ما الفارق بين المخبر الصحفي ومخبر البوليس؟
قد يتنكر الشرطي في هيئة صحفي فهل يجوز العكس؟
قصتان غريبتان من “صحافة التخفّي”اختفى فيهما الفارق بين المخبر الصحفي ومخبر البوليس
ترجمة – محمود مصطفى
الصحافة قد تكون مهنة مراوغة، فمن أجل الحصول على قصتهم قد يلجأ الصحفيون إلى استخدام تقنيات التخفي، عندما تفشل كل الطرق الأخرى، وقد يضطرون حتى إلى خرق القانون.
في هذا الأسبوع، في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، توضح قصتان عن الاستخدام المثير للجدل للخداع، القضايا الشائكة التي تضع الصحفيين على المحك الأخلاقي.
في الولايات المتحدة، وجهت وكالة أنباء أسوشيتد برس انتقادات لاذعة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” ، عندما ذكرت تقارير مؤخراً أن ضابطاً بمكتب التحقيقات تخفىّ بهوية صحفي في أسوشيتد برس عام 2007 ، بهدف الإيقاع بمشتبه هدد بالقيام بتفجيرات.
الهدف كان أن يضغط المشتبه به على رابط أخبار مزيف ليتمكن الـ”إف بي آي” من تحميل برنامج على حاسوب المشتبه به، ومن خلال هذا الطريقة تمكن الـ”إف بي آي” من تعقب موقع المشتبه به الحدث وإلقاء القبض عليه.
غضبت أسوشيتد برس لأسباب مفهومة، “بانتحال هويتنا، يلطخ ال”إ فب بي آي” سمعة أسوشيتد برس وينتقص من قيمة الحق في صحافة حرة، وهو حق منصوص عليه في دستورنا، ويعرّض صحفيين أسوشيتد برس وجامعي الأخبار الآخرين حول العالم للخطر” يقول رئيس أسوشيتد برس ومديرها التنفيذي جاري برويت في خطاب مفتوح “هذا الخداع يفسد العقيدة الأهم للصحافة الحرة، استقلالنا عن سيطرة الحكومة ومسئوليتنا البديهية عن محاسبة الحكومة.”
هو بالطبع محق لكن جيمس كوملي، مدير الـ”إف بي آي”، أيضاً محق،ودافع كوملي عن أسلوب التحري الذي تم استخدامه “هذه التقنية كانت مناسبة وسليمة وفق إرشادات وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي وقتها، والآن فإن استخدام مثل هذه التنقيات غير المعتادة قد يتطلب موافقات على مستوى أعلى مما كان عليه الأمر في 2007 لكن سيظل الأمر قانونياً، وفي أحوال نادرة ملائماً أيضاً.”
يتجادل كلا الطرفين بشغف للدفاع عن الصالح العام. في بعض الأحيان سواء كان لمكافحة الجريمة أو لفضح الفساد، وعندما تفشل كل سبل التقصي الأخرى قد يكون من الضروري استخدام الحيلة، لكن الحالات التي كان مبرراً فيها استخدام الحيلة بحق .. هي حالات نادرة.
على الناحية الأخرى، هناك حالة “الشيخ الزائف” في لندن والتي تسلط الضوء على مخاطر استخدام الحيلة بدون قاعدة أخلاقية تبرر ذلك. كان الصحفي مظهر محمود يتخفى بهوية أحد أفراد أسرة مالكة عربية بغرض جعل أشخاص يرتكبون أفعال إجرامية، ثم يكتب عن ذلك لصحيفة “نيوز أوف ذا وورلد”. رأى الكثيرون أن تشجيع صحفي لشخص ما على خرق القانون من أجل الحصول على قصة صحفية هو ببساطة اختلاق لقضية.
في إحدى المرات ، عرض على العارضة إما مورجان عقد عمل لتصوير لقطات بالبيكيني لاستخدامها في تقويمات تباع في الشرق الأوسط لكن في الحقيقة كان هذا فخاً. أراد محمود أن يفضحها كتاجرة مخدرات واستأجر رجلاً ليضغط على مورجان لتمده بالكوكايين ووقعت ضحية لهذه العملية.
“كنت حمقاء، كنت ساذجة. الحماقة ليست جريمة ما فعله هو الجريمة” قالت مورجان “لم أحظ بالسجل المهني الذي كان يجب أن أحظى به ولا الحياة التي كان يجب أن أعيشها، إنه بشع .. رجل بشع.”
لطالما يتخفى الإعلام الترفيهي في شكل أخبار جادة، لكن عندما ينقص صحافة التخفي الأصالة في الاهتمام بالصالح العام، يمكنها أن تدمر حيوات الناس. غالباً ما يكون الهدف هو الإثارة لبيع نسخ أكثر من الصحيفة لكنه انتهاك معيب للصحافة ويلحق ضرراً بثقة الجمهور وينتقص من قدر الصحفيين الأخلاقيين الذين يعملون بجد لكسب قوتهم بشرف.
استخدام الصحفيين للتحايل هو بوضوح أمر مثير للجدل، لكن في بعض الأحيان لا يمكن تجنبه. العمل في بلدان تخفي فيها الحكومات انتهاكات حقوق الإنسان أو تحارب عدواً خفياً قد يعني في بعض الأحيان أن على الصحفي التظاهر بأنه شخص آخر، عادة سائح، لتجنب حظر التأشيرات للإعلاميين.
وبصورة أكثر مباشرة، قد يتظاهر الصحفي بأنه أحد المسؤولين، لتجاوز تحكم الدولة في الوصول إلى المعلومات الرسمية أو لمناطق محجوبة عن الجمهور.
في جنوب أفريقيا، خلال سنوات الفصل العنصري، سجل صحفيون شجعان سراً وبشكل غير قانوني اجتماعات لضباط جيش من النظام الأبيض وتظاهروا بأنهم بيض عنصريون لحضور فعاليات سياسية خاصة للحصول على معلومات مهمة حول الحرب ضد حركة تحرير السود.
الصحفيون كذلك تعرضوا للخداع من قبل صحفيين آخرين، ففي ألمانيا قبل بضعة سنوات غضب صحفيو “بيلد” الألمانية عندما قام الصحفي الإستقصائي المتخصص في صحافة التخفي جانثر والراف بالتخفي والإنضمام لطاقم محرريهم فقط لفضح الأساليب المشكوك فيها للصحيفة.
في بعض الأحيان قد يكون من الملائم للصحفيين ولوسائل الإعلام التعاون في عمليات إنفاذ القانون، لكن قد يكون هذا ممكناً فقط إذا تم التشاور مع الصحفيين ووسائل الإعلام وطُلبت مساعدتهم قبل أن يستغل آخرون اسمهم وسمعهتم الطيبة.
هل كانت ستوافق أسوشيتد برس على السماح للـ”إف بي آي” بالتظاهر بأنهم ضمن صحفييهم في 2007؟ على الأرجح لا لكن كان من الواجب سؤالهم.
يواجه الصحفيون في حياتهم المهنية الكثير من المعضلات الأخلاقية المشابهة لكون صحافة التخفي يمكنها استخراج معلومات أكثر من المصدر. بعض الصحفيين يرثي صحافة التخفي باعتبارها قد “ولّى زمانها.”
كل وسائل الإعلام حسنة السمعة، ومنها أسوشيتد برس، تتفق على أن الصحفيين يجب أن يخبروا مصادرهم بهويتهم الحقيقية وأن يتجنبوا الخداع في عملهم. وينص الميثاق الأخلاقي لجمعية الصحفيين المحترفين على “تجنب التخفي أو أية طرق سرية أخرى لجمع المعلومات إلا إذا لم تجلب الطرق التقليدية والعلنية معلومات حيوية للجمهور.”
الصحافة مبنية على الثقة، وهي – الثقة- في المناخ الإعلامي الحالي نادرة وهشة ويجب الحفاظ عليها من أجل أن يزدهر مستقبل الصحافة. فشل “إف بي آي” في التشاور مع أسوئيتد برس غير مقبول فهو يظهر نقص احترام عميق للصحافة كما يكشف عن اختلال التوازن بين مؤسسات إنفاذ القانون والصحافة ، حيث أنه إذا انتحل صحفي صفة ضابط بالـ”إف بي آي” قد يتم محاكمته وسيواجه ثلاث سنوات في السجن.
عندما يتم استخدام التحايل فإن الصحفيين ووسائل الإعلام، مثلهم مثل مسئولي إنفاذ القانون، يتحملون مسئولية كشف كيف ولماذا استخدموا التحايل ؟ ومسئولية تبرير أفعالهم.
في النهاية الجمهور هو من يجب أن يقرر ما إذا كان الفعل ملائما، ولكن ليفعل ذلك يجب أن يتم إخباره بحقيقة ما حدث في المقام الأول.
.
هذه المقالة برعاية شبكة الصحافة الأخلاقية ، وهي منظمة إعلامية غير ربحية تدعو إلى الصحافة الأخلاقية والحكم الرشيد والتنظيم المستقل لوسائل الإعلام. تم إنشاؤها في عام 2011 في إطار حملة مهنية لتعزيز مهنة الصحافة. يمكن قراءة النسخة الأصلية لهذه المقال بالإنجليزية على هذا الرابط