ترجماتسياسة

حرب وحلم ونيران.. ثلاث أزمات تحيط انتخابات إردوغان المبكرة

تايم: الوضع الداخلي والانتقادات الأوروبية والنزاعات الجغرافية لا تحتمل مزيدًا من الاحتقان

يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يستشعر الخطر على حكمه، في الوقت الذي تحيطه فيه الأزمات الداخلية والخارجية، لذا فاجأ جميع الأطراف بإعلانه عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في يونيو المقبل عوضًا عن موعدها المقرر في نوفمبر 2019، استنادًا إلى اقتراح سابق من باهجه لي زعيم الحركة الوطنية بتركيا وعضو البرلمان.

أوضحت مجلة “تايم” البريطانية أن تركيا تستند إلى استفتاء العام الماضي، الذي لم يحصد سوى نسبة مشاركة وموافقة ضئيلة، وتنقل جميع الصلاحيات إلى قبضة الرئيس تدريجيًا، حيث تتحول من النظام البرلماني إلى الرئاسي وتلغي منصب رئيس الوزراء وتحدّ من سلطات البرلمان. وكان من المُنتظر أن يتم تنفيذ هذه التغييرات مع الانتخابات المقبلة التي قرّر إردوغان تقديم موعدها.

الرئيس برّر هذا القرار بالحاجة إلى تطبيق النظام السياسي الجديد سريعًا للتعامل مع عدة تحديات تواجه الدولة، منها النزاع مع “المتمردين الأتراك” في سوريا والعراق، والتغلب على ما أسماه “أمراض النظام القديم”. فيما اعتبرت “تايم” أنه “يستغل المشاعر القومية المتنامية بعد حملة عسكرية ناجحة لطرد المسلحين الأكراد السوريين من مقاطعة عفرين الحدودية شمال سوريا، ويستبق التحذيرات من انهيار الاقتصاد، وفي الوقت نفسه يضع الأطراف المعارضة في موقف سيئ حقًا حيث لم تخطط بعد بمن ستدفع في الانتخابات الرئاسية ليواجه إردوغان”.

وحتى الآن أعربت “الحركة الوطنية” التركية عن اعتبارها إردوغان مرشحها للانتخابات الرئاسية المقبلة، وصرّح بولند تزجان، المتحدث باسم “حزب الشعب الجمهوري” المعارض، بان حزبه مستعد لخوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية “حتى وإن كانت غدًا، وفقًا لما نقلته قناة TRT التركية.

وبعد ساعات قليلة من البيان التليفزيوني للرئيس التركي، صوّت البرلمان بالموافقة على تمديد حالة الطوارئ حتى نهاية يوليو المقبل، ليكون هذا هو التمديد السابع للطوارئ منذ إعلانها عقب محاولة الانقلاب العسكري على الرئيس في يوليو 2016؛ بحسب راديو “الإذاعة الوطنية العامة” الأمريكي.

نيران تحت الرماد في الداخل

قرار الرئيس التركي بالتبكير من الانتخابات يأتي في ظل وضع سياسي محتقن في بلاده، حيث تواجه المعارضة قمعًا عنيفًا. النسخة الإنجليزية من BBC نشرت أمس تحقيقًا صحفيًا حول اعتقالات الطلاب المشاركين في أنشطة معارضة للنظام الحاكم بجامعة البسفور المرموقة في إسطنبول، والذي أوضح أن 31 طالبًا اعتُقلوا، منهم 10 طلاب أطلِق سراحهم نهائيًا و8 أفرِج عنهم على ذمة القضايا و13 لا يزالون مُحتجزين على ذمة القضايا.

كانت الاعتقالات قد بدأت بعد مظاهرة معارضة لمسيرة طلابية أخرى مبتهجة بسيطرة تركيا على مقاطعة عفرين السورية، حيث حمل الطلاب المعارضون لافتة كُتب عليها: “يجب ألا يتم الاحتفال باحتلال أو مذبحة”.

إردوغان وصف الطلاب المتظاهرين بالخونة والإرهابيين، قائلًا إن الحكومة “ستسترد حقهم في التعليم”، وهو ما شكّل صدمة لدى أستاذة الجامعة وأهالي الطلاب الذين اعتبروا أن “الحكومة تعامل من يرفضون الحرب على أنهم دعاة للإرهاب”، كما جاء على لسان شقيقة إحدى الطلاب المحتجزين.

حلم الاتحاد الأوروبي ينهار

بينما بذل إردوغان أقصى محاولاته للتودد إلى الاتحاد الأوروبي، وتنفيذ طلب تركيا المُقدّم منذ 1987 بالانضمام إليه، وتمسك بالنظام العلماني الدولة – برغم ارتدائه ثوب “الزعيم الديني” في خطاباته السياسية، ودعمه للفصائل الإسلامية في العالم العربي كجماعة الإخوان المسلمين والفصائل السورية المسلحة -؛ قال مسؤول بالاتحاد الأوروبي إن تركيا “تبتعد عن عضوية الاتحاد الأوروبي”، ودعا إدارة أنقرة إلى رفع حالة الطوارئ.

وأوضح يوهانس هان، مفوض الاتحاد الأوروبي لمفاوضات الانضمام، في مؤتمر صحفي الثلاثاء الماضي لمناقشة تقريره حول انضمام تركيا، أن تركيا “تواصل الابتعاد بخطى واسعة عن الاتحاد الأوروبي، وخصوصًا في مجالي سيادة القانون والحقوق الأساسية”، مضيفًا أن المفوضية الأوروبية دعتها مرارًا إلى التراجع عن هذا الاتجاه السلبية كأولوية لانضمام دون جدوى.

من جانبه وصف بكر بوزداج، المتحدث باسم الحكومة التركية، تقرير الاتحاد الأوروبي بأنه “لم يعامل تركيا بشكل عادل وموضوعي”، ورأى أن الطوارئ أعلنت وتُجدّد لمكافحة الإرهابيين ولا تؤثر على الحياة الروتينية للمواطنين. وتابع: “نحن لم ولن نتخلى عن عضوية الاتحاد الأوروبي، وإن تخلى الاتحاد عن مطلبنا فعليه أن يقول ذلك”.

نذائر حرب مع اليونان

النزاع بين تركيا واليونان على جزر بحر إيجة يمتد امده منذ 40 عامًا مضت وحتى الآن، فرغم أن الجزر تحمل أسماءً يونانية حتى اليوم فإن تركيا لا تزال تعتبرها ضمن حدودها المائية. لكن، بالأمس فقط، تحركت المياه الراكدة في النزاع من جديد بعد رفع العلم اليوناني على الجزيرة الصخرية “ميكروس أنثروبوفاس” بمبادرة شخصية من ثلاث شباب يونانيين.

ونقلت TRT عن وزير الدفاع اليوناني بانوس كامينوس انتقاده لتصرف رفع العلم خلال كلمة ألقاها بالبرلمان اليوناني، معتبرًا أنه “ينبغي على الشخص الذي يقوم بذلك أن يكون قادرا على الوقوف وراء مبادرته، وأن يضمن تصرفه بأنه سيدافع عن ذلك العلم بدمه حتى النهاية”.

لكن تحليلًا نشرته صحيفة “فورين بوليسي” الأمريكية رأى أن تصرفًا كهذا إنما يدل على أن “الشعبويين” في كلتا الدولتين المنتميتين إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) يزيدون الأزمة الثنائية عمقًا، واعتبر أن الولايات المتحدة التي تدخلت لمنع وقوع الحرب سابقًا لم تعد موجودة بالمشهد الآن.

تذكر الصحيفة أنه بينما صرّح رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم بأن فرق خفر السواحل التركية اتجهت إلى الجزيرة ونزعت العلم، وأوصى اليونان “بأن تمتنع عن استفزازات تزيد التوتر وأن تتصرف في إطار قانون حسن الجوار”، أكدت هيئة الأركان العامة للدفاع الوطني اليوناني أنه لم يُشاهَد قارب تركي في هذه المنطقة خلال آخر 48 ساعة. وأجرى رئيس بلدية فورنوي زيارة إلى الجزيرة الصخرية ليعلن أن العلم اليوناني لا يزال هناك.

هذا التصرف العفوي من الشباب الثلاثة ربما بُني على اختراق الطائرات العسكرية التركية للمجال الجوي اليوناني أكثر من 30 مرة خلال أبريل الجاري وحده. وكان طيارًا يونانيًا شبًا قد لقي مصرعه بعد ارتطام الطائرة بالأرض أثناء عودته من مهمة لاعتراض طريق مقاتلين أتراك، كانوا على بعد نحو 10 أميال شمال جزيرة “سكيروس” ببحر إيجة، وعلى إثر الحادث قدم إردوغان ويلدريم التعازي إلى رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس.

ظل الرأي العام اليوناني يوجه اللوم إلى تركيا على وفاة الطيار، وعلى اعتقال ثلاث ضباط بالجيش اليوناني بتهمة التجسس، ويُضاف إلى ذلك أن الجزيرة التي وقعت بها المشكلة هذه المرة ذات وضع خاص، لأنها تقع ضمن المناطق المُتنازع عليها قضائيًا ولا تقع تحت سيادة أيٍ من الدولتين.

ورغم احترام اليونان لمعاهدة “لوزان” الثانية التي أجرتها مع الدولة العثمانية، فقد أعلن إردوغان خلال زيارته لأثينا العام الماضي أن المعاهدة بحاجة إلى إعادة النظر بها، مشيرًا إلى الأقلية المتحدثة بالتركية في بلدة تراقيا بشمال اليونان على أنها تابعة لبلاده.

الدولتان مشحونتان حاليًا بخطابات مندفعة حتى من جانب المعارضة، فقد طالب كمال كيليتشدار أوغلو زعيم “الشعب الجمهوري” باستعادة تركيا 18 جزيرة تحتلها اليونان، في الوقت الذي يطلق فيه حزب “اليونان المستقلين” ذي الاتجاه الشعبوي تصريحات ضد تركيا على الدوام بما يضع رئيس الوزراء اليوناني وائتلافه اليساري (سيريزا) موضع الحرج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى