نيويورك تايمز: مسيحيو مصر محاصرون.. و”كل شيء على ما يرام”
ترجمة: محمد الصباغ
كلفت الحكومة المصرية الإمام، محمود جمعة، للإبقاء على السلام بين المسيحيين والمسلمين في إحدى المناطق بصعيد مصر. وأصر في لقاء معه على أن كل الأمور جيدة.
لكن بعد ساعات، قدم أسقف محلي، الأنبار مكاريوس، وجهة نظر مختلفة تماما. وقال “لا دخل لي بما يفعله محمود جمعة.”
مرة أخرى، يشعر المسيحيون المصريون أنهم تحت الحصار، على الأقل في محافظة المنيا التي تقع على ضفاف النيل وحوالي 40% من سكانها من الأقباط. ومرة أخرى أيضا، ينقسم القادة المسيحيون حول ردة الفعل.
في أعلى هرم السلطة بالكنيسة الأرثوذكسية، هناك جهود لعدم التصعيد والعمل مع الحكومة المحلية لإظهار صورة من الوحدة والهدوء. بعد سلسلة هجمات في الصيف الماضي ضد الأقباط، أكد البابا تواضروس الثاني، أنه لن يشارك في المظاهرات المخطط لها أمام البيت الأبيض الساعية للفت الأنظار نحو العنف.
وقال “من فضلكم، إكراما للمسيح، تجنبوا هذا السلوك.”
لكن في المنيا، حيث عادة ما تشهد أعمال عنف ضد المسيحيين، أحجموا عن السير في هذا الاتجاه.
يقول الأنبا مكاريوس “نحن في لحظة انهيار.. لا يستطيع الناس تحمل ذلك مرة أخرى.”
يمثّل المجتمع المسيحي في مصر ما يقدر بنسبة 10% من السكان، ومنذ فترة طويلة علاقة تكافلية مع الدولة. تقدم الحكومة الأمن في بيئة شديدة العدائية، في حين تساعد القيادة المسيحية في تقديم صورة التسامح والحرية الدينية للغرب.
هذا الاتفاق تراجع بشدة في السنوات الأخيرة لحكم مبارك وبدا كما أنه لم يكن بعد الإطاحة به من السلطة وانتخاب الرئيس الإسلامي محمد مرسي. وتصاعدت هجمات شباب الإسلاميين على الكنائس.
وعندما أصبح الجنرال عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر بعد الإطاحة بمرسي عام 2013، كانت الكنيسة القبطية من بين أقرب حلفائه. وعندما حضر السيسي الاحتفال برأس السنة الميلادية في يناير 2015، تلقى تحية حماسية حيث كان أول رئيس مصري يفعل ذلك.
صارت حدود هذا الدعم واضحة في المنيا، حيث استمرت معاناة المسيحيين من العنف والإذلال. أحرقت المنازل وهوجم الأقباط في الشوارع وكتبت عبارات الكراهية على بعض جدران الكنائس. وبشكل عام، أحصت مصادر كنسية 37 هجوما خلال السنوات الثلاث الماضية، لم يشملوا 300 آخرين بعد الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي في عام 2013.
جاءت نقطة التحول للمواطنين المسيحيين في مايو، حينما تم تعرية سيدة مسيحية مسنة بواسطة حشد من الناس، وأرجع السبب في ذلك إلى أن ابنها كان على علاقة مع امرأة مسلمة.
وقال الأنبا مكاريوس “بعد تعرية السيدة، لم نستطع التحلي بالهدوء، فيكفي ما حدث.” وتابع أن ما أغضب الأقباط “هو أن المسؤولين نفوا وقوع الهجوم.”
وأضاف “لو اعتذروا أو قالوا إنهم سيتابعون الأمر، الوضع سيكون مختلفا، لكن ما حدث كان إهانة لمصر ولنساء مصر.”
وتابع أن السيدة المسلمة لم تكن على علاقة بالابن، وأقامت دعوى ضد زوجها أيضا بسبب تشويه سمعتها ونشر شائعات ضدها.
خلق العنف توترات داخل وخارج الكنيسة القبطية. أمام العامة، بالنسبة للكثير من أتباعه اتخذ البابا تواضروس نهجا خجولا. وفي المنيا، قرر الأنبا مكاريوس الحديث. واتهمه الإمام جمعة، المسؤول الحكومي، بالمبالغة. وقال إن هجمات العنف مجرد خلافات صغيرة تحدث بين المسلمين والمسيحيين.
وأضاف الإمام “لم يقتل أحد. لم يصب أحد. لا يوجد اشتباك. الأزمة في الصحفيين الذين يتناولون الأمر.”
في الواقع، قال الأنبا إن هناك قتلى بالفعل. في يوليو وبقرية طهنا الجبل في المنيا، طعن مسيحي وسط تجمهر. وقبل شهر من ذلك، قتل كاهن في محافظة سيناء على يد متطرفي تنظيك الدولة الإسلامية، ليصبح الضحية التاسعة للتنظيم في شمال سيناء.
ومع أن أحد الأشخاص قد سجن في واقعة الطعن، إلا أن الأنبا أكد أن الشائع بعد الهجوم على المسيحيين هو أن الجناة يكونون أحرارا.
وأضاف “في مثل تلك الحالات، كل شخص منهم يتم إطلاق سراحه، لا يعاقب أي منهم، وهذا ما يزعج الأقباط. طالما لم يعاقب أي شخص، الأمر سيزداد سوءا.”
ويرى مكاريوس أن المؤسسات مثل “بيت العائلة” جزء كبير من المشكلة. وهي المبادرة التي تم تأسيسها لحل الخلافات المجتمعية، لكنها بدلا من ذلك أبعدت المحاكمات الجنائية. تلجأ لمفاوضات قبلية، وينتهي الأمر بإرهاب الأقليات القبطية وقبولهم بتسويات بعيدة عن القضاء مع جيرانهم الذين يفوقونهم عددا، وذلك بدلا من أن تخطو الحكومة في اتجاه تنفيذ الملاحقات القانونية.
كما يشعر المسيحيون بالقلق من فكرة عدم قدرتهم على بناء كنائس جديدة، والتي عادة ما ترفضها الشرطة لأسباب أمنية. في المنيا وحدها، حيث يوجد 100 كنيسة، هناك 150 قرية بلا كنائس، والقليل من القرى استطاع بناء بعض الكنائس.
في الإسماعيلية على سبيل المثال، بنى الأقباط كنيستين جديدتين في السنوات الأخيرة، لكنهم لم يستخدموها بعد رفض الأمن لأسباب أمنية. بدلا من ذلك، استطاعوا الحصول على تصريح بالصلاة في خيام خارج الكنيسة، لكنها أحرقت مؤخرا.
وقال أبرام سمير، مسؤول بالكنيسة “قالت الشرطة إن الكنائس لا يمكن فتحها لأسباب أمنية. مسؤوليتهم هي حمايتنا وجعلنا نحصل على حقوقنا.”
في حين قال الإمام “جمعة” إن كنائس كثيرة قد تم بناؤها، لكن الإكثار منها سيسبب بعض العداء. وتابع “لو لم يمتلكوا كنيسة في قريتهم، لما لا يذهبون إلى قرية أخرى للصلاة؟”.
منذ 3 سنوات، كان الأمر أسوأ بكثير، فبعدما فض الجيش بعنف تظاهرات الإخوان المسلمين، وقتل المئات وربما الآلاف. رد المتطرفون الإسلاميون بإحراق حوالي 76 كنيسة في أنحاء الجمهورية، من بينها 4 في المنيا.
ولا يعترض “جمعة” على أن ذلك الوقت كان سيئا، لكنه يقول إن الأمور أفضل بكثير حاليا. وأضاف “كل شيء على ما يرام. فقط وسائل الإعلام هي من تصور أن هناك مشكلة. عشنا دائما جنبا إلى جنب. لا توجد صراعات. كل الحوادث التي سجلت فردية ومنعزلة.”