها؟

قررت “رين” أن تواصل حياتها بهذا الشكل، وحصلت على زيادة في الأجر ليرتفع إلى 40 دولار يومياً. ومثل ابنة عمها تعلمت الإنجليزية مما قد يساعدها على إيجاد وظيفة لا تشمئز منها. لكن في بعض الأيام كانت تعاني من آلام في يدها وكان يمنعها ذلك من مواصلة دروس الإنجليزية لأنها لم تستطع حمل القلم. أما في بقية الأيام فقد عانت من الإرهاق الشديد. ووصلت عائلة “رين” من الصين في الخريف الماضي، وشاركها أفراد العائلة في غرفة نومها.

كانت آخر إهانة واجهتها الصينية “رين” في أمريكا هي ظرف أحمر منقوش بالذهب. كان هدية من مديرها في شهر فبراير بمناسبة السنة القمرية الجديدة، وكان الحرف الصيني الدال على السعادة يلمع على الظرف. عندما فتحت “رين” الظرف وجدت 20 دولار فقط.

تركت “رين” العمل في 8 مارس ولم يقل مديرها شيئاً، فقط عانقتها أحد زميلاتها عناق الوداع. وبعد عشرة أشهر من العمل 12 ساعة يوميا وستة أيام أسبوعياً، كان كل ما استطاعت جمعه هو 10 آلاف دولار. وفي الشهر الماضي وجدت وظيفة أخرى في محل لتجميل الاظافر مقابل 65 دولار يومياً. بينما وجد أبيها وظيفة كطباخ في أحد المطاعة وأمها تعمل الآن في أحد محلات الأظافر مقابل 30 دولار يومياً.

بعد نشر جريدة “نيويورك تايمز” لهذا التحقيق، قرر أندرو كومو حاكم ولاية نيويورك اتخاذ إجراءات طارئة لحماية العاملين بصالونات تقليم الأظافر.

وقال حاكم نيويورك إنه شكل فريق عمل من وكالات متعددة لتحصيل الأجور المهدرة وفرض ضوابط الصحة والسلامة قائلا إن الولاية “لها تاريخ طويل في التصدي لسرقة الأجور والممارسات العمالية غير النزيهة”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى