منوعات

هل يمكن أن يتحوّل الحب إلى صداقة بعد الانفصال؟

الدافع للحفاظ على الصداقة تطور فقط في الأجيال القليلة الماضية

the atlantic

ترجمة وإعداد: ماري مراد

حدث شيء غريب لريبيكا جريفيث،  طالبة الدراسات العليا بجامعة كانساس، عندما بدأت تقديم نتائج بحثها المتعلقة بـ”صداقات ما بعد الانفصال”- أي الصداقة بين شخصين بعد انتهاء علاقة حب بينهما- في مؤتمر منذ سنوات قليلة. لقد كان بحثًا غير عادي، بالتأكيد إذ لم تحاول سوى القليل من الدراسات تحديد العوامل التي تجعل الصداقة ما بعد انتهاء علاقة الحب تنجح أو تفشل.

وبعد عرض نتائجها، تقلت ريبيكا أسئلة من علماء آخرين وزملاء لها في المجال. لكن التساؤل الذي عُرضت عليها في أغلب الأحيان لم يكن متعلقًا ببحثها أو استنتاجاتها أو منهجيتها أو تحليل بياناتها، بل كان “هل يجب أن أبقى صديقًا لحبيبتي السابقة؟

دون شك، فإن التساؤلات المتعلقة بإمكانية الحفاظ على علاقة صداقة بين حبيبين سابقين، وكيفية تحقيق ذلك معقدة وعالمية.  أبحث في المواقع المخصصة لإيجاد مصادر مجمعة لإجابات الأسئلة الصعبة؛ على سبيل المثال ستجد تكرارات لا نهاية لها لهذا اللغز في مواقع المنتديات مثل “Quora” و “Yahoo! Answers” ، وكذلك صفحات Reddit  مثل: “r/relations” و “r/AskReddit” التي يطلب فيها الشخص الذي سعى للانفصال أو الطرف الآخر المشورة بشأن ما تعنيه الرغبة في استمرار علاقة الصداقة، أو ما إذا كان يقبل صداقة الطرف الآخر أو يعرض عليه استمرارها.

من المرجح أن القلق بشأن “أتمنى أن نبقى أصدقاء” ينبع من عدم اليقين بشأن ما تعنيه حقًا أو ما إذا كانت البادرة صادقة أم لا. فنطق هذه الجملة خلال الانفصال عن الطرف الآخر قد تكون طريقة طيبة ومساعدة لتخفيف ألم الانفصال أو الجزء الأكثر قسوة من المسعى بأكمله، بناء على من تطلب منه هذا. وقد تكون محاولة بقاء الصداقة هذه لطيفة  إذا اقترحت على سبيل المثال وجود ارتباط أو احترام يتجاوز ظروف العلاقة الرومانسية. لكنها قد تكون قاسية عندما تضغط على الطرف الآخر لدفن مشاعر الغضب والجرح. وسيقول البعض إن كسر قلب شخص ما ومن ثم طلب استمرار علاقة الصداقة هو ببساطة شيء غير منصف.

ونتيجة لهذا، يظل كيفية تفسير أو التصرف حيال اقتراح استمرار علاقة الصداقة بعد الانفصال ضمن ألغاز الحياة اليومية العظيمة في عصرنا. ويشتبه الباحثون والمؤرخون في أن الدافع للحفاظ على الصداقة أو على الأقل الإبقاء على علاقة جيدة، تطور فقط في الأجيال القليلة الماضية.

ربيكا جريفيث وزملاؤها توصلوا إلى 4 أسباب رئيسية تفسر سبب الشعور بأنك مضطر للحفاظ على الصداقة أو اقتراح القيام بذلك: من أجل أدب الخُلق(أي أريد أن يحدث هذا الانفصال أقل إيذاء للطرف الآخر) أو لأسباب تتعلق برغبات رومانسية معلقة (أريد أن أرى أشخاصًا آخرين لكن أبقيك متاحًا في حال غيرت رأيي)، أو لسبب عملي (نحن نعمل أونذهب إلى المدرسة معًا أو لدينا أصدقاء مشتركين، وبالتالي يجب أن نبقى على علاقات جيدة لتقزيم الفاجعة)، أما السبب الآخير فهو الأمن (أثق بك وأريدك أن تبقى في حياتي داعمًا وكاتمًا للأسرار).

بالنسبة للبعض، ربما سيبدو هذا واضحًا، وبالفعل،  فإن العديد من النتائج التي توصلت إليها دراسة جريفيث، والتي نُشرت في “Personal Relationships”، تؤكد ما يعرف الكثيرون أنه الحقيقة دون شك. على سبيل المثال: وجدت جريفيث وفريقها أن الصداقات الناتجة عن الرغبات الرومانسية المعلقة التي لم يتم حلها تميل إلى أن تؤدي إلى أكثر النتائج سلبية: مثل مشاعر الحزن والرفض من الأصدقاء الآخرين. في هذه الأثناء، أسفرت الصداقة التي تكونت بين “أحباء سابقين”، عن النتائج الأكثر إيجابية وصداقات رفيعة المستوى.

لكن أحد الاكتشافات المفاجئة هو أن الأشخاص المنفتحين كانوا أقل احتمالًا للحفاظ على الصداقة مع شركائهم السابقين، وذلك لأنهم يميلون إلى تكوين صداقات بسهولة، ولم يكن هذا ما توقعه جريفيث وفريقها. وقالت: “لكن ربما لأنهم جيدون للغاية في أن يصبحوا أصدقاء لآخرين، فهم لا يحتاجون إلى هذه الصداقة على وجه التحديد”.

لم تتم دراسة شعبية صداقات ما بعد إنهاء العلاقة بمرور الوقت. لكن الباحثين والمؤرخين الذين تحدثت معهم (الكاتبة) عن هذه القصة اتفقوا عمومًا على أن البقاء على الصداقة (أو المحاولة) في تاريخ العلاقات هو ظاهرة حديثة بوضوح. واتفق الخبراء أيضًا على أن اثنين من المخاوف التي تؤدي في أغلب الأحيان إلى عرض صداقة بعد الانفصال، وهما: القلق من أن جماعة اجتماعية أو مكان العمل سيصبح عدائي، والقلق من أن فقدان الحبيب سيعني أيضًا فقدان صديق محتمل. وهذه التطورات حديثة نسبيًا، وأصبحت ممكنة بفضل دمج النساء في المجتمع العام وما تلاه من صداقة بين الجنسين.

عندما بدأت ريبيكا آدمز، أستاذة علم الاجتماع بجامعة كارولاينا الشمالية في غرينزبورو، في البحث عن صداقات أفلاطونية بين الجنسين في أواخر سبعينيات القرن العشرين، وجدت أن النساء اللائي ولدن في نهاية القرن لم يكن من المرجح أن يذكرن الرجال بين أصدقائهم: “لقد كبرت هؤلاء النساء في حقبة إذا كان لها صديق رجل، فهذا يعني أنه حبيبها. وتشير إلى أن معظم القرن العشرين كان هناك افتراض أن ما يجمع الرجال والنساء هو المواعدة والزواج وتكوين عائلة.

لكن التغير بدأت، بحسب آدامز، مع انضمام المزيد من النساء إلى القوى العاملة ومتابعة التعليم العالي؛ ففي حين أن حوالي 30% من العمال الأمريكيين كانوا من الإناث في عام 1950، فقد شكلت الإناث بحلول 1990 ما يقرب من نصف القوى العاملة.

وقبل منتصف القرن العشرين، لاحظت آدمز أنه “كان يفترض أن الرجال والنساء ليس لديهم الكثير من القواسم المشتركة. فلم تكن النساء متعلمات تعليمًا جيدًا مثل الرجال، ولم يلتحقن بالقوى العاملة أكثر من الرجال، “لكن مع زيادة توظيف النساء وحضور الفصول الدراسية إلى جانب الرجال، والاختلاط معهم على الغداء أو الشفقة على رب العمل بعد العمل، بدأ الرجال والنساء في تكوين صداقات. ولفتت إلى أن

وتقول أدامز إنه عندما أصبحت الصداقة الأفلاطونية بين رجل وامرأة أكثر واقعية في حد ذاتها، كذلك فعلت الصداقة الأفلاطونية بين رجل وامرأة كانا يتواعدان. ولفتت إلى أن دخول النساء إلى القوى العاملة قد سمح أيضًا لعلاقات الحب بين الجنسين بالازدهار والانتهاء في العمل، مما يخلق حالة شائعة يقابل فيها الأحباء السابقون بعضهم.

من جانبها، تساءلت ماريا كوردوكي ، مؤلفة كتاب  “Hard to Do: The Surprising, Feminist History of Breaking Up”، عما إذا كانت الرغبة في الحفاظ على صداقة الحبيب السابق أو المحاولة قد تكون مرتبطة بزيادة شعور الوحدة. وأشارت إلى أن من يعيشون في مجتمع أكثر وحدة لديهم وعي أكبر  بالقيمة المحتملة للتشبث بشخص ما استثمروا الوقت والطاقة في تطوير علاقتهم به. بالإضافة إلى ذلك، اقترحت أن البقاء مع الأصدقاء يمكن أن يساعد في الحفاظ على الروابط الاجتماعية الأخرى المرتبطة بالاقتران العاطفي البائد.

وتقول كوردوكي:  “إذا كنت على علاقة بامرأة ما لفترة طويلة ، فلن يكون لديكما مجموعة من الأصدقاء المشتركين فقط، بل مجتمعًا مشتركًا وربما تكون قريبًا من أسرتها، وربما تكون قد طورت علاقة مع أشقائها. أو أصبحت قريبًا من أصدقائها أو زملائها”. وبالتالي، يمكن أن يساعدك الحفاظ على الصداقة أو على الأقل الإبقاء على علاقة جيدة، في الحفاظ على الشبكة الموسعة التي أنشأتها العلاقة.

وتشير آدمز: “أعتقد أن هناك اعترافًا أكبر الآن بحقيقة أن الأصدقاء هم ثروة بالطريقة التي كنا نعرف بها دائمًا أفراد الأسرة. هناك الآن وعي أكبر بأهمية الصداقة في حياة الناس، وأن مصيرنا لا يتحدد فقط من قبل عائلاتنا الأصلية، ولكن أسرنا المختارة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى