ثقافة و فنسياسةمجتمع

مالكوم إكس.. هذه الحياة الأمريكية

مالكوم إكس.. هذه الحياة الأمريكية

Malcolm-X-right
مالكوم إكس

نيويوركر- ديفيد ريمنيك

ترجمة أحمد جمال سعد الدين

“أنت مجرد جاسوس أرسله الرجل الأبيض”

مالكوم متحدثاً إلى أليكس هيلي، في أول لقاء لهما.

اعتاد مالكوم إكس، في ليالي صيف عام 1963، قيادة سيارته الأولدسموبايل الزرقاء، من المسجد رقم 7، المقر الرئيسي لأمة الإسلام بحي هارلم، إلى شقة بمبنى يقع في شارع جروف، بجريين-ويتش فيلج، حيث ينتظره كاتب حر يُدعى (ألكيس هيلي) في استوديو 10X8 قدما. يبقى الاثنان هناك حتى صباح اليوم التالي. يجلس (هيلي) على مكتب يسجّل ملاحظاته، بينما يخطو (مالكوم) -طويل القامة، بسيط الملبس، يرتدي دائما بذلة سوداء اللون، وقميصا أسود، ورابطة عنق ضيقة غامقة- في الحجرة بينما يشرب فنجان قهوة تلو الآخر، ويتحدث. حصيلة هذه الجلسات، سيكون تأريخا شخصيا لحياة مالكوم، كرجل أسود البشرة في أميركا منتصف القرن: بداية بـ(مالكوم ليتل)، المولود في أوماها لأبوين مكافحين، شكلت معاناتهما ضد التحرشات العنصرية، والعنف، نوعا من التأسيس الديني للقومية السوداء التي نادى بها (ماركوس جارفي) (1) ثم تحوله إلى (ديترويت ريد) أحد محتالي الشوارع الذين تمتلأ بهم شوارع بوسطن، ونيويورك، مروراً بالفترة التي دخل فيها السجن كمجرم مُدان يُعرف بين زملائه المسجونين باسم ساتان (الشيطان)، ثم التحول الأخير إلى مالكوم إكس، الشخصية الكاريزمية، نائب رئيس منظمة (أمة الإسلام) (2) ، (إليجا محمد)، وأكثر مؤيدي القومية السوداء الأحياء تأثيراً وإثارة للجدل على الإطلاق. في إحدى الأمسيات، سيقول (مالكوم) لـ(هيلي): “حياتي كلها كانت سلسلة من التغيرات”، وبعد هذه الليلة بعدة أشهر، سيجري (مالكوم) تحوّلاً جديداً على نفسه، ليصبح (الحاج مالك الشبّاز) (3)، المُسلم السُنّي.

عندما قابل (هيلي) (مالكوم إكس) للمرة الأولى، كان الأول قد تقاعد منذ فترة بسيطة، من مشوار عمل استمر عشرين عاماً في خفر السواحل، وشرع في العمل كصحفي. نشر بعدها مقالات عن (أمه الإسلام) و(مالكوم) في الـ(ريدرز دايجست)، و(الساترداي إيفننج بوست). لم يكن (هيلي) على اتفاق مع التصورات اللاهوتية لـ(أمة الإسلام)، أو أيديولوجيتها المتشددة في ما بتعلق بالفصل العنصري، بل كان على العكس، جمهوريا ليبراليا، ينادي بالاندماجية، ومعجباً بـ(إيه فيليب راندولف)، (روي ويلكينز)، و(مارتن لوثر كينج جونيور)، قادة الحقوق المدنية ذوي الشعبية الذين اعتاد (مالكوم) على السخرية منهم، ووصفهم بالـ”عملاء”، والـ”خدم”.

أليكس هالي

في أول لقاء لهما، قال (مالكوم) للـ(هيلي): “أنت مجرد أداة تجسس أرسلها الرجل الأبيض”. ولكن (مالكوم) رأى أن مقالات (هيلي) كانت حيادية، بالرغم من الاختلاف الواضح بينهما. وبعد أن أجرى (هيلي) حوارا مع (مالكوم)، لمجلة (بلاي بوي)، أقنعه بقبول المشاركة في سيرة ذاتية يكتبها (هيلي). سيقتسمان مبلغ 20 ألف دولار كمقدم للكتاب.

الجلسات الأولى في شارع (جروف) كانت مخيبة للآمال، انحصر حديث (مالكوم) في الحديث لساعات لا تحصى، عن حكمة (إليجا محمد)، وتفادي أي ذكر لأحداث حياته الشخصية. استمر هذا حتى جاء اليوم الذي سأل (هيلي) فيه (مالكوم): “إنني أتساءل إن كنت ستخبرني في وقت ما، أي شيء عن والدتك”. رقّ صوت (مالكوم) وهو يجيب: “كانت تقف دائماً أمام الفرن، محاولة أن تبتكر ما يمكن أن نأكله” وبدأ في سرد قصة حياته، كيف احترق منزل عائلته تماماً بفعل مجموعة تنتمي إلى جماعة الـ(بلاك ليجون) العنصرية (4)، كيف أخبر مدرس أبيض البشرة (مالكوم) أنه لا يستطيع أن يكون محاميا: “لا يجب على الزنجي أن يحلم هذا النوع من الأحلام”. تحدثا -هيلي ومالكوم- حتى الفجر يومها، مراكمين أغلب أجزاء الفصل الأول من الكتاب، الذي أسماه (هيلي): الكابوس.

كان طموح (هيلي) هو كتابة كتاب يحقق أعلى المبيعات، استطاع أن يميز في (مالكوم) قصة عظيمة، ربما خطيرة كذلك، وإن لم يكن بالضرورة قد رأى في (مالكوم) شخصاً عظيماً. في عام 1964، انشق (مالكوم) عن (أمة الإسلام)، وكان يشعر، عن حق، أن اغتياله مسألة وقت. كل حياته العامة كانت ملاحقة من الإف بي آي، والشرطة، بالإضافة إلى فرق بلطجية تنتمي إلى (أمة الإسلام) تُسمى (فاكهة الإسلام) (5)

شعر (هيلي) بالقلق على (مالكوم)، وبنفس الدرجة من القلق على الكتاب المُنتظر، أخبر (مالكوم) في رسالة طويلة: “أحياناً أشعر أنك لا تعي تماماً حجم التأثير الذي سيحدثه هذا الكتاب. ليس لهذا الكتاب أي مثيل، على الأقل في وقتنا الحالي، هل تدرك أنه لفعل كل هذا يتوجب عليك الحفاظ على حياتك؟”. في نفس الوقت، كان (هيلي) يكتب إلى الناشرين والوكلاء طالبا تأخير مواعيد التسليم النهائية، مخبراً إياهم ببهجة أن: “سيكتسح هذا الكتاب السوق مثل النار”. “هذا الرجل موضوع مشتعل، مشتعل للغاية، هذا الكتاب مشحون بملايين فرص التوزيع والمبيعات، بما في ذلك حقوق النشر الأجنبية، التي يمكن طرحها للمزاد”.

في 21 فبراير، من عام 1965، بقاعة (أدبون) مرتفعات واشنطن، أطلق عدد من المسلحين نيران البنادق والمسدسات على (مالكوم)، بينما كان يلقي محاضرته، متسببين بمقتله في الحال، بعد ساعتين من سماعه الخبر، كتب (هيلي) إلى وكيله الأدبي: “لم يكن أي منا يتوقع أن يتم الأمر بهذا الشكل، لكن بما أن حق الإنتفاع الأدبي الوحيد يعود إلى أرملته، وأولاده الأربعة الصغار.. أنا سعيد جدا لأن كل هذا شق طريقه إلى الصحافة بالفعل، لا حديث للناس إلا عن هذا الأمر، مما سينتج عنه أرباح عالمية واسعة، وأرباح كتب، كل هذا”.

ألغى الناشر “نيلسون دبلداي”، العقد مع (هيلي)، بسبب خوفه على فريق النشر، لكن (بارني روزيت)، مالك دار نشر(جروف برس) البارع، التقط العقد، ولن يندم أبداً. باع كتاب (السيرة الذاتية لمالكوم إكس)، بين عامي 1965 إلى 1977، أكثر من 6 ملايين نسخة عالمياً، واستمرت مبيعات الكتاب في التصاعد، سواء بسبب القراء العاديين، أو الطلاب الذين يُقرر عليهم. في عام 1992، أطلق المخرج (سبايك لي) هوساً جديداً بـ(مالكوم إكس) بعد فيلمه الذي تتخطى مدته الثلاث ساعات.

خلال هذه الصحوة الجديدة، تحدث أشخاص لم يعتد منهم هذا النوع من الأحاديث، مثل (دان كويل) بتعاطف عن (مالكوم). وأظهر استبيان أن 84% بالمئة من الأميركيين ذوي الأصول الإفريقية، بين أعمار الـ5 والـ24، يتعاملون مع شخصية (مالكوم) كـ”بطل شعبي للأميركيين ذوي الأصول الأفريقية”، وضعت فرقة (بابليك إينيمي) وجه (مالكوم) على الدولار.

كان (مالكوم) شخصية عامة نشطة، لكنه أصبح في حكم الأيقونة بعد اغتياله، فعل هذا بكتاب لم يعش ليرى نشره.

عمل (ماننج مارابيل)، المؤرخ في جامعة كولومبيا، لقرابة العشرين عاماً، على ما كان يأمل أن يصبح عملاً بحثياً متكاملاً حول (مالكوم إكس)، عانى (ماننج) من مرض الرئة، والتهابات الغدد اللمفاوية، وحتى الخضوع لجراحة زرع رئتين، وأنهى منذ وقت قريب السيرة الذاتية شديدة الأهمية: (مالكوم إكس: حياة من اعادة الاكتشاف)، لكن (ماننج)، في تشابه مع مصير موضوع بحثه، توفي ليلة النشر، أحد أهداف الكتاب كان الاشتباك مع كتاب السيرة الذاتية الأشهر، وبالرغم من أن (ماننج) وجد الكثير مما يثير الإعجاب حول (مالكوم)، إلا أنه جادل بأن الدراما التي احتوى عليها الكتاب، كثيراً ما جاءت على حساب الحقائق. لاحظ (ماننج) أن (هيلي) أراد كتابة “حدوتة تبيع”، وأن (مالكوم) اعتاد على المبالغة في الحديث عن مغامراته: “عدد السرقات، كميات الماريجوانا التي باعها للموسيقيين، وأمور من هذا القبيل”. مالكوم، مثل القديس أوغطسين، زخرف خطاياه، ليعلي من شأن الدراما المصاحبة لصلاحه.

تغلب الدافع الأدبي على الجانب التوثيقي، حتى في الحديث عن أحد أهم الأحداث المحورية في طفولة (مالكوم). في إحدى أمسيات عام 1931، بـ(لانسينج)، ولاية (ميتشجين)، وقت كان (مالكوم) يبلغ من العمر6 سنوات، خرج (إيرل ليتل)، والد (مالكوم)، المدرس العامل بأجر، ليجمع (أموال الدجاج)، من العائلات التي اعتادت شراء الدواجن منه. تم العثور على (إيرل) في هذه الليلة، ينزف حتى الموت، على أحد طرق العربات الكهربائية، اعتبر المسؤولون وفاته حادثة. لكن (لويس)، والدة (مالكوم)، كانت واثقة من أن الـ(بلاك ليجون) اعتدوا عليه بالضرب، ثم وضعوه على الطريق لتدوسه العربات ويموت. ربما كان هذا حقيقيا، يقول (مارابيل): “لكن أحداً لم يعرف أبداً بشكل قطعي” تقدم السيرة الذاتية، ومن بعدها الفيلم، هذه الواقعة كحقيقة حاسمة، لكن حتى (مالكوم) نفسه، في خطابه بميتشجين عام 1963، أشار إلى وفاة والده على أنه حادثة.

من الأمور غير القابلة للجدل، أن عائلة (مالكوم) عانت بشكل لا يوصف، من العنصرية، والفقر المدقع على حد سواء. كانت هذه فترة الشنق والإعدام دون محاكمة، ظهور (جيم كرو)، والكساد الإقتصادي، قال (مالكوم) إنه كان يشعر أحياناً بالدوار من فرط الجوع. أصيبت أمه بالإكتئاب الحاد، وكانت تجلس على الكرسي الهزاز لساعات تدندن لنفسها، تم ادخالها المصحة النفسية في النهاية. وارسال (مالكوم) إلى عدد من دور الرعاية، ومدارس كل طلابها من بيض البشرة، رأى (مالكوم) أمه على فترات متباعدة خلال 25 عاماً. حتى لو كان السيرة الذاتية قد كثّفت ألوان هذه القصة، لكن البؤس العام في فصل (الكابوس)، إحساس (مالكوم) بالحرمان، والأذى، وحنقه الشديد على المجتمع الأبيض، كلها أشياء تم اثبات صحتها في بحث (مارابيل).

عمل (مالكوم) لفترة في قطارات البولمان، أحياناً كمهرج لتسلية الزبائن، ثم استقر به الحال أخيراً في (روكسبيري) و(هارلم)، حيث أصبح عضو عصابات غير ذي شأن، يرتدي بذلات الـ(كونك) والـ(زووت)، ويعمل بالدعارة، وبيع المخدرات. اعتاد (مالكوم) على التسكّع مع الموسيقيين، والمحتالين، والعاهرات، في الملاهي الليلية الشهيرة، مثل ملهى (روزلاند)، و(سمولز باراديز). عمل كذلك في غسل الصحون في (جيمي تشيكن شاك)، مثل (تشارلي باركر) (6). وبالإضافة إلى بيع تذاكر اليانصيب، فقد كان هو نفسه يشتريها، “كنت أقامر يومياً بكل البقشيش الذي أحصل عليه، بمبالغ قد تصل إلى 15 و20 دولارا، أراهن على الأرقام، وأحلم في ما سأفعل لو حصلت على رقم فائز”.

بالرغم من أن السيرة الذاتية تظهر (مالكوم) كشخص غير سياسي في هذه المرحلة، لكن مما يبدو فإن هذا كان نوعاً من الأساليب الدرامية. تعمد إظهار عمق الجهل قبل لحظة الاستنارة. تتبع “مارابيل” شاهداً ذكر أن (مالكوم) كان “عادة ما يتحدث عن والده وعن التعذيب والضرب الذي تعرض له أثناء بيعه جريدة (ماركوس جارفي)، وكان كثيراً ما يتحدث عن مبادئ (جارفي) بشكل يظهر به كم ستفيدنا هذه المبادئ كجماعة”.

في بوسطن، عمل (مالكوم) تحت إمرة (ويليام بول لينون)، ابن تاجر ناجح في (رود آيلاند)، وفي عام 1944، كان مالكوم وصيفاً وعاملاً في بيت (لينون) بشارع (آرلينجتون)، قرب الحديقة العامة. وصف (مالكوم) في سيرته الذاتية صديقه (رودي)، الذي كان يأتي إلى “الرجال النبلاء” كل أسبوع: “اعتاد أن يدفع لـ(رودي) لكي يخلعا ملابسهما، ثم يحمل (رودي) الرجل العجوز مثل طفل، ويضعه في السرير، ويقف بجواره، ثم ينضح عليه بودرة التلك. اخبرني (رودي) أن الرجل العجوز كان يصل إلى ذروته الجنسية من هذا.

لكن (مارابيل) يكتب في بحثه، أنه “طبقاً لأدلة ظرفية، لكنها قوية، ربما كان (مالكوم) يصف مقابلاته ذات الطابع الجنسي، مع (بول لينون)”. عندما ظهر هذا الافتراض لأول مرة في سيرة ذاتية مغرضة عام 1991، كتبها (بروس بيري)، جوبهت بعاصفة من النقد الهائل، لكن (مارابيل) يصرّ على أن الأدلة الآن تبدو أكثر مدعاة للتصديق.

أيام (ديترويت ريد) انتهت في عام 1946، عندما ذهب (مالكوم) بصحبة محتال آخر يدعى (شورتي جافريس)، وصديقتيهما، في عملية سطو، انتهت بالفشل، والقبض على (مالكوم) أثناء محاولته إصلاح ساعة مسروقة. بعد أن حكم القاضي على (مالكوم) و(جافريس) بعدد سنين سجن يتراوح بين الـ8 والـ10 سنوات، قال محامي (مالكوم) له: لا شأن لك بالفتيات بيضاوات البشرة.

في سجن الولاية بـ(تشارلستون)، تفاخر (مالكوم) بسجله الإجرامي، وتعاطى الحشيش، حتى التقى بأحد النزلاء الذين علّموا أنفسهم بأنفسهم، والذي أقنع مالكوم بأهمية الكتب. بدأ (مالكوم) في قراءة (كانط) و(نيتشه) و(ه.ج.ويلز) و(هيرودوت)، حتى أنه حاول حفظ القاموس غيباً.

تلقى (مالكوم) رسالة في عام 1948 من أخيه الأكبر (فيلبرت)، يبلغه فيها أنه وعدد من أفراد الأسرة قد انضموا إلى (أمه الإسلام)، “برنامج مخصص لمساعدة ذوي البشرة السوداء”. قرأ (مالكوم) عن (أمة الإسلام) لفترة، ثم جلس في زنزانته، وكتب 25 مسودة لرسالة واحدة إلى الـ(إليجا محمد)، يتعهد فيها بإلتزامه الروحي، وفي ردّ مرحب برسالة (مالكوم) أرفق (إليجا محمد) مع الرسالة ورقة نقدية فئة الـ5 دولارات.

لو كنت مؤمناً (وهؤلاء قليلون هذه الأيام)، فإن أصول (أمة الإسلام) تعود إلى آلاف السنين، إلى وقت تم فيه الإعتداء على السود، وهم “أصل البشرية” واغتصاب حقوقهم، بواسطة عرق ظهر بسبب طفرة جينية، وهو العرق الأبيض، الذي صنعه عقل شيطاني لعالم يدعى (يعقوب). سيطر بيض البشرة على الأرض، واستسلم سود البشرة للأمر الواقع “ذهبوا إلى النوم” عقلياً وروحياً. ولهذا فإن هدف (أمة الإسلام) هو ايقاظ الرجل الأسود من غفوته (الأمر يتضمن سفن فضاء حربية كذلك). كانت هذه تعاليم (والاس دي فارد)، بائع الحرير السابق، والواعظ غريب الأطوار، الذي ظهر في غيتو (ديترويت) حوالي عام 1930. كان لـ(فارد) نصائح أرضية كذلك، نصح أتباعه بتجنب الخمور، أن يعملوا بجد ليدخروا المال، ويمتلكوا أعمالهم الخاصة، وأن يحسوا بنبل العرق الذي ينتمون إليه. مثلت جماعته، (أمة الإسلام)، فرعاً ذا صبغة دينية للحركة الأميركية المهيبة: القومية السوداء.

في إحدى ليالي صيف 1931، بإحدى القاعات بـ(ديترويت)، والتي كانت سابقاً تتبع (ماركوس جارفيت)، حضر أحد المزارعين من جورجيا، حاصل على شهادة الصف الرابع، ويُدعى (إليجا بوول)، ليسمع عظة (فارد)، وبعدها أخبره: “أنا أعرف من أنت، أنت الله نفسه”، و(فارد) رد قائلاً: “نعم، هذا حقيقي، لكن لا تخبر أحداً الآن، لم يحن وقت الكشف عن هويتي”. بدأ (فارد) عمله في (شيكاجو)، وأصبح (بوول) كاهنه الأقرب. في عام 1934 اختفى (فارد) بشكل غامض ، وتولّى رسوله، الذي أصبح يُدعى (إليجا محمد)، مقاليد الأمور في (أمة الإسلام).

انضم (مالكوم) إلى (أمة الإسلام) بمجرد إخلاء سبيله في 1952، كانت المنظمة في ذلك الوقت ضئيلة التأثير، وبعيدة عن السياسة، تنصح أعضاءها، الذين يقدرون بالمئات، بعدم التصويت. ميّز (إليجا محمد) -الذي كان شخصاً لا يمتلك أي نوع من الكاريزما- قدرات (مالكوم) ونشاطه، وقدرته على التنظيم والتحدث، ولهذا أوفده إلى (ديترويت)، (بوسطن)، (فيلادلفيا)، وأخيراً إلى (هارلم) لإنشاء دور عبادة جديدة. وفي الوقت الذي كانت تتطوّر فيه حركة الحقوق المدنية في الجنوب، كان (مالكوم) يتحرك من جيتو إلى آخر، في الجنوب، والغرب الأوسط، ثم (كاليفورنيا).

تعامل (مالكوم) مع مقلوب أفضلية العرق الأبيض، وتحدث عن ذوي البشرة البيضاء، باعتبارهم “شياطين لهم عيون زرقاء”، وطالب بالوحدة بين جميع الحركات التحررية في آسيا وإفريقيا.

جاذبية (مالكوم) الأولى، لم تكن تماسك أفكاره السياسية، بل الحماس البدائي الذي يخلقه حضوره في قاعة المحاضرات، والوضوح العنيف لبلاغته، وبالرغم من شراسته اللفظية فإنه اتصف بسحر واثق، خاصة تجاة المراسلين ذوي البشرة البيضاء.

في نظر الكثير من الشباب السود، كان (مارتن لوثر كينج) لطيفاً أكثر من اللازم، منتمياً للطبقة الوسطى، والنصف الجنوبي من أميركا، أكثر مما يجب، يتحدث كثيراً عن التعاليم الكنسية، وحالماً للغاية. على عكسه تماماً كان (مالكوم)، الذي عاش نفس الحياة التي عاشوها. اعتاد (لويس فرخان) (7)- أحد حراسه الشخصيين، والذي تحول إلى عدو له في النهاية- أن يقول: “لا يستطيع أحد أن يطيق (مالكوم)، لم أره يدخن يوماً، أو يشتم، أو يحدق بشكل غير لائق في امرأة، لم أره يأكل بين الوجبات، كان يأكل لمرة واحدة فقط في اليوم. يستيقظ في الخامسة صباحاً ليصلي، لم يتأخر يوماً عن ميعاد اجتماع، كان مثل الساعة”.

حسبما يورد (مارابيل)، فبحلول عام 1961، ارتفع عدد أعضاء (أمة الإسلام) إلى 75 ألف عضو.

امتد تأثير (مالكوم) ليشمل حتى غير المنتمين للمنظمة، أورد أحد عناصر الإف بي آي عن مالكوم في عام 1958: “إنه متحدث بارع، مقنع وكاسح، منظم للغاية، ولا يكف عن العمل. ومن غير المحتمل أن تتحول كراهيته ضد البيض إلى عنف، لأنه ذكي جدا ولن يسمح بهذا”.

لكن (مالكوم) لم يترفع عن مخاطبة أسوأ غرائز تابعيه، “اليهود يتحكمون في هذا البلد، النساء “مخادعات، خائنات، وكائنات لا تستحق الثقة”.

اعتاد (مالكوم) على التمييز بين الحشود الصادقة، “زنوج الحقل” كما أسماهم، وبين “زنوج المنزل”، الذين يتطلعون إلى ساداتهم من ذوي البشرة البيضاء من أجل الحصول على الرضا والامتيازات، كان هذا التمييز وسيلته للسخرية من الاتجاة السلمي السلبي، ذي الشعبية، في حركة الحقوق المدنية.

يوضح عالِم السياسة (أدولف ريد) أن قادة ثورة العبيد المشهورين، مثل (نات تيرنر)، و(دينمارك فيسي)، و(جابريال بروسير)، كانوا عبيد منزل.

رغبة مالكوم في توجيه أتباعه لوصم الأغلبية البيضاء، ربما تكون قادته إلى بعض الحسابات الخاطئة: في يناير من عام 1961، قابل ممثلين عن(كلان) (8)، في (أتلانتا)، مؤكداً لمحدثه الذي وضع غطاء الرأس المميّز: “اليهود هم الذين يدعمون الحركات الإندماجية، مستخدمين الزنوج كأداة لذلك”.

تنامت شهية المقامر القديم لمقامرات جديدة غير مدروسة، وشديدة الخطورة.

في الوقت الذي سعى فيه (مارتن لوثر كينج) إلى التعاطي مع جميع الأحداث التي تمر بها الأغلبية البيضاء، بهدف الدمج العِرقي في المجتمع، فإن (مالكوم)، على العكس، كان يحرّض على مزيد من الإنفصالية، ولا يخفي غضبه.

مارتن لوثر كينج

في يونيو، من عام 1962، تحطمت طائرة في باريس، تحمل على متنها رجالاً بيض البشرة على قدر من الثراء، قادمين من ولاية (أتلانتا)، وأمام قرابة الألف شخص في (لوس أنجليس)، سيقول (مالكوم) تعليقاً على هذه الكارثة: “إنه أمر جميل، استجاب الله لدعائنا، وتخلّص من قرابة المائة والعشرين منهم”.

بحلول عام 1959، كانت الشقوق قد أصبحت أكثر عمقاً بين (مالكوم) و(إليجا محمد). شعر بعض المقربين من (إليجا) بالغيرة من شهرة (مالكوم) المتصاعدة، ظهوره المتكرر في التليفزيون، ولقاؤه بـ(مايك والاس)، وشعر آخرون بالقلق من احتمال تخطيط (مالكوم) للسيطرة على (أمة الإسلام) بعد وفاة (إليجا)، لكن الاحتقان اتخذ أشكالاً أعمق. تزوّج (مالكوم) في 1958، من امرأة تُدعى (بيتي ساندرز)، وبينما قدّم فيلم (لي) الزواج بطريقة عاطفية، فإن الزواج كان إخفاقاً كبيراً في الحقيقة. كتب (مالكوم) إلى (إليجا محمد) في إحدى رسائلته:

“السبب الرئيسي لمشاكلنا، هو الجنس، تضع أهمية كبيرة على الأمر، أكثر مما احتمل، جسمانياً، وبينما أبذل كل ما في وسعي لإشباعها (جنسياً)، فإنها أخبرتني يوماً أننا غير متوافقين جنسياً، وأنني لم أكن مناسباً لها أبداً من هذه الناحية، منذ هذه اللحظة، ومهما حاولت، بدأت أشعر بأنني لا أرغب فيها.. قالت لي في وقت لاحق، إنها ستبحث في مكان آخر”.

بشكل ما، عرف أتباع (إليجا) عن مشاكل (مالكوم)، ولم يترددوا في ترديد إشاعات مهينة عن هذا الأمر. (9)

عرف (مالكوم) بعدها، عن أخبار حمل السكرتيرة الشابة، في مقر (أمة الإسلام). كان بين (مالكوم) وبينها علاقة عاطفية قبل أن يتزوج بـ(بيتي)، وتأكد له أن الطفل هو ابن (إليحا محمد).

بالفعل كان هذا هو طفل (إليجا)، وعندما طلبت منه المرأة أن يتكفّل بالمصاريف، كان شديد القسوة والإساءة. أخبرها: “لا بد أنك تعتقدين أنني مغفّل، أو بابا نويل”. عندما اتصلت به مرة أخرى، أخبر أحد مساعديه الذين سمعوا الحوار: “لابد من اسكاتها”.

واجه (مالكوم) (إليجا محمد) في أوائل الستينيات، ووجه اتهامات مهينة له بخصوص سلوك (إليجا) الجنسي المشين.

انتهت العلاقة بين (مالكوم)، ومرشده الروحي، بعد اغتيال كينيدي، رفض (مالكوم) الانصياع لتوجيهات (أمة الإسلام) بالتزام الصمت حيال الأمر. وقال إن جريمة الاغتيال تمثّل “نوعاً من (عودة الطيور إلى القن. ولأنني تربيت في مزرعة، لطالما أسعدني عودة الدجاجات إلى القن، لم يكن هذا أبداً أمراً سيئاً.”

“أسكت”(إليجا محمد) (مالكوم) بشكل رسمي، ومنعه من الإدلاء بأي أحاديث رسمية لمدة 3 شهور، وبدا أن (مالكوم) يتحرك من تلقاء نفسه منذ هذه اللحظة، ولم يكن هناك أي فرصة للتصالح. أخبر (مالكوم) (هيلي) : “لم أعش في الشوارع كل هذه السنين على الفاضي، كنت أعرف أنه يتم الإيقاع بي”.

قرر (مالكوم) في عام 1964، أن يعيد تشكيل روحه، ويغير سياسته بالكامل، وشرع في التأسيس لصورة عامة جديدة، بعد جولة في إفريقيا والشرق الأوسط استغرقت شهرين، قام خلالها بالحج، عاد إلى الـ(هارلم) كمُسلم سُنّي، يعيد تشكيل نفسه من البداية. تغيّر إيمانه بتعاليم (جارفيت) الداعمة لرأس المال التجاري، إلى أفكار جديدة تنطلق من التكافل الاجتماعي. اعلن بعدها (مالكوم) عن أنه لم يعد يؤمن بالانفصالية. في رسالة له إلى مراسل مجلة الـ(تايمز)، (إم، إس، هاندلر)، كتب: “بعض أقرب أصدقائي هم من المسيحيين، اليهود، البوذيين، الهندوس، الملحدين، بعضهم يؤمن بالرأسمالية، بعضهم من المحافظين، أو المتشديين، منهم السود، ورماديي اللون، والحُمر، والصُفر، وحتى البِيض”.

تحوّل (مالكوم) الأخير، والموصوف بشكل درامي في سيرته الذاتية، هو ما سمح لسود البشرة الذين ينتمون للطبقة الوسطى، والبيض الليبراليين، بالتعامل معه بتقدير. عندما ارتدى (بيل كلينتون) قبعة مرسوم عليها رمز (X)، لم يكن يرتديها ضد الـ”شياطين ذوي العيون الزرقاء” كما اعتاد (مالكوم) أن يصف ذوي البشرة البيضاء، لكنه كان يرتديها إشارة إلى المرحلة الأخيرة من حياة (مالكوم)، المرحلة الإنسانية (وكان بالطبع يقوم بإعلان عن موضة جديدة).

مالكوم إكس

بالرغم من كل هذا، لم يتح لـ(مالكوم) بناء حركة سياسية جادة، أو وجهة نظر ائتلافية. تبقى له القليل من الوقت، لم يتم التصالح مع كل شيء بعد. كان (مالكوم) مليئاً بالتنافضات، يمدح (مارتن لوثر كينج) في يوم، ثم يعود ليسخر منه في اليوم التالي. يتحدث باحترام عن (إليجا محمد) في إحدى المحاضرات، ثم يهينه في محاضرة تالية، كذلك لم يستطع الاقتناع بالثورة السلمية تماماً. قبل ثلاثة أيام من اغتياله، قال (مالكوم): “إنني أمتلك ما يكفي من الشجاعة لأخبرك أنني لا أستطيع تحديد فلسفتي، بشكل واضح، في هذه اللحظة”.

تأثير (مالكوم) الأعمق على الوعي الأميركي، كان في تعاونه مع (أليكس هيلي). بالانضمام إلى (فريدريك دوجلاس)، و(بوكر تي واشنطون)، و(ريتشارد رايت) في سياق الشهادات الأدبية، أصبح (مالكوم) واحداً من أهم المؤثرين في الأدب الإفرو-أميركي. بكل توصيفه للعنصرية، والمعاناة، وبحثه عن المعنى، والهوية، والمجتمع، وحتى الاسم.

اتبعت السيرة الذاتية لـ(مالكوم إكس)، ما يسميه الناقد (روبرت بي) بـ”سرد الارتقاء”. كتب (دبليو إي بي دوبواه): “السير الذاتية دائماً ما تكون غير مكتملة، تمثّل رغبة مستمية في الكشف عن الحقيقة من وجهة نظر صاحبها، هناك صعوبات تكتنف هذا، أهمها خيانة الذاكرة، خصوصاً في التفاصيل الدقيقة. وبهذا تكون النتيجة أي شيء إلا نظريةً عن حياة كاتبها”.

لكن، ماذا يرى قرّاء (مالكوم) فيه؟ وصف (كورنيل ويست) (مالكوم) بأنه “الحقيقة المسكوت عنها في كل ما يتعلق بذاكرة أيام العنصرية، داخل كل مسئول أسود” وذلك في معرض الحديث عن أهم مسئول أسود البشرة في البلاد، رئيس الولايات المتحدة الأميركية. بعد تولّيه منصبه كرئيس، أعاد (أوباما) إلى الحكومة البريطانية تمثالا نصفياً لـ(وينستون تشرشل) كان معروضاً في المكتب البيضاوي، ووضع مكانه تمثالاً نصفياً لـ(مارتن لوثر كينج). يعتبر (كينج)، عن حق، البطل الأوحد لهذه الفترة التي امتدت من مقاطعة الحافلات العمومية في (مونتجمري)، في 1955، وحتى وفاته في عام 1968. كان (مالكوم)، على العكس، متحدثاً مفوّهاً عن الهوية السوداء، وتقدير الذات، ومعارضاً للشكل ذائع الصيت من حركة الحقوق المدنية، لكن تأثيره فيها بشكل عام، كان هامشياً.

بالرغم من هذا، لا يجب إغفال أن (أوباما)، في شبابه، وعندما كان يحاول الوصول إلى فهم أعمق لهويته، قرأ السيرة الذاتية (لمالكوم إكس)، وأثرت فيها بشكل أعمق مما فعلت أعمال (ريتشارد رايت)، و(جيمس بالدوين). عندما كان (أوباما) يقطن (هاواي)، وفي واحدة من أكثر مدارسها الخاصة أهمية، وجد شيئاً ما في سرد الرجل الذي كان يشبهه كثيراً، ينحدر من عرق مختلط، وفقد والده، واحتاج لبناء هوية له. سيكتب (أوباما) لاحقاً في كتابه (أحلام من أبي) عن (مالكوم إكس): “محاولاته المتعددة لبناء ذاته، أثرت فيّ، الشعر القاطع في كلماته، اصراره غير المزخرف على الإحترام، كان يطالب بحقوق لا يمكن التفاوض حولها، كان عسكرياً في نظامه، يصوغ كل شيء بإرادته الحرة”. بالرغم من هذا، كان (أوباما) -الذي أحب أمه وجدّيه من ناحيتها بشدة- مرتبكاً حول رغبة (مالكوم) في محو الجزء الأبيض من هويته. أُعجِب (أوباما) بوصف الكتاب لرحلة (مالكوم) نحو الخلاص، والسنة الأخيرة من حياته، التي اعتنق فيها فكراً عالمياً.

قال لي (أوباما) في العام الماضي: “لم أحب يوماً أفكاره النظرية، في اعتقادي، فإن ما فعله (مالكوم إكس)، كان في اقتحام مجتمعات الأميركيين من ذوي أصول إفريقية، والتأكيد على وجوب تقدير شجاعتهم، وقيمتهم.. هذا التأكيد على الرجولة، أنا رجل، لي قيمة، كان أمراً ضرورياً في رأيي، وأعتقد أن أحداً لم يلحظ هذا أكثر من (مالكوم إكس).”

تعامل (أوباما) مع القوميين السود في جنوب شيكاجو، كمنظم، وكسيناتور للولاية، مكتب (لويس فرخان) كان ضمن مقاطعته، وعندما زار شيكاجو لأول مرة، وسمع القوميين على الراديو، وقرأ إصدراهم الأهم (ذا فاينال كات)، لاحظ بنفسه، المعايير الثنائية لرسالتهم، المعيار الأول الذي يؤكد على الكرامة، والاعتماد على الذات، والثاني الذي يعتمد على الكراهية. نوع من التفكير السحري الذي يخدع أولئك الذين لا يستطيعون تحمّل نتائج هذا النوع من الأفكار. بالطبع تعقيد هذا العالم، قادم من تعقيد (مالكوم إكس) نفسه، تناقضاته، وآماله، وضغائنه.

السرد الذي قدمه (أليكس هيلي)، مريح بالطبع في كثير من جوانبه: إنه ببساطة يفرّق بين المعيارين المزدوجين بطريقة الـ”قبل / بعد”.

لكن مالكوم الحقيقي كان مختلفاً، كان شخصا قادرا على تبنّي الغضب المشروع للأشخاص المُهانين المقموعين، لكنه كذلك قادر على المشاركة تحت نفس المظلة الثقافية التي يلعنها- والتي قد يتحول فيها في النهاية، وقد حدث هذا بالفعل، إلى صورة على طابع بريد.

ربما لم ينجح (ماننج ماربيل) (10) في كتابة تاريخ حاسم، في بحثه المهم، لكن عمله يذكرنا بقصور أي قصة في رحلة التطوّر. لو كانت السيرة الذاتية قد بسّطت الواقع، فإنها بالرغم من ذلك، أبقت الأمل في طموح صاحبها. اختار (مالكوم) أن يعهد بقصته إلى (أليكس هيلي)، وضمن بهذا موقعاً خالداً في الثقافة الأميركية، كان هذا هو رهانه الأهم والأذكى.

هوامش المترجم:

1- ماركوس جارفي (1887-1940) : أحد أهم المؤمنين بالقومية السوداء خلال القرن العشرين، ولد في جامايكا، وأمضى حياته في الولايات المتحدة. دعا (ماركوس جارفي) إلى ما يُسمى برأس المال الأسود، وشجّع السود، الأميركيين منهم، والذين يعيشون في أي مكان في العالم، على الادخار، وبناء مؤسسات خاصة بهم، تجمع بين القوة والتأثير، وبين الثروة المادية.

2- منظمة أمة الإسلام: تأسست عام 1930 على يد (فارد محمد) في ولاية (ديترويت)، واكتسبت شهرتها وتأثيرها وسط السود من الأميركيين، خلال فترة سيطرة (إليجا محمد) على مقاليد الأمور فيها، وذلك عقب اختفاء (فارد) الغامض. روّجت المنظمة لنموذج ديني جديد يمزج بين الإسلام والوثنية، حيث اعتنقت الأسس العامة للتصوّر الإسلامي، بالإضافة إلى الإيمان بأن (فارد) هو تجسّد الإله شخصياً، وأن (إليجا محمد) هو رسوله. تبنّت المنظمة فكرة تفوّق العِرق الأسود، في رد فعل للاضطهاد العِرقي الذي ساد هذه الفترة من تاريخ أميركا.

3- الشبّاز: تبنّى (مالكوم إكس) هذا الإسم ليتحول إلى (الحاج مالك الشبّاز)، بعد عودته من الحج مباشرة، كلمة الشبّاز تحيل إلى أول قبيلة إفريقية في التاريخ، بحسب بعض تصورات مؤرخي أمة الإسلام، وربما تكون دلالة مجازية على الإنسان الإفريقي الأول. كان رمز الـX في إسم مالكوم دلالة على جهله بنسبه. حيث كل السود الذين يعيشون في أميركا، هم أسرى للإنسان الأبيض الذي اختطفهم من بلدانهم الإفريقية في بدايات تأسيس الولايات المتحدة.

4- بلاك ليجون: منظمة عنصرية تأسست عام 1920، بقيادة (وليام شيبرد) بعد انفصال مؤسسيها عن الـ(كو كلوس كلان)، مارست المنظمة عملياتها بالأساس في فترة الثلاثينيات، في منطقة الوسط الشرقي من الولايات المتحدة الأميركية.

5- فاكهة الإسلام: الجناح العسكري لمنظمة أمة الإسلام، أعضاؤها من الرجال فقط، نشأت على يد المؤسس (فارد)، وتتميّز بزيّ خاص، وغطاء رأس. تعبير الـ”فاكهة” المقصود به أن الرجال المنتمين لهذا الجناح، هم صفوة الأعضاء.

6- (تشارلي باركر) (1920- 1955): ملحن، وعازف ساكسفون شهير، يعتبر من الرموز الثقافية المهمة، خصوصاً عند حركة الـ”بيتس” الأدبية، ويتم التعامل معه كمؤثر رئيسي في تطورّ موسيقى الجاز، أكثر من كونه مجرد مؤدٍّ.

7- (لويس فرخان): الزعيم الحالي لمنظمة أمة الإسلام، ولد في بوسطن، واتجه في بداية شبابه إلى حياة الفن، سجّل عدة ألبومات موسيقية تحت اسم مستعار، حتى انضم إلى أمة الإسلام، كان من أكثر المعجبين بـ(مالكوم إكس)، ثم دبّت الخلافات بينهما، ووجه إليه الاتهام بالضلوع في مقتل (مالكوم)، إلا أن هذه التهمة لم تثبت بشكل رسمي.

8- (الكو كلوكس كلان): مجموعة منظمات عنصرية، ذات رداء أبيض مميّز، وغطاء رأس هرمي، تنادي بالتفوق الأبيض، وتعادي الأقليات في المجتمع، مثل السود والمهاجرين، وكذلك المثليين واليهود، ارتكبت عددا من جرائم الكراهية منذ تأسيسها الأول عام 1866 على يد مجموعة من الجنود السابقين في الجيش الكونفيدرالي الذي حارب حصول السود على حقوقهم. تم دحر هذه الجماعة في عام 1870، لكنها عادت ثانية إلى الظهور بشكل أقوى في عام 1920، مع التأسيس الثاني لها، وبلغ عدد أعضائها 15% من التعداد الرسمي للولايات المتحدة، لكن شعبيتها انخفضت بشدة تزامناً مع الحرب العالمية الثانية، وتأييدهم العلني للنازيين.

9- في نفس كتابه عن (مالكوم)، يطرح ماننج فرضية مغايرة بخصوص هذه الإشاعات عن (مالكوم إكس)، تنفي بعض النظريات على الناحية الأخرى، إمكانية أن يكون (مالكوم) قد أرسل هذه الرسائل إلى (إليجا محمد)، وأن مؤيدي (إليجا)، وبعض أعضاء المنظمة الذين شعروا بالغيرة من تنامي شعبية (مالكوم) قد زوّروا عدداً من الخطابات للنيل من (مالكوم)، يدحض فرضية أن تكون الرسائل حقيقية أمران: أولاً أن تاريخها يعود إلى بدايات توتّر العلاقة بين (مالكوم) و (إليجا)، في ذلك الوقت، بما لا يسمح بمشاركة هذه النوع الأمور بينهما، لم يعد (مالكوم) يرى في (إليجا)، المرشد القديم الذي كانه، وثانياً بسبب طبيعة (مالكوم) الشخصية شديدة التحفّظ في الحديث عن حياته الخاصة، ورفضه حتى وقت متأخر، الإجابة حتى عن أسئلة المراسلين الصحفيين حين سؤاله عن طريقة تعرّفه على (بيتي الشبّاز)، أو الطريقة التي تسير بها الأمور بينهما. لا ينفي هذا أن العلاقة بين (مالكوم) و(بيتي) اتسمت بالتوتر في بدايتها، بسبب طريقة (مالكوم) الجافة في التعامل، ونظرته للمرأة بشكل عام، إلا أن (بيتي) استطاعت أن تقوم بتغيير هذا بشكل كبير، أورد (مالكوم) في عدد من رسائله إلى بعض أعضاء أسرته، أن (بيتي) كانت قادرة على اقناعه بأمور لم يكن يتخيّل التفكير فيها أصلاً.

***

10- في أحد الحوارات الصحفية مع (إلياسا شباز) ابنه (مالكوم) الثالثة، اعترضت على كثير مما ورد في كتاب (د.ماننج)، مؤكدة على كونه استقى المعلومات في كثير من الأحيان من مصادر غير موثوق فيها، ولم يقم بإجراء أي مقابلة أثناء تحضير الكتاب -الذي استغرق 20 عاما- مع أي من أفراد الأسرة. (إلياسا) كاتبة وناشطة في مجال حقوق الأقليات، نشرت رواية عن حياة والدها، وكتاباً للأطفال يحكي قصة والدها.

11- حظي كتاب (ماننج) باهتمام نقدي كبير وقت صدوره، خصوصاً في ما يتعلّق بهدفه المعلن الأساسي، وهو الاشتباك مع كتاب السيرة الذاتية لـ(مالكوم إكس)، الذي يعتبر المرجع الأهم عند الحديث عن شخص وحياة (مالكوم). كان من المفيد قراءته. وإن كانت الانتقادات الموجهّة له على قدر كبير من الحدة، فقد كان بعضها غضبا من نوعية الاتهامات نفسها، وبعضها تعليقا على الجانب التوثيقي الذي تجاهل كثيراً من الشواهد لحساب أخرى أكثر “إثارة للجدل”، وهو نفس ما كان (ماننج) يعيبه باستمرار على كتاب (أليكس هيلي). يظل هذا النوع من الكتب ذا أهمية شديدة، في نزع هالة القداسة إياها حول شخصيات ذات بعد بطولي مثل (مالكوم إكس)، والتي لا يمكن التعامل معها، وفهمها بشكل صحيح، إلا بإثارة النقد، وتجديد الأفكار، حول الدوافع والأسس التي انطلقت منها، والمآلات التي وصلت إليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى