محمد أبو سالم: قصة موسيقى الآندرجراوند (9): يتبعهم الغاوون
محمد أبو سالم: قصة موسيقى الآندرجراوند (الحلقة التاسعة): يتبعهم الغاوون
محمد أبو سالم
في البدء كانت الكلمة، وبعدها تكونت عناصر الأشياء، الكلمة هي الحياة ذاتها، كلمتك هي هويتك، وعنوان كتاب حياتك، مقياس شرفك ويقظة ضميرك، وفي حالتنا فاختيارات الفرقة للكلمات هو المعبر عن فلسفتها وهدفها بل ووعي أفرادها كذلك، اليوم سنلقي نظرة على هؤلاء الذين بدأوا الحكاية بكلماتهم، فقط سنتعرف عليهم، وعندما نبدأ مع الفرق من الحلقة القادمة سنعود إليهم تباعًا لنتوقف عند محطاتهم المؤثرة، شعراء الآندرجراوند.
لماذا أردت التوقف قليلاً مع الشعراء؟ أولاً لأن التجربة كانت مستحيلة التحقق بدونهم، فلا يمكن أن تلجأ لكلمات معتادة وتقدم موسيقى بديلة، فهم جزءأصيل من هذا التيار، ثانيًا لأن حقهم مهضوم من الناحيتين المادية والأدبية، فبعد أن أصبحت هذه الفرق تكسب بعض المال مقابل الغناء في عدة أماكن ظل هؤلاء الشعراء أو على الأقل الدفعة الأولى منهم يكتبون مجانًا، ومن ناحية الحق الأدبي فلك أن تتخيل أن الصفحة الرسمية لفرقة وسط البلد نفسها لا تحتوي ولا على اسم شاعر واحد!! نقطة أخيرة قبل البدء، أعتذر للقراء وللشعراء أنفسهم لأنني لن أستطيع الإحاطة بهم جميعًا، فبعضهم لا أعرفه، وبعض هؤلاء راسلتهم ومنهم من لم يرد، فوجب التنويه.
يمكننا تقسيم شعراء الآندرجراوند إلى ثلاث مجموعات، المجموعة الأولى هم الشعراء الذين عاصروا تأسيس أو ما قبل تأسيس هذه الفرق، وبعضهم شارك في التأسيس فعلا، المجموعة الثانية هم الشعراء الذين كتبوا لهذه الفرق بعد تأسيسها، وأعني الفرق من أنجليكا حتى وسط البلد، فالأخيرة أسست لمرحلة جديدة، المجموعة الثالثة التي بدأت مع الفرق المؤسسة بعد وسط البلد وعلى نسقها تقريبًا، بعيدًا عن الفرق هناك كذلك مطربين يقدمون الموسيقى المستقلة ولكنهم ظهروا كأفراد ولم ترتبط أسماؤهم بفرق بعينها مثل محمد بشير ودنيا مسعود والوديدي ومريم صالح ومؤخرًا الجميلة لوكا، وهؤلاء سنأتي على ذكرهم بعد ان ننتهي من الفرق.
المجموعة الأولى تضمّني مع منتصر حجازي، أيمن شعلة، وليد عبدالمنعم، محمود رضوان، وحازم ويفي، وهذه المجموعة كتبت لأنجليكا ووسط البلد ولكل الفرق التي تأسست بينهما، اسود وابيض، أوتار، رحالة، أوجريس، والفار الرمادي، وكتبوا كذلك للفرق التي تأسست بعد وسط البلد مثل سيتي،كايروكي، مسار إجباري، المدينة، مرايا، بلاك تيما، وغيرهم الكثير. لهذه المجموعة أيضًا تجربة هامة أظن أنها كانت الأولى من نوعها قبل أن يستنسخها الكثير من الشعراء الآن، فقد قدموا أمسية شعرية عام 2009 جمعتهم جميعًا ولم يتغيب عنها سواي أنا وأيمن شعلة لتواجدنا خارج مصر، وصاحبهم هاني عادل وأحمد عمران بالعزف والغناء، كذلك هم أول من دخل عالم السينما مع فريق وسط البلد في أول تواجد لموسيقى الآندرجراوند في هذا العالم.
المجموعة الثانية تضم هدى حسين، صادق شرشر، أحمد زيدان، ورشا عبدالمنعم، وهم كما أسلفنا كتبوا للفرق الأولى ولكن بعد مرحلة التأسيس.
المجموعة الثالثة ضمت من جيلنا مؤمن المحمدي ومحمد خير، ثم طوفان من شعراء الجيل الأحدث شديدي التميز في الحقيقة، رامي يحيى، ميدو زهير، مايكل عادل، مصطفى ابراهيم، أحمد أسامة، نبيل عبدالحميد، محمد ابراهيم، عمرو حسن، أحمد حداد، وخالد عبدالقادر، والعشرات الذين لم أحط علمًا بأعمالهم، يحسب لهذه المجموعة أنهم نقلوا الأغنية لمستوى جديد سواءًا من ناحية جودة الكتابة أو جرأة الطرح، فطرحوا قضايا مثل تناول المخدرات التي طرحتها لوكا في أغنية (هاشرب حشيش)، أو حتى قضية المثلية التي طرحها رامي يحيى في أغنية (حر) مع بلاك تيما، وإن كانت تسببت في خلاف سنأتي على ذكره في حينه.
بالمناسبة هناك حالة غريبة هنا حدثت مع محمد خير ورامي يحيى، فمحمد خير له أغنية اسمها (مش مهم) غنتها أربع فرق مختلفة، دنيا مسعود وياسمينا فايد و ورولا عازر مع زياد سحاب وفرقة نغم مصري، ولرامي يحيى الكثير من الأغاني التي غنتها ثلاث فرق مختلفة، 30 فبراير وأنوبيس وألوان، وهي الفرق التي شهدت صعود نجم الشاعر ميدو زهير والذي سنقف عند تجربته أثناء الحديث عن الفرق.
انتبه معي هنا أرجوك، أغلب كتاب الأغاني في الثمانينيات كانوا من قبيلة مصطفى كامل، قاموس محدود، موضوعات مكررة، أوزان ثابتة، في الحقيقة أن موهبتهم الوحيدة كانت القدرة على (الرص) ، هذا طبعًا باستثناءات قليلة كعصام عبدالله وبهاء الدين محمد ووائل هلال، الباقون تأنف من أن تطلق عليهم شعراء من الأصل، أما كل الأسماء التي قرأتها في المجموعات الثلاث السابقة، كل، أتدرك .. كل، لهم دواوين منشورة، وبعضهم يكتب شعر العربية أيضًا كمؤمن المحمدي وهدى حسين ووليد عبالمنعم ومنتصر حجازي، وبعضهم يكتب الرواية كمحمد خير ووليد عبدالمنعم، وبعضهم يكتب للمسرح كاحمد زيدان ورشا عبدالمنعم، وبعضهم يرسم كهدى حسين وميدو زهير، والكثير منهم يعمل بالصحافة أو يكتب المقالات لبعض الدوريات، وأغلبهم حصل على جوائز عن كتاباته، أنت أمام مد حقيقي بدأ منذ منتصف التسعينيات بعدد من الشعراء القليلين، وأججته الحالة الثورية التي اجتاحت مصر منذ مطلع الألفية الجديدة، نحن نتحدث عن أكثر من 300 فرقة موسيقى مستقلة تأسست منذ2003 حتى الآن، أي بعد تأسيس وسط البلد بأربعة أعوام، هل تتصور كم شاعرا يكتبون لهم!!
بطبيعة الحال أنا لا أقول أن كل ما يقدمه هؤلاء الشعراء جيد، ولكن إذا حاولت الحكم على تجربتهم الآن ستكون كمن يحاول أن يأتي بالنتيجة من الكونترول، فأغلبهم أصحاب مشاريع مفتوحة لم تكتمل بعد، ولكن لتعرف أن النتائج مبشرة استمع مرة أخرى للموسيقى التي تحبها وأنت تعيد قراءة أسماءهم.
.
الحلقات السابقة
الحلقة الثانية: طنبورة وجريتلي
الحلقة الخامسة: غنام وربيع وعزيز
الحلقة الثامنة: إنه عصام عبد الله