إعلامثقافة و فن

مشكلة فيسبوك أكبر من نشر الأخبار الكاذبة

اشكالية فيسبوك تتجاوز الاخبار الكاذبة تعقيدا

People are silhouetted as they pose with mobile devices in front of a screen projected with a Facebook logo, in this picture illustration taken in Zenica October 29, 2014.  REUTERS/Dado Ruvic
People are silhouetted as they pose with mobile devices in front of a screen projected with a Facebook logo, in this picture illustration taken in Zenica October 29, 2014. REUTERS/Dado Ruvic

theconversation – 

ترجمة نورهان ثروت

 في أعقاب انتصار دونالد ترامب الغير متوقع، علت التساؤلات حول دور الموقع الاجتماعي في الدعاية للمعلومات الغير دقيقة والمنحازة أثناء السباق الرئاسي وحول ما إذا كان لها تأثيرا على نتائج الانتخابات.

قلل البعض من أهمية تأثير فيسبوك، بما فيهم مارك زوكربرج المدير التنفيذي لفيسبوك، قائلا انه من غير المحتمل إطلاقا أن الأخبار المزيفة قد هزّت الانتخابات. إلا أن التساؤلات حول التأثير السياسي للموقع الاجتماعي تستحق اكثر بكثير  من أن نمر عليها مرور الكرام.

هل تفسر خوارزميات التخصيص  للموقع  الثقة المبالغ فيها التي كانت لدى بعض الليبراليين في انتصار كلنتون (مكررين بذلك خطأ أنصار رومني في انتخابات 2012)؟ وهل الأخبار الزائفة التي تم تعميمها على فيسبوك هي السبب في أن العديد من مؤيدي ترامب ايدوا تأييدا أعمى المزاعم الكاذبة التي اطلقها مرشحهم؟

الزعم الشائع أن “فقاعات التخصيص[i]” هي ما يغذي الأخبار الزائفة على الموقع الاجتماعي هو بالتأكيد خاطئ. فلو أن الشبكة الاجتماعية تشجع الناس على تصديق الأكاذيب -وهذا افتراض جلل- فإن الإشكالية هنا تكمن بالأساس في الطريقة التي تتفاعل بها المنصة مع الميول الاجتماعية الإنسانية الأساسية. والذي يمثل تغييرها تحديا كبيرا.

تضليل عام

لا يمكن إنكار دور فيسبوك في نشر الأخبار السياسية. ففي مايو 2016، 44% من الأمريكيين قالوا أن مواقع التواصل الاجتماعي هي مصدر أخبارهم. وتفشّي نشر الأخبار المضللة عبر الفيسبوك لا يمكن إنكاره.

يبدو تفسيرا منطقيا “ظاهريا” أن كمية الأخبار الزائفة على المنصة التي يحصل معظم الناس على أخبارهم منها هي سبب انتشار الأخبار المضللة عن السياسة لدى العديد من الأمريكيين.

إلا انه من الصعب تحديد كيفية حدوث ذلك بالضبط. بدأتُ دراسة دور الإنترنت في ترويج الاعتقادات الزائفة أثناء انتخابات 2008، لافتة انتباهي للتواصل الاجتماعي في 2012. في بحث جار وجدتُ القليل من القرائن  على كون مواقع التواصل تعزز قبول المزاعم الزائفة حول المرشحين،  بدلا من ذلك يبدو انه في 2012 كما في 2008 استمر البريد الإلكتروني في دوره  كممر قوي للأكاذيب ونظريات المؤامرة.على عكس تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على معتقدات الناس الغير  قابل للقياس.

لدقيقة دعونا نفترض أن انتخابات 2016 تختلف عن سابقتيها(بالفعل كانت الانتخابات هذه المرة فريدة في نواحي متعددة).

لو أن فيسبوك يروج لمنصة يصبح عبرها المواطنين اقل قدرة على تمييز الحقيقة  من الخيال، فقد يمثل هذا تهديدا حقيقيا على الديمقراطية الأمريكية. إلا أن تسمية المشكلة ليس كافيا. فلمحاربة تدفق المعلومات المضللة عبر مواقع التواصل الاجتماعي من المهم أن نفهم لماذا يحدث ذلك.

لا تلوموا فقاعات التخصيص

فيسبوك يريد من مستخدميه أن يشتبكوا معه لا أن يتحكموا فيه، لذلك فانه يوظف برمجياته الخاصة التي تصنف الخلاصات الإخبارية وتختار المحتوى المناسب للظهور. الخطر يكمن في كيف تتم إعادة تفصيل الخلاصات الإخبارية حسب تفضيلات كل مستخدم.

هناك أدلة كافية تشير إلى أن الناس يتم إغراقهم في الأخبار التي تتناسب مع توجهاتهم السياسية. تتعلم البرمجيات من أفعال المستخدمين السابقة، فهي تحاول تخمين أي الروابط تملك فرصا اكثر في الضغط عليها أو نشرها في المستقبل.

على المدى الطويل، ينتج هذا ما يسمى بفقاعة التخصيص، يتعرض فيها المستخدمين فقط للمحتوى الذي يؤكد انحيازاتهم. الخطر يكمن في أن فقاعات التخصيص تروج للمفاهيم الخاطئة عبر إخفاء الحقيقة.

مكمن إغراء هذا التفسير واضح، ففهمه سهل مما يوحي بسهولة الحل، التخلص من تخصيص الخلاصات الإخبارية، للتخلص من فقاعات التخصيص.

خطأ فرضية فقاعة التخصيص انها تفترض أن الناس بمعزل تام عن التوجهات الأخرى. أظهرت العديد من الدراسات أن الحميات الإعلامية[ii] دائما ما تتضمن معلومات ومصادر تتعارض مع مواقفهم السياسية. ودراسة عن معلومات مستخدمي فيسبوك أظهرت انتشار التعاطي مع مصادر أخبار متنوعة. بمعنى أخر فان الاحتفاظ بمعتقدات خاطئة لا يمكن تفسيره بالافتقار إلى مصادر أخبار صحيحة.

بدلا من ذلك، الهويات السياسية الموجودة مسبقا للناس تشكل معتقداتهم بعمق. وحتى عندما يواجهون بنفس المعلومات، سواء كان ذلك في مقال صحفي أو تقصي حقائق، يستخرج الناس ذوو التوجهات السياسية المختلفة غالبا معاني مختلفة بشكل كبير.

تجربة الفكرة قد تفيد: لو أنك من داعمي كلينتون فهل كنت تدرك أن موقع التكهنات الذي يحظى بمصداقية كبيرة  FiveThirtyEight قد وضع نسبة احتمال 71 % فقط لفوز كلينتون؟  أتوقع أن العديد من الديمقراطيين قد صدموا بالرغم من رؤيتهم هذا الدليل المُزعج. في الواقع الكثيرون انتقدوا بشدة هذا التوقع في الأيام التي سبقت الانتخابات.

إذا كنت قد صوّت لترامب، هل سبق لك الاشتباك مع أدلة تناقش مزاعم ترامب بأن تزوير التصويت اصبح أمرا شائع في الولايات المتحدة؟ التحقيقات الاستقصائية والمؤسسات الصحفية قامت بتغطية هذا الموضوع على نطاق واسع، مقدمة أدلة قوية على عدم صحة هذه المزاعم. ومع ذلك فان هذا لن يزعزع داعم ترامب. في استفتاء سبتمبر 2016، عبر 90% من مؤيدي ترامب عن عدم ثقتهم بالتحقيقات الاستقصائية.

فيسبوك=أنصار غاضبين؟

إذا كان الانعزال عن الحقيقة هو فعلا مصدر المعلومات غير الدقيقة، يصبح الحل واضحا، اجعلوا الحقيقة اكثر وضوحا.

لسوء الحظ، الإجابة ليست بهذه السهولة. مما يعيدنا مرة أخرى لسؤال فيسبوك: هل هناك جوانب أخرى للخدمة قد تُحرف معتقدات المستخدم؟

سيمر وقت قبل أن يجد الباحثون إجابة موثوقة على هذا التساؤل، لكن كأحد من درسوا كيف تقود التقنيات الأخرى للانترنت عبر طرق متعددة لتصديق معلومات زائفة، أنا على استعداد لتقديم القليل من التخمينات الاسترشادية.

هناك شيئان نعرفهم بالفعل عن فيسبوك قد يشجعا نشر المعلومات الزائفة.

أولهما، أن المشاعر مُعدية، وتستطيع الانتشار عبر فيسبوك. دراسة واسعة النطاق أظهرت تغيرات محدودة على الخلاصات الإخبارية لمستخدمي فيسبوك تستطيع تشكيل المشاعر التي يعبرون عنها في مشاركات لاحقة. في تلك الدراسة كانت التغيرات العاطفية محدودة، إلا إنها نتجت عن تغير الخلاصات الإخبارية. لنتصور كيف استجاب مستخدمي فيسبوك لاتهامات الفساد واسعة النطاق التي طالت المرشحين، النشاط الإجرامي والأكاذيب. ليس من المفاجئ أن يصف ما يقرب من نصف المستخدمين(49%) المناقشات السياسية على مواقع التواصل الاجتماعي بالغاضبة.

حينما يتعلق الأمر بالسياسة، الغضب يمثل دافعا عاطفيا قويا. فقد تبين أنه يجعل الناس أكثر استعدادا لقبول الأكاذيب المتحيزة وأكثر عرضة لنشر وتبادل المعلومات السياسية، والتي قد تتضمن المقالات المزيفة التي تعزز معتقداتهم،اذا كان استخدام فيسبوك يدفع الأنصار السياسيين للغضب وفي ذات الوقت يعرضهم لأكاذيب متحيزة، فضمان وجود المعلومات الدقيقة قد لا يكون مهما. الجمهوريون والديمقراطيون، الناس الغاضبة يثقون في المعلومات التي تدعم موقف معسكرهم.

ثانيهما، يبدو أن فيسبوك يعزز الهوية السياسية للأشخاص- بتعزيز انقسام متحيز كبير من الأصل، في حين أن فيسبوك لا يحصن الأشخاص ضد المعلومات المخالفة لمعتقداتهم، فهو بالتأكيد يجعل من الأسهل إيجاد أصحاب الذهنيات المتشابهة. تميل شبكاتنا الاجتماعية لأن تحتوي على أشخاص يملكون نفس قيمنا ومعتقداتنا. وربما هذه أيضا تكون طريقة يعزز عبرها فيسبوك الأكاذيب ذات الدوافع السياسية. المعتقدات غالبا ما تخدم وظيفة اجتماعية، تساعد الأشخاص على معرفة ذواتهم وكيفية الاندماج في عالمهم. وكلما استسهل الأشخاص النظر إلى انفسهم عبر منظار السياسة، كلما زاد ارتباطهم اكثر بالمعتقدات التي تشكل هذه الهوية.

هذان العنصران- الطريقة التي يستطيع بها الغضب أن ينتشر على شبكات فيسبوك الاجتماعية، وكيف تجعل هذه الشبكات الهوية السياسية للأفراد تشكل ركيزة لهوياتهم- على الأرجح يفسران أن المعتقدات الغير دقيقة لمستخدمي فيسبوك “أكثر تأثيرا مما يسمى فقاعة التخصيص.

إذا صح هذا، فأننا نواجه تحد خطير، من المرجح أن يقتنع فيسبوك بتغير خوارزمية التخصيص ليعطي الأولوية للمعلومات الأكثر دقة. شرعت جوجل بالفعل في اتخاذ إجراء مماثل. وأشارت تقارير حديثة أن فيسبوك تتعامل مع الموضوع بجدية أكبر مما تشير إليه تعليقات زوكربرج.

إلا أن هذا لا يؤدي بأي حال لمعالجة القوى الداخلية التي تنشر وتعزز المعلومات الخاطئة: المشاعر، وأعضاء شبكاتك الاجتماعية. كما انه ليس من الواضح أن خصائص فيسبوك هذه يمكن أوحتى  ينبغي “تصحيحها” فشبكة اجتماعية خالية من المشاعر تبدو شيئا متناقضا، والدعوة للتحكم بمن هم الأفراد الذين يمكننا التفاعل معهم هو توجه بالتأكيد لا يجب أن نتبناه في مجتمعنا.

قد يتحمل فيسبوك قدرا من اللوم على بعض الأكاذيب التي أحاطت بعام الانتخابات- وتغيير مجراها.

إذا كان هذا صحيحا، فإن التحدي يكمن في معرفة ما يمكننا القيام به حيال ذلك.

.

[i]       فقاعات التخصيص (filter bubbles):تقنية لتفصيل الخدمات (بما في ذلك الأخبار ونتائج البحث) وفقا لأذواق المستخدمين الشخصية

[ii]       الحمية الإعلامية: طريقة لتنظيم متابعة مصادر الأخبار ووسائل الإعلام بشكل متوازن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى