مدير مكتب الإيكونوميست بالقاهرة: مشكلة مصر في العلاقات العامة
ترجمة: محمد الصباغ- فاطمة لطفي
“في ظل معاناة مصر مع الصعوبات الاقتصادية، بات واضحًا من هم أصدقاؤنا، ومن الذين يمكننا الاعتماد على دعمهم” هذا ما كتبه المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، في أغسطس 2016. “بات واضحًا أن الإيكونوميست اختارت الوقوف بجانب من عزموا على تقويض مصر.”
نشرت الإيكونوميست، والتي أترأس مكتبها بالقاهرة، سلسلة مقالات تنتقد الحكومة المصرية. لذلك يُنظر نحوي الآن كما لو كنت متآمرًا –وربما على صلة وثيقة مع الإخوان المسلمين، الجماعة الإسلامية التي أطيح بها من السلطة عام 2013 ويُلقى على عاتقها الآن مسئولية أغلب مشاكل مصر. ولو أن تقاريري “المزرية” و “المخزية” ليست دليلًا كافيًا، فأنا أمتلك لحية تماما كالإخوان.
توبيخ الوزارة كان مجرد لطمة على اليد مقارنة بطريقة التعامل مع الصحفيين الأجانب الآخرين في القاهرة. فقد وصفت وسائل الإعلام المحلية بعض هؤلاء بالجواسيس. وطُرد بعضهم من البلاد. المخاطر أكبر بالنسبة للمحررين المصريين الذي يتحدون الدولة، على الأقل هناك عشرون منهم بالسجن، أكثر من أي دولة باستثناء الصين. يقول الرئيس عبد الفتاح السيسي “لا تستمعوا إلى أي شخص غيري” وهو يعني ما يقوله.
لكن السيسي يحاول أيضًا أن يوصل رسالته إلى العالم بأن مصر آمنة ومستقرة، وذلك فإن الصحفيين الأجانب ” ذوي التقارير المزرية” هم مهمون لنقل هذه الرسالة إلى العالم، لذلك عادة ما تتحرك الدولة من أقصى طرف إلى آخر في معاملة الإعلام، فيتم منعنا من تغطية أخبار، والهجوم علينا بسبب تحيزنا ، ثم يتم دعوتنا إلى فعاليات كبيرة ومؤتمرات فاخرة (حيث يتم خلالها منعنا من تغطية الأخبار والهجوم علينا بسبب تحيزنا) . كل السلطويين يسعون إلى السيطرة على وسائل الإعلام، لكن في مصر تتجه التجربة إلى اللامعقول.
على سبيل المثال، خلال احتفال الدولة بمشروع توسعة قناة السويس، والذي وصفوه بأنه “هدية مصر إلى العالم”. وجهت الدعوات للصحفيين لمشاهدة السيسي فوق الممر المائي بزيه العسكري الكامل، مع هتافات الحشود وتحليق الطائرات فوق الرؤوس. تم توفير مواصلات رسمية. لكن عند وصولهم إلى الإسماعيلية، على الضفة الغربية لقناة السويس، اقتيد الصحفيين إلى خيمة تبعد 100 متر عن الاحتفالات. أغلقت الأبواب ووقف حرس عسكري على المدخل. ومن خلال فيديو لقناة حكومية عرفوا على الأقل ما قد يكون فاتهم. انتقد السيسي بشدة من يثيرون الشكوك حول الجدوى الاقتصادية للمشروع، كما فعل كثيرون في الصحافة الغربية.
وقد تجنبتُ الاحتفالات التي ترتكز على تجارب مماثلة في الأحداث الماضية. وفي مؤتمر كبير للاستثمار، نظمته الحكومة العام الماضي في شرم الشيخ، أعلنت الحكومة أن مصر “منفتحة على الأعمال التجارية”. لكن الكلمات الرئيسية كانت موصدة أمام الصحفيين. وفي مؤتمر حول التجارة الأفريقية في نفس الموقع. سُمح لي بالدخول إلى الحجرة الرئيسية لحضور بعض الاجتماعات الصغيرة، وبعدها طلب مني حارس أمن تابع للدولة الخروج من المكان. اصطحبني مسئول من العلاقات العامة إلى مدخل جانبي، حيث تحدث المسئولون مستخدمين مصطلحات مبهمة عن التعريفات الجمركية والاتفاقيات التجارية. كانت الغرفة نصف فارغة، وربما كان الحارس يحاول إبعادي قدر الإمكان.
تسائل صحفي، سافر جوًا لمدة 20 ساعة لتغطية المؤتمر الذي عُقد عن التجارة الأفريقية، قائلًا لماذا تدعونا الحكومة إلى احتفالاتها المملة ومن ثم تتصرف وكأننا نتطفل عليها؟ رثينا لحال بعضنا البعض خلال وجبة الغذاء الرسمية، التي كانت محظورة علينا، (ساعدتنا سيدة أعمال عطوف على التسلل خفية). الشئ الغريب أن الحكومة تدفع ملايين الدولارات لشركات العلاقات العامة الغربية لتنظم لها هذه الأحداث. لكن يقوض مسئولي الحكومة، عمل هذه الشركات بسبب ارتيابهم من الصحافة، وأيضًا أمن الدولة التي تنظر لنا كمصدر للتهديد. حتى زملائنا في وسائل الإعلام التي تديرها الحكومة، يقولون أننا نتعمد الإضرار بمصر (أحيانًا بسبب نشر قصص هم أنفسهم يعملون عليها).
ونظريات المؤامرة التي تلقي باللوم على جهات أجنبية مثل إسرائيل وإيران وأميركا على مشاكل مصر شائعة أيضًا. وتشوية سمعة الصحافة الأجنبية هو امتداد طبيعي. عندما أسفرت معركة بغيضة، على وجه الخصوص، عن تقارير متضاربة بشأن عدد الجنود القتلى في معركة الإرهاب في 2015 ( حيث أعلنت الصحافة الأجنبية عدد وفيات أعلى من التي أعلنته الحكومة). زعم الجيش وقتها أنه يواجه حربا شرسة ومغرضة تديرها الصحافة الأجنبية. وردًا على ذلك، صدر قانون يدين أي شخص نشر متعمدًا ” أخبار أو بيانات غير صحيحة”. في حالة معركة سيناء، لم يستطع المسئولون أنفسهم الاتفاق على عدد القتلى.
إلى جانب القوانين الصارمة، هناك أشياء صغيرة هي ما تجعل الحياة صعبة على الصحفيين الأجانب في مصر. أخبرنا السيسي أن نستمع إليه، لكن هيئة الاستعلامات تفشل في إصدار أوراق الاعتماد اللازمة لحضور المناسبات الرئاسية. في صباح احتفالية قناة السويس، لم يكن واضحًا من وافقوا على ذهابه من الصحفيين، أو أين يتوجب عليهم التجمع. في المساء، تُرك عدة صحفيين في الإسماعيلية. كما يرد الوزراء على طلبات إجراء مقابلات بعد أسبوع من نشر المواد الصحفية، ومضيهم قدمًا دون إبداء أي تعليق يعزز بشدة من ارتيابهم من الصحافة.
يحب مؤيدي السيسي أن يقولوا، أنه على الأقل، مصر ليست مثل سوريا والعراق. كنت أعتبر ذلك دائمًا سقفا منخفضا. لكن من الصحيح أن الحياة أكثر صعوبة في أماكن أخرى، بما في ذلك للصحفيين . وحتى في بلاد مثل أميركا، موطني، الوصول إلى المسئولين يتسم بالحذر، والأمن متعجرف ويعمل على شيطنة الصحافة. هذا كان صحيحًا حتى قبل انتخاب دونالد ترامب، صديق السيسي كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية. لذا ربما مصر ليست بهذا السوء. ألا تقرأ كلام المستشار أبو زيد؟