هل يجب أن نتجسس على أبنائنا؟
هل يجب أن نتجسس على أبنائنا؟
ترجمة- فاطمة لطفي
على مدى العامين الماضيين، كانت ماندي سيندر التي تعمل كمحاسبة في واشنطن، تراقب تفاصيل حياة ابنتها؛ مستخدمةً أداة تقنية وهي برنامج يسمى “MSPY”، يعمل على تتبع ومراقبة الهاتف الخلوي، إذ تمكنت من تتبع رسائل ابنتها ذات 13 عامًا النصية، والصور، والفيديوهات، والتطبيقات، وتاريخ المتصفح الخاص بها.
لم تشعر سيندر بأي أسف نحو ما قامت بفعله، الصيف الماضي، قالت إنها تدخلت عندما اكتشفت أن ابنتها تراسل صديقها ويخططان لمواعدة جنسية، وتضيف قائلة: “أعرف أن ابنتي لم تكن ساذجة كما كنت في سنها، ومع زيادة وسائل التواصل الاجتماعي في العالم اليوم، وكأم لفتاة مراهقة، عصر التكنولوجيا هذا يثير خوفي”.
وكما تتيح التكنولوجيا طرق مخيفة لليافعين للوقوع في متاعب، تفتح في الوقت نفسه المجال أمام الآباء بوجود وسائل جديدة لمراقبة أبنائهم.
ومع وجود برنامج تقنية للتتبع كـMSPY, Teen Safe, Family Tracker، وغيرها، يتمكن الآباء من مراقبة مكالمات والرسائل والصور، والدردشة، والمشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي، كما يمكنهم أيضًا الوصول لخريطة لكل مكان انتقل إليه الطفل، وهناك تطبيق يسمى “Mama Bear” يرسل رسائل للآباء يخبرهم إذا كان ابنهم يسير بسرعة كبيرة بالسيارة.
لكنْ هناك خيط رفيع بين الحماية والاستحواذ، هذه البرامج الإلكترونية الجديدة تضع الآباء في ورطة، مرحلة البلوغ هي وقت حرج في حياة الأطفال، إذ يحتاجون خلاله للخصوصية ومساحة للتصرف باستقلالية لتطوير هويتهم. ربما من الصعب على الآباء أن يشاهدوا أبناءهم ينحرفون عن طريقهم. لكن ربما كان مغريًا للآباء مشاهدة المساحات المظلمة في حياة أبنائهم الخاصة، لكنّ هناك دليلا واضحا على أن التجسس يضر أكثر ما ينفع.
دائمًا ما كان هدف الآباء هو أن يخلقوا عالمًا صحيًا، ومساعدة أبنائهم ليكونوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم، والعمل على تطوير مناخ صحي للاستقلال يبدأ بمجرد أن يتمكن الطفل من الحبو. تقول نانسي دارلينج، طبيبة نفسية، بكلية كلية أوبرلين بالولايات المتحدة: “الأمر الصعب في تربية الأطفال هو الموازنة بين رغبات الطفل في الاستقلال مع وجود المخاوف المشروعة لحمايته”.
الخصوصية هي العنصر الرئيسي في تطوير هذا الاكتفاء الذاتي والاستقلال. تقول سكايلر هوك، طبيبة نفسية وباحثة اجتماعية درست تطور المراهقين بالجامعة الصينية في هونج كونج: “الرغبة في الشعور بالخصوصية هي في الغالب احتياج إنساني رئيسي في الثقافات المختلفة، خلال مرحلة البلوغ، يتغير عقل الطفل، وجسده، وحياته الاجتماعية بسرعة، كما أنها تجربة هامة متعلقة بالهوية والتعبير عن الذات، لذا هم يحتاجون لمساحة لمعرفة واكتشاف كل هذا”.
ساندرا بيترونيو، أستاذة في دراسات التواصل ومديرة مركز إدارة خصوصية التواصل بالجامعة المشتركة إنديانا، تقول: “الخصوصية ليست هامة فقط عند المراهقين، الوظيفة الرئيسية وراء مرحلة البلوغ هي التعامل بـ فردية، والسير قدمًا بعيدًا عن تحكم الآباء، والوسيلة الواضحة الأهم في القيام بهذا هو من خلال المطالبة بمساحة من الخصوصية”.
تتابع بيترونيو: “هناك دليل واجب أخذه في الاعتبار أن التطفل على خصوصية الطفل يدمر العلاقة بين الأب والابن. عندما يتجسس الآباء، فإنهم يظهرون مساحة من عدم الثقة في الأبناء. هذا الاحتياج المبالغ فيه من التحكم يدمر بالفعل هذه العلاقة”.
وتضيف هوك: “هذا التجسس الخفي لن يظل خفيًا لمدة طويلة. معظم الأطفال مطلعون على التكنولوجيا أكثر من آبائهم. واحتمالية اكتشافهم لهذه التطبيقات التي تتجسس عليهم كبيرة إذ سيحاولون إيجاد وسيلة لاختراق نظامها”.
ليس مفاجئًا شعور الأبناء بعدم الثقة في آبائهم في هذه الحالة وسيصبحون أكثر سرية في شؤونهم. لاحظت هوك هذا التأثير في عدد من تلاميذ المرحلة الأولى في هولندا، إذ الشعور بالفردية والاستقلالية متشابه عند نظرائهم في الولايات المتحدة. سأل الباحثون الأطفال إذا ما كان آباؤهم يحترمون خصوصيتهم، فوجدوا أن الأطفال الذين يتعرضون للتجسس تصدر عنهم سلوكيات أكثر سرية، كما أن آباءهم يعرفون أقل عن أنشطتهم وأصدقائهم وأماكن تنقلهم، مقارنة بالآباء الآخرين.
تقول هوك: “يحصل الآباء على معلومات أقل عن أطفالهم، كلما كانوا أكثر رغبة في التدخل في شؤون أبنائهم، وهذا دائمًا ما يأتي بنتائج عكسية تمامًا”.
العلاقة بين الآباء وأبنائهم ليست الشيء الوحيد الذي يتأثر جراء عدم استطاعة الطفل الحصول على مساحته من الخصوصية. عندما يشعر الطفل أن خصوصيته يتم انتهاكها، قد يؤدي هذا إلى أنواع من المشاكل الصحية العقلية التي يسميها الخبراء في هذا الشأن بـ”سلوكيات باطنية”، أشياء كالقلق والاكتئاب والانسحاب. يقول لورانس شتاينبرج، أستاذ في الأمراض النفسية، في جامعة تمبل، ومؤلف كتاب يحتوي على دراسة جديدة متعلقة بعلم البلوغ والمراهقة: “هناك عدد من الأبحاث توضح أن الأطفال الذين ينمون في ظل تدخل مفرط من الآباء هم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض العقلية. جزئيًا يرجع الأمر إلى أن آباءهم يتسببون في إضعاف ثقتهم في قدراتهم على تحقيق الاستقلالية”.
تقول جوديث سميتانا، أستاذة في علم النفس وتعمل على دراسة العلاقة بين الآباء والمراهقين في جامعة روتشستر: “عندما لا يمنح الآباء الفرصة لأبنائهم الحق في اتخاذ قراراتهم الخاصة فإن الأبناء لن يكون لديهم الفرصة للتعلم من هذه القرارات”.
وأضافت: “لو أخذنا شرب الكحول كمثال، فالأطفال الذين يختبرون الشرب في مراهقتهم لكن لم يتحولوا إلى الشرب بشراهة يميلون إلى أن يكونوا أكثر صحة نفسيًا من هؤلاء الذين لم يجربوا ذلك أبدًا”. تقول سميتانا: “لا أريد التغاضي عن الأطفال الذين يشربون الخمر، لكن نحن نعلم أن المراهقة هي وقت التجربة في كل شيء، هذه هي طبيعة المراهقة”.
يقول دالتون كونلي، عالم اجتماع في جامعة برينستون إنه حتى مع معرفة الآباء أهمية الخصوصية، سيكون صعبًا معرفة أين نرسم الخط الفاصل. هذه الحدود ستبدو مختلفة عند كل عائلة، حتى بين الطبقات الاجتماعية والاقتصادية الواحدة أو بين أبناء المنطقة ذاتها. قال كونلي إنه صدم عند معرفته أن زميلته تجسست على ابنها المراهق من خلال كاميرا استخدمتها المربية عندما كانت مسافرة في مؤتمر. في الوقت نفسه، لا يؤنبه ضميره عندما يتفحص بطاقة أبنائه الائتمانية لمعرفة أين كانوا وما الذي قاموا بشرائه. يقول: “التقنية المتعلقة بتجسس الآباء تتطور بسرعة، وليس هناك معايير واضحة تجاه ما هو مقبول”.
دارلنج أيضًا تريد أن تتعمق في الفرق بين مفهوم الاستقلالية والخصوصية. كما تريد أن تدعم بقوة منح الأطفال الخصوصية في الحصول على مساحة صحية من الاستقلال عن ذويهم، تقول إنها أيضًا أم تشعر بالقلق حيال أبنائها. طلبت من ابنها الصغير أن يشغل تطبيق على الآي فون الخاص به، حيث يمكنها أن تصل إليه عندما لا تكون قادرة على معرفة أين هو، وتعترف أنها عندما لم يعد ابنها الأكبر للمنزل في ليلة ما، تطفلت على مكالماته المسجلة لتستطيع أن تحادث صديقته: “كان غاضبًا بشأن ما قمت به لكنها كانت الثالثة صباحًا وكنت قلقة للغاية”.
وتبعًا لدارلينج، فإن الأطفال يشعرون أن خصوصيتهم تنتهك عند قيام الآباء بالتطفل على المساحات الشخصية، مثل التنصت على محادثات أو قراءة الرسائل النصية. لكن معظم الأطفال يدركون أن الآباء مباح لهم قانونًا القيام بهذا تبعًا لاعتبارات أحقيتهم في حماية أبنائهم، مثل سن قوانين للرقابة على استخدام المخدرات ومعرفة إذا ما كان الأطفال يذهبون للمدرسة أم لا.
يقول بعض الخبراء إن الضغوط الثقافية تجاه مراقبة الأطفال عن كثب لم تكن أبدًا أكثر مما يحدث الآن، ويسند عدد كبير من الخبراء هذا التحول لوسائل الإعلام الحديثة، والتي توفر بانتظام عناوين عن الاختطاف والخطر. تقول بيترونيو إن وسائل الإعلام تسببت في زيادة معدل الخوف، وهذا الخوف يتحول إلى قيود على الأطفال والمراهقين حتى الشباب البالغين.
بالتأكيد معظم الأطفال الذين ينشؤون في أحياء خطرة، يبدو أنهم أكثر تحفظا تجاه مراقبة الآباء الصارمة، ففي دراسة أجراها باحثون في جامعة فيرجينيا، على سبيل المثال وجدوا أن الأطفال في أحياء الطبقة المتوسطة تصنف أنها “أقل خطرًا، هؤلاء من تعمل أمهاتهم على إضعاف استقلاليتهم، لديهم علاقات أسوأ مع آبائهم وأقرانهم، لكن الأطفال في الأحياء ذات الدخل المنخفض، لديهم علاقات أفضل مع أمهاتهم، ويظهر عليهم مشاكل سلوكية أقل، عندما تكون أمهاتهم أكثر سلطوية”.
لكن في كثير من المجتمعات، رغبة الآباء في التجسس على أبنائهم ليس لها علاقة قوية بإبقاء الأطفال بعيدًا عن الخطر، لكن لها علاقة قوية مع الرغبة في التقليل من القلق الذي يشعرون به. تقول بيترونيو: “مجمل القول هنا إنه إذا كنت فقط تريد إشباع رغبتك في المعرفة، لأنك لست متسامحًا كفاية مع غموض الأمور عليك، فأنت لا تمنح لطفلك المساحة لتعلم كيفية اتخاذ قرارات أفضل في حياته”.
وكشف بحث “هوك” أن الآباء الذين يتجسسون على أبنائهم هم أقل ثقة في قدراتهم التربوية. يقول هوك: “استنادّا على البحث الذي أعمل عليه، أعتقد أن التطفل يقول الكثير عن الآباء أكثر مما يكشف عن الطفل نفسه، وربما كان أكثر”.
عندما يتعلق الأمر بإنشاء حدود صحية آمنة لا يحبذ تجاوزها، يقول علماء النفس إن التواصل الجيد يفوق التطفل، والأطفال الذين يختارون مشاركة ما يقومون به مع آبائهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر تكيفًا معهم، يقول هوك: “في نهاية المطاف الوسيلة الأفضل لمعرفة ماذا يحدث مع طفلك هي أن يخبروك بأنفسهم”.
يقول بعض الآباء إن المراقبة تزيد من التواصل مع أطفالهم. يقول سنيدر إن استخدام تطبيقات التتبع على هاتف ابنتها كان بمثابة نقطة بداية لفتح موضوعات مثل الجنس، المخدرات، الانتحار، والأصدقاء. يقول: “هذا حدث بسبب قراءتي محادثاتها مع أصدقائها، حيث قامت بإجراء محادثات حول ما يحدث في حياتها، لا أظن أنه كان يمكننا أن نحظى بعلاقة منفتحة ومحترمة دون مساعدة برنامج MSPY”.
ومع ذلك، ربما علينا أن نقول إن معظم الآباء الذين يلجؤون لتحميل تطبيقات للتجسس لا يقومون بهذا بسبب رغبتهم في الحصول على محادثات مجدية مع أبنائهم، فالخصوصية والمساحة الشخصية هامتان لمساعدة الأطفال ليصبحوا أصحاء عند بلوغهم، ومع كون انتهاك هذه الخصوصية أسهل الآن، لدى الآباء أسئلة صعبة ليقوموا بتوجيهها لأنفسهم في كل مرة يعمدون إلى القيام بهذا الأمر.