سياسة

كارل بيلدت: الموجة الرابعة للإرهاب الجهادي

كارل بيلدت: الموجة الرابعة للإرهاب الجهادي

Anti-government protesters throw missiles during clashes with riot police at the Independence Square in Kiev February 18, 2014. Ukrainian riot police started to move into Kiev's Independence Square late on Tuesday, pushing back anti-government protesters whose tents were burning, local television showed. REUTERS/David Mdzinarishvili (UKRAINE - Tags: POLITICS CIVIL UNREST TPX IMAGES OF THE DAY) - RTX192LJ
Anti-government protesters throw missiles during clashes with riot police at the Independence Square in Kiev February 18, 2014. Ukrainian riot police started to move into Kiev’s Independence Square late on Tuesday, pushing back anti-government protesters whose tents were burning, local television showed. REUTERS/David Mdzinarishvili (UKRAINE – Tags: POLITICS CIVIL UNREST TPX IMAGES OF THE DAY) – RTX192LJ

كارل بيلدت

 

ستوكهولم –لقد أصبحت لغة العضلات منتشرة بشكل متزايد في الجدل القائم عن كيفية مكافحة تهديد الإرهاب الجهادي . إن مقدمي البرامج الحوارية التلفزيونية يطلقون تكهنات عن موعد تخليص الرقة في سوريا والموصل في العراق من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية مما يوحي بإن تحرير تلك المدن سوف يؤذن على أقل تقدير ببداية النهاية للمشكلة وفي ديسمبر ذهب المرشح الرئاسي للإنتخابات الإمريكية عن الحزب الجمهوري تيد كروز بعيدا جدا بإرائه لدرجة أنه إستحضر شبح الضربات النووية حيث قال ” أنا لا أعرف ما إذا  كانت الرمال ستتوهج في الظلام ولكننا سوف نكتشف ذلك “.

 

ان مثل هذه التعليقات الرنانة والسطحية تستخف بشدة التحدي وكما أشار التقرير الأخير لمجموعة الأزمات الدولية فإن التهديد الجهادي الذي نواجهه هو الرابع في سلسلة من الموجات المحفوفة بالمخاطر على نحو متزايد ولو أردنا تجنب خلق موجة خامسة أكثر قوة فإن من الضروري أن نتعلم من الأخطاء التي قمنا بإرتكابها في سعينا لمواجهة الموجات الثلاث السابقة .

 

لقد حصلت الموجة الجهادية الأولى عندما عاد المقاتلون المتطوعون من الحرب ضد الإحتلال السوفياتي لإفغانستان لإوطانهم وبدأوا بمهاجمة الإنظمة التي إعتبروها غير إسلامية وهذا أدى للموجة الجهادية الثانية الأكثر فتكا بكثير حيث شنت القاعدة هجمات مروعة ضد “العدو البعيد” سعيا لجذب القوى الغربية إلى مواجهة عنيفة وحرب صريحة. لقد شكلت الهجمات على الولايات المتحدة الإمريكية في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ذروة تلك الموجة.

 

لقد نجح الهجوم العالمي المضاد للإرهاب والذي جاء لاحقا لذلك بشكل عام في القضاء على قدرة القاعدة على شن هجمات واسعة النطاق ولكن غزو العراق سنة 2003 خلق الظروف لموجة ثالثة أشعلت فتيل حرب طائفية شرسة بين السنة والشيعة وسمحت للقاعدة بإستغلال الفوضى الموجودة في بلد يتفكك على نحو متزايد .

 

في نهاية المطاف تمكنت ما يطلق عليه الصحوات السنية من كسر ظهر القاعدة في العراق وساهم الربيع العربي سنة 2011 في إعادة توجيه التنمية السياسية في المنطقة ولكن الفشل في بناء حكومة شاملة في العراق مع القمع العنيف للمحتجين في سوريا أعطى قادة المجاهدين الذين صقلتهم المعارك فرصة لإطلاق موجة رابعة.

 

إن هذه الموجة هي الأخطر على الإطلاق فلقد أنضم عشرات الآلاف من المجندين لجهود بناء الخلافة في الهلال الخصيب وفي الوقت نفسه توسع تنظيم الدولة الإسلامية في العديد من مناطق النزاع الأخرى وجند أو ألهم الإرهابيين ضمن المجتمعات الغربية كما يتبين من الهجمات في باريس وبروكسل وسان بيرناردينو .

 

إن التعامل مع التهديد سيتطلب معركة إيدولوجية نشطة ضد قوى التعصب والكراهية بحيث نبني على التاريخ الإسلامي القائم على الإنفتاح والتسامح ولكن النضال الإيدولوجي وحده لن يكون كافيا.

 

يجب أن نعترف كذلك بالإصول الحقيقية للتهديد الجهادي : الصراعات وفشل الدول من غرب أفريقيا عبر الشرق الأوسط الأوسع إلى جنوب آسيا . إن الجهادية لم تخلق أزمات اليوم بل على العكس من ذلك فإن سوء الإدارة وفشل الدول هي التي أعطت الجهادية الفرصة لتنتعش .

 

إن التعامل مع هذه الأسباب الجوهرية ستكون مهمة صعبة قد تستغرق عقودا من الزمن فجزء كبير من المنطقة دخل القرن الحادي والعشرين في حالة يرثى لها وفي معظم الأماكن زادت الأمور سوءا. إن محاولة التصدي للتحدي الجهادي عن طريق القمع كما تفعل مصر اليوم قد يؤدي لتفاقم المشكلة كما إن سجن الإسلاميين عادة ما يعني إعطائهم البيئة المثالية للتجنيد والتلقين والتدريب وعوضا عن ذلك يجب خلق فرص للقوى الإسلامية الديمقراطية للعمل .

 

على الرغم من حجم التحدي فإن الغرب يفتقد لسياسة واضحة تتعلق بماهية الشيء الذي يضغط من أجله وكيفية الحصول عليه .إن من الواضح أنه يتوجب إستخدام القوة العسكرية ولكن إستعادة الرقة أو الموصل هي في واقع الأمر أسهل المهام التي تواجهنا فكم من مرة تمكنت القوات الغربية من إستعادة إقليم هيلمند في أفغانستان أو إقليم الأنبار في العراق ولكن ما هي النتيجة ؟

 

إن الأصعب من ذلك بكثير –والأهم من ذلك بكثير-هو التحقق من إنشاء هياكل شرعية للحكم الشامل في الإماكن التي يتم فيها طرد تنظيم الدولة الإسلامية تتعامل مع مشاعر الإضطهاد بين السنة العرب بالإضافة إلى معالجة الضرر الذي لحق بقطاعات كبيرة من السكان والذي عزز مشاعر الغضب في طول المنطقة وعرضها.

 

بدون وضع مثل هذه الإستراتيجة فإن إستعادة الرقة والموصل ستكون فقط مقدمة لموجة جهادية خامسة أكثر عنفا حيث سيسعى الملتزمون بتلك الموجة من ذوي الخبرة والتجربة لإن يصوروا تلك الموجة على إنها الملحمة الأخيرة في المعركة مع “الصليبيين ” في الغرب. وعليه لم يكن من المصادفة أن يطلق تنظيم الدولة الإسلامية على مجلته الدعائية الماكرة إسم “دابق” وهو إسم المكان الذي يتنبأ أن تقع فيه النسخة الإسلامية لمعركة ارمجدون.

 

يجب إن لا نقدم لإعدائنا ما يريدون على طبق من الفضة بل يتوجب علينا عوضا عن ذلك أن نشن عليهم حربا إيدولوجية ونتعامل معهم كإرهابيين ونعالج الظروف التي سمحت لهم بالإزدهار. يسعى الجهاديون للتصعيد من أجل دفعنا لمواجهة شاملة ولو تعلمنا شيئا واحدا منذ سنة 2001 فهو أن لانقع في الفخ الذي ينصبونه لنا .

 

كارل بيلدت هو وزير خارجية السويد من 2006 الى أكتوبر 2014 كما عمل كرئيس للوزراء من 1991 الى 1994 وهي الفترة التي تولى خلالها التفاوض بشأن انضمام السويد للاتحاد الاوروبي.

 

حقوق النشر:بروجيكت سنديكت ،2016 ينشر بالاتفاق مع زحمة دوت كوم
www.project-syndicate.org

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى