من البكيني إلى البوركيني.. عن تحكّم المجتمع في ملابس المرأة
من البكيني إلى البوركيني.. عن تحكم المجتمع في ملابس المرأة
ترجمة: محمد الصباغ
يقف هذا الشرطي بالصورة في زيه الأنيق وتبدو على وجهه ابتسامة متكلفة في أثناء تحريره غرامة لسيدة تقف أمامه بملابس السباحة المخالفة، ربما يقف مستمتعا بجعلها تشعر بعدم الراحة.
لا، هي لا ترتدي البوركيني.
تعود تلك الصورة إلى عام 1957. ترتدي البيكيني على شاطئ “ريميني” بإيطاليا. في ذلك التوقيت، حظرت إيطاليا ملابس السباحة الفاضحة، وكان ارتداؤها أمام العامة يعد شيئا من التجرؤ.
وسط المعركة الفرنسية لحظر البوركيني، يحتفل البيكيني بمرور 70 عاما على وجوده، وترصد الصور في أحد المعارض الباريسية بدايته في أوائل الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، كم الضجة التي أثيرت حوله وتشبه القائمة الآن ضد البوركيني.
ما الأمر الكبير الذي يمكن أن يكون في ملابس السباحة النسائية وملابس النساء بشكل عام والذي تسبب في جدل عبر التاريخ وأجبر المجتمعات على تشريع أو تنظيم اختيارات السيدات؟
أشار المؤرخون وعلماء النفس والأنثروبولوجيا إلى هذا الأمر عبر عقود، وأن الكلام عن أجساد النساء وكونها أرضا لهذه المعركة به جزء من الحقيقة. بشكل رسمي أو غير رسمي، الرجال (بشكل رئيسي) وضعوا القوانين المنظمة لملابس النساء منذ وقت طويل جدا.
تساءلت، فرح فقيه، 23 عاما، من مدينة ليون الفرنسية قائلة “هل ما زلنا غير قادرات على ارتداء ما نريد في عام 2016؟” وذلك في تعليق بموقع نيويورك تايمز. وأكملت “لو أراد أحدهم أن تكون ملابسه كاشفة أو شبه عارية أو حتى أراد إخفاء جسده من الرأس إلى القمين، أليس ذلك بخيار شخصي لا يحدده القانون؟”.
بالطبع، الجدل حول البوركيني لا يتعلق فقط بالنسوية. الأمر يتعلق في المقام الأول ببروز الإسلام في فرنسا، ويأتي تزامنا مع الحادث الإرهابي الأخير في مدينة نيس على شواطئ المتوسط، الذي أصاب البلاد بالهلع.
في 14 يوليو، قاد رجل شاحنة ودهس حشدا من الناس مخلِّفا 86 قتيلا و300 جريح، وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية بعد ذلك أن المنفذ هو أحد “جنودها”.
وبعد أقل من شهر، جاء أول حظر من بين 30 آخرين ضد الملابس “غير الملائمة” على الشواطئ -المقصود بها ملابس المسلمين- في مدينة كان التي تبعد 20 ميلا عن نيس.
ثم أصدرت الهيئة القضائية الأعلى في فرنسا، مجلس الدولة، قرارا بإلغاء حظر إحدى البلديات للبوركيني يوم الجمعة وبشكل واضح ستفعل الأمر نفسه مع بقية البلديات لو رُفعِت دعاوى قضائية، والمعركة بعيدة عن أن تكون قد وصلت لنهايتها.
قد يسن البرلمان حظرا، ووعد بعض ممن قرروا الترشح للانتخابات الرئاسية 2017 من اليمين وأقصى اليمين بسن تشريعات تبدأ من حظر الحجاب الإسلامي في الجامعات والشركات إلى منع كل الملابس الدينية في الأماكن العامة.
مع استمرار الجدل، سيقال الكثير عن فرنسا والعنصرية والإسلام، لكن من المهم التفكير في أن ملابس النساء هي القضية.
عبر التاريخ، مجموعة من التشريعات، والتنظيمات المحلية والضغط الاجتماعي أثرت في شكل ملابس المرأة. فرنسا الآن مجتمع يطالب المرأة “بتقليل” الملابس، لكن بطرق كثيرة هذا الجدل هو استكمال للقصة نفسها.
في قضية البيكيني والبوركيني، قال دييردر كليمنتي، أستاذ التاريخ بجامعة نيفادا والذي درس القيود المفروضة على ملابس المرأة “الأشخاص في السلطة يقولون إنهم يضعون تلك القواعد لمصلحة النساء.” وتابع “النتيجة هنا هو أن النساء ليست قادرات على تنظيم مظهرهن بأنفسهن.”
وفي الثمانينيات، قامت عدد من كبرى الشركات الأمريكية بوضع قواعد كثيرة لأزياء النساء. ويقول كليمينتي “كان هناك 4 صفحات من القواعد حول ما يمكن للمرأة ارتدائه في العمل، و4 عبارات للرجال.”
عندما يأتي الحديث عن البيكيني، فلم يكن فقط ممنوعا في بعض الدول، بل دفعت النساء غرامات على ارتدائه بالشواطئ وطردن من آخر عند ارتدائه. كما نُظر إليه كنوع من التخريب وعلامة على ضعف الأخلاق.
في إيطاليا وإسبانيا وبعض شواطئ الساحل الفرنسي على المحيط الأطلنطي، تم منع ارتداء البيكيني في السنوات الأولى له بالأسواق، وفقا لجيزلان راييه، مؤلف كتاب “Bikini: La Légende”.
وتقول حنان كريمي، من جامعة ستراسبرج الفرنسية، إن أصداء هذا المنع ظهرا مع الجدل الدائر حول البوركيني. وتقود “كريمي” تجمعا نسائيا إسلاميا يطالب بمساحة أكبر في المساجد الفرنسية للمرأة خلال الصلاة وأن تعامل باحترام أكبر عند ممارستها الشعائر الدينية.
وقالت “في بعض الدول بخلفية دينية قوية كإيطاليا، كان التحكم بجسد المرأة جزءا من الأخلاقيات الدينية في الدولة. والآن في فرنسا، هناك دين مدني هو العلمانية.” وتابعت “ولديه نفس المنطق في الرغبة في التحكم بأجساد النساء: السيدات اللاتي خالفن الأخلاقيات العلمانية تخلعن ملابسهن على الشواطئ، لا شيء يحدث في الخفاء.”
“يبدو أن الفرنسيين يؤمنون اليوم وبقوة أن واقعة خلع الملابس ضرورية كما اعتقدت إيطاليا، تحت نفوذ الفاتيكان، أنه من الضروري إخفاء أجساد النساء.”
لا يكون الحل هكذا دائما. عندما صاغ أول مصمم للبكيني، لويس رير، الاسم وكشف عن ملابس السباحة لأول مرة في الخامس من يوليو عام 1946 بباريس، لم يجد عارضات راغبات في ارتدائه. لذلك استأجر راقصات متعريات من كازينو باريس. وقالت زوجته وناشرة كتاب تاريخ البكيني “كان رائدا، سابقًا لعصره.” وتابعت “في هذه الحقبة، كنا ما زلنا ننتمي إلى طائفة البروتستانت.”
مع ذلك صار البكيني سريعا مألوفا في الأفلام، تطلب ذلك 15 عاما، وسنوات أطول في أماكن أخرى حتى دخل إلى عالم الأزياء. احتضنته فرنسا قبل عدة دول أخرى ثم سمحت للنساء بارتدائه بعد ذلك، وتطور الأمر إلى السماح لهن بحمامات الشمس أو السباحة بلا ملابس فوقية.
أما جون والاش سكوت، عالمة الاجتماع، فترى أن الاستحسان الفرنسي للملابس الكاشفة، بجانب حظر البوركيني حاليا، هو نتاج لفكرة تعود إلى الثورة الفرنسية عام 1789.
وقالت “ما يوجد في النظام الجمهور الفرنسي هو صراع بين الالتزام بالمساواة وفكرة أن الاختلاف الجنسي هو فارق طبيعي، وهو ما يفسر لماذا لا توجد مساواة بين النساء والرجال.”
وتابعت “سكوت” أن الفرنسيين يؤمنون بضرورة إظهار الفارق بين الرجال والنساء جسديا حتى مع زعمهم المسبق بالمساواة.
كما صوّر الرسام أوجين ديلاكروا، “الحرية” بأنها امرأة عارية الصدر تقود أخيار فرنسا. المنحوتات والنقوش لسيدة عارية الصدر أو نصف عارية تدعى “ماريان”، الرمز الفرنسي للثورة والحرية، يمكن أن نجدها إلى الآن في وثائق الحكومة، والمباني والطوابع البريدية.
وتضيف سكوت “على الجانب الآخر، هناك المجتمع الإسلامي الذي يقول إن الجنس والاختلافات الجنسية تعد مشكلة، والنساء يجب أن تغطي جسدها. لذا بشكل ما يفضحون التناقض في المجتمع الفرنسي، وهذا أمر لا يمكن احتماله.” وتتابع “أصبح تفسيرا لحاجة فرنسا عدم تغطية المرأة لجسدها.”
في الواقع، أشار نائب رئيس مدينة نيس، كريستيان إستروسي، إلى تغطية المرأة لجسدها على الشواطئ -سواء بالبوركيني أو بالملابس الطويلة- بأنه “استفزاز”، وتحدٍّ للنظام الفرنسي.
هذه اللهجة حيرت إحدى صناع البوركيني، التي تبيع منتجاتها في فرنسا. وقالت المصممة، فينيسا لورينسو، إنها بدأت في الصناعة لإعطاء المسلمات الفرصة في ممارسة الأنشطة التي يمارسها بقية المجتمع.
تبيع لورينسو، غير المسلمة، منتجاتها في أكثر من 120 دولة حول العالم ويسألها الناس كثيرا عن سبب تصميمها ملابس للمسلمات.
تقول “الإجابة بسيطة: بنهاية اليوم المرأة هي المرأة، سواء مسلمة أم لا، وجميعنا نريد الشعور بالراحة والجمال وأننا نساء.”
واختتمت قائلة “الكثير من رسائل عملائنا تقول إنها كانت المرة الأولى التي يشعرن فيها بثقة كافية للتواجد على الشواطئ العامة والاستمتاع مع عائلتهن.”