نيويورك تايمز: كولومبيا و”خروج بريطانيا”.. احذر الاستفتاءات!
نيويورك تايمز: كولومبيا والانفصال البريطاني.. لهذا الاستفتاءات قد تكون خطيرة
نيويورك تايمز – أماندا توب – ماكس فيشر – ترجمة: محمد الصباغ
حظي المصوتون حول العالم بعام لا بأس به: رفضوا اتفاق السلام في كولومبيا، وفصلوا بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، وأيدوا دستورا في تايلاند ينتقص من الديمقراطية، وفي المجر دعموا خطة الحكومة لحظر اللاجئين، لكن دون الوصول للنسبة المطلوبة من التصويت التي تجعل العملية صحيحة.
كل ذلك تم عبر استفتاء شعبي. على الرغم من أن المصوتين قلبوا خطط حكوماتهم رأسا على عقب، وانتقصوا من حقوقهم وتسببوا في أزمات سياسية، لكن جميعهم حققوا شئ واحد: أظهروا لماذا يؤمن الكثير من علماء السياسة بأن الاستفتاءات قد تكون فوضوية وخطيرة.
عند السؤال عما إذا كانت الاستفتاءات فكرة جيدة، قال الخبير السياسي بكلية ترينتي بدبلن: “الإجابة البسيطة هي تقريبا لا أبدا لم تكن كذلك.”
وتابع “شهدت الكثير منها في أيرلندا، وتراوح تأثيرهم جميعا من أنه بلا هدف أو خطيرة.”
عمليات التصويت تلك تُصوّر على أنهى حكم الشعب في أنقى أشكاله، لكن الدراسات وجدت أنها عادة ما تقوض الديمقراطية بدلا من خدمتها. تميل إلى أن تكون متقلبة، ولا تعتمد فقط على أساسيات القرار لكن أيضا على أمور سياسية غير مرتبطة به، أو كما حدث في كولومبيا، على الطقس. يجب على المصوتين أن يتخذوا قرارهم مع معلومات قليلة نسبيا، مما يضطرهم إلى الاعتماد على رسائل سياسية- مما يضع السلطة في يد النخبة السياسية بدلا من المصوتين.
وقالت ألكساندرا سيروني، المحاضرة بكلية الاقتصاد بلندن: “أداة خطيرة، لكن السياسيون يستمرون في استخدامها اعتقادا منهم بأنهم سيحققون الفوز.” لكن عادة لا يفوزون، وبدلا من حل المشاكل السياسية، تخلق الاستفتاءات أخرى جديدة. وبالنظر إلى الأبحاث حول عمليات التصويت هذه، يتضح سبب كون الكثير من الخبراء متشككين.
يواجه المصوتون مشكلة في أي استفتاء: هم في حاجة إلى اختصار خيارات سياسية صعبة ببساطة إلى نعم أو لا، وتوقع تبعات هذه القرارات المعقدة لدرجة أنه حتى الخبراء ربما قضوا سنوات من المعاناة لفهمها.
يحل المصوتون هذه المشكلة بإيجاد ما يطلق عليه علماء السياسة “آرثر لوبيا” و”ماتيو مك كوبينز” الاختصارات أو “short cuts”. يتبع المصوتون إرشادات عناصر السلطة الموثوقين أو يقلدون الخيار الشائع.
عندما تطرح الحكومة استفتاء، عادة ما يصوت الناس بالدعم لو كانوا يحبون قيادتهم أو بالرفض لو كانوا لا يحبونها، وفقا لبحث قام به لورانس ليدوك، أستاذ السياسة بجامعة تورنتو.
وكتب ديلوك في بحثه عام 2015: “التصويت الذي من المفترض أن يدور حول قضية عامة مهمة ينتهي به الأمر إلى أن يدور حول شعبية حزب أو قائد، أو ما قامت به الحكومة، أو بعض القضايا أو الأحداق التي لا ترتبط بموضوع الاستفتاء.”
على سبيل المثال، في كولومبيا، أغلب المناطق التي صوتت للرئيس خوان مانويل سانتوس عام 2014، هي من صوتت لصالح اتفاق السلام، والعكس صحيح.
عادة ما يقوم السياسيون والشخصيات القوية بتأطير الاستفتاء بخطب مباشرة وبسيطة. والنتيجة هي أن عمليات التصويت تصبح مرتبطة بدرجة أقل بالسؤال الفعلي المطروح، لصالح المنافسات بين القيم أو بين أي من الخطابات للمصوتين سستجد قبولا أكبر.
خلال الجدل حول انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي أم لا، لم يركز أي جانب على تفاصيل العضوية في الاتحاد، وبدلا من ذلك جعلوا التصويت كخيار بين قيم معينة. حملة “البقاء” عرضت العضوية وكأنها مسألة استقرار اقتصادي. فيما ركزت حملة “الانفصال” على الهجرة.
ونجح الأمر. من صوتوا لصالح البقاء، عبروا عن قلقهم البالغ من الاقتصاد، لكن لم يفعلوا ذلك بخصوص اللاجئين. أما من صوتوا بالانفصال فقالوا إنهم كانوا خائفين من مشكلة الهجرة، وقلّ حديثهم عن الاقتصاد.
في كولومبيا، عرض سانتوس الاستفتاء كانه تصويت على السلام، لكن المعارضين قدموه على أنه قرار حول أكبر منظمة معارضة في البلاد “فارك”، وما إذا كانت تستحق التساهل معها. لم يتعرض كلا الخطابين إلى ما إذا كان هذا الاتفاق قد يكون مهما أم لا.
وأضافت السيدة “سيروني” إن كولومبيا أيضا أبرزت أنه في “السياقات التي يواجه فيها الاستفتاء قضية سياسية تاريخية، ربما يكون من الثعب على المصوتين فصل تجاربهم السابقة عما هو أفضل للبلاد في المستقبل.”
في تايلاند، أجرت الحكومة بقيادة عسكرية استفتاء في أغسطس، أقر خلاله دستورا جديدا قد يزوج من سلطاتها ويقلص من عناصر الديمقراطية. لكن الجيش وعد بانتخابات فقط عقب إقرار الدستور، فقد صوروا وثيقة ضد الديمقراطية على أنها خيار معزز للديمقراطية. وتم تمرير الأمر.
الديمقراطية كأداة للسلطة
على الرغم من تقديم الأمر على أنه وضع للسلطة بين يد الشعب، عادة ما يتم استخدام الاستفتاءات في وضع بصمة الشرعية الشعبية على شئ قرر القادة بالفعل القيام به.
وتضيف سيروني “لا يتطلب الأمر الكثير بشأن ما إذا كان سيقرره الشعب أما لا. المسألة تتعلق بالمكاسب التي سيحصل عليها السياسي من استفتاء الشعب.”
على سبيل المثال، رئيس الوزراء البريطاني –حتى يوليو الماضي- ديفيد كاميرون، أجرى التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي أم لا متوقعا أن الاستفتاء سيعزز موقفه الداعم للبقاء وسيُسكت السياسيين البريطانيين المطالبين بالانفصال.
ابتكر رئيس الوزارء المجري تقريبا استفتاء بلاده- حول رفض مطالب الاتحاد الأوربي بقبول اللاجئين أم لا- من أجل استباق المعارضة التي لا مفر منها لسياساته في الاتحاد لقوانين الهجرة ولتعزيز سياسته في دولته. في هذه الحالات، استخدم التصويت ليقوي القادة أنفسهم.
التصويت من أجل السلام، مخاطر كبيرة ومغانم كثيرة
ختم الشريعة الشعبية، يمكن في بعض الأحيان أن يكون شيئا جيدا، ويسوي خلافات وطنية جدلية أو قد تؤدي إلى اضطراب سياسي أو صراع مسلح. لكن بالأحرى لأن المغانم كبيرة جدا كما المخاطر أيضًا.
تبع اتفاق السلام “الجمعة العظيمة” في أيرلندا الشمالية عام 1998، استفتائين، واحد في أيرلندا الشمالية والآخر في جمهورية أيرلندا. أعطى ذلك للمجتمعات شعور بأنهم قد أشركوا في الأمر، وهمّش أي شخص كان يسعى لاستمرار القتال، مما تسبب في انتكاسة للصراع أكثر مما كان متوقعا.
أظهر ذلك بطريقة هامة أن الاستفتاءات تختلف عن الانتخابات المنتظمة: نجحت فقط عندما نُظر إلى التصويت على أنه يمثل الإرادة الشعبية. يعمل ذلك بأفضل صورة لو كانت نسبة الإقبال مرتفعة، ويسحق أحد الأطراف الآخر، كما حدث ي تصويت أيرلندا الشمالية عام 1998.
لكن في كولومبيا، معدل التصويت كان 38% فقط، وكان التصويت منقسما ومتساويا تقريبا، مما يعني أن آلاف قليلة من الناس رجحوا الكفة في النهاية. حتى لو كان الاستفتاء قد انتهى بالموافقة، فسيكون قد فشل في إعطاء اتفاق السلام شرعية شعبية.
يمكن حل المشكلة بأن يتطلب الاستفتاء نسبة حضور معينة وانتصار ساحق حتى يتم إقراره، وفيقا لسيروني. لكن في قرار محير، لم تطلب كولومبيا أو بريطانيا سوى أكثرمن 50% من عدد الأصوات حتى يمرر لصالح أحد الاطراف.
جمهوريات الروليت الروسي
يمكن أن تكون الاستفتاءات القومية شديدة التقلب، ويقودها عدة عوامل لا ترتبط بالقضية الأساسية وخارج سيطرة أي شخص.
استطلاعات الرأي عادة ما تكون مضللة، لأن الأشخاص لا يشكلون رأيهم حتى قبل التصويت مباشرة. عادة ما يتراجعون عن أرائهم سريعا.
وقال أستاذ الاقتصاد “مارش” من كلية ترينيتي بدبلن، إنه وجد في بعض الحالات أن “أغلب الناس قد لا يتذكرون أي براهين مؤيدة أو معارضة –بعد حوالي أسبوع من الاستفتاء- وأنهم غير متأكدين بشكل كاف لماذا صوتوا بنعم أم لا.”
الضوضاء السياسية المنتشرة أيضا يمكنها تشتيت إرادة الناس: سواء كان أي من الأحزاب متقدما أم متراجعا في النتائج، أو لو كان هناك معارك داخلية في الحزب، وأيضا كيفية تعامل وسائل الإعلام لدور القضايا المتعلقة بسؤال الاستفتاء.
التصويت يلجأ لعوامل مختلفة، مثل الطقس. في كولومبيا، ربما تأثر الإقبال على التصويت في الاستفتاء بالإعصار الذي ضرب البلاد في اليوم الذي سبق التصويت، وتسبب في إخلاء لبعض المناطق.
وقال كينيث روجوف، أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، عقب التصويت في بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي/ “الفكرة هي أنه بطريقة ما اعتبار أي قرار يتم الوصول إليه بحكم الأغلبية في أي وقت هو بالضرورة (ديمقراطي)، هو انتهاك للفظ نفسه.” مضيفًا “هذه ليست ديمقراطية، بل روليت روسي للجمهوريات.”