واشنطن بوست: إسرائيل سلّمت أطفال “اليهود العرب” لضحايا الهولوكوست
واشنطن بوست: إسرائيل سلّمت أطفال “اليهود العرب” لضحايا الهولوكوست
ترجمة: محمد الصباغ
في عمر الرابعة والثمانين، “يونا يوسف” مليئة بالحياة. تلمع عيناها عند الحديث حول أطفالها التسعة وأحفادها الكثيرين. لكن عند سؤالها عما حدث منذ 67 عاما مضت، حينما وصلت وعائلتها إلى إسرائيل قادمة من اليمن، امتلأت عيناها الدموع.
تذكرت حين ذهبت مع شقيقتها ذات الأربع سنوات ونصف السنة لإجراء كشف دوري عادي، وقالت “كان عمري 15 عاما فقط. جاء أشخاص واصطحبوا سعدية إلى إحدى العيادات. في العيادة، أخبروني أن أعود إلى منزلي. كيف لي أن أعرف؟ كنت طفلة صغيرة.”
لم تر شقيقتها مرة أخرى.
مثل الكثير من المهاجرين في ذاك الوقت، عاشت يونا يوسف وعائلتها في مخيم انتقالي بعد وصولهم إلى إسرائيل عام 1949. تكونت الأسرة من زوجة والدها الثانية وطفلين اثنين، بينهما سعدية.
عبر الـ70 عاما الماضية، اشتهرت بين الإسرائيليين روايات عن المهاجرين اليهود من الأراضي العربية الذي قالوا إن أطفالهم اختفوا، وربما اختطفوا، في نهاية الأربعينيات وفي الخمسينيات، على الفور بعد وصولهم إلى إسرائيل. في بعض الحالات، انتهى الامر بالأطفال في مكان بعيد، ولم يرهم أهلهم مرة أخرى. وفي حالات أخرى، أُخبر الآباء أن أطفالهم ماتوا بشكل مفاجئ.
وفقا لبعض النظريات، تم تسليم الأطفال للأزواج بلا أبناء من ضحايا الهولوكوست. ويعتقد آخرون بأن الأطفال ربما تم إرسالهم إلى العائلات اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية.
من تعمقوا في دراسة القضية الغامضة أشاروا إلى أن عملية بناء الدولة تمت بعدائية وهي الطريقة التي تبنتها النخبة الحاكمة في تلك الفترة اليهود الأشكيناز ذوو البشرة البيضاء.
ويشير البعض إلى أن الكثير من موظفي الدولة من أطباء ومسؤولين حكوميين، قد تورطوا في الأمر بشكل ما. لكن الإجابة عن سؤال ما إذا كانت الأوامر جاءت من مستويات عليا بالدولة أم لا، غير معروفة.
حققت لجان حكومية في نهاية التسعينيات في الأمر، لكنهم انتهوا إلى أن أغلب الأطفال قد ماتوا بسبب المرض، وتم تبني عدد قليل منهم. ورفضت عائلات كثيرة تقبل تلك النتائج.
أثيرت القضية مرة أخرى في إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة. حيث كلف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في يونيو الوزير تزاتشي هانجبي بإعادة فتح الملف والوصول إلى الحقائق. وقال “هانجبي” لمحطات إخبارية بعدما بحث في الدعاوى والملفات الحكومية، إن مئات الأطفال اليمنيين قد أُبعِدوا عن والديهم، ولكنه لم يستطع القول لماذا وإلى أين ذهبوا.
وقال آفي يوسف، نجل يونا “نعتقد أن الدولة تريد إعطاءنا إجابات. نعلم أن الأطفال اختفوا. لقد أُخذت سعدية من بين يدي والدتي.”
تربى المحامي، آفي، وهو يسمع عن سعدية وطفلين آخرين هم أبناء خالته، الذين اختفوا من المخيمات التي أقاموا فيها عند قدومهم إلى إسرائيل.
يقول يائيل تزادوك، الصحفي السابق الذي عمل على القضية لأكثر من 30 عاما حينما بدأ في عقد لقاءات مع الأمهات اليمنيات عبر برنامجه الإذاعي “من الواضح أن جريمة بشعة وقعت هنا على نطاق غير مسبوق ولا تريد الدولة الكشف عن ذلك.”
وتابع “كان من الصعب الاستماع إلى قصصهم. لم أستطع النوم تلك الليلة. كان واضحا بالنسبة لي أنهم يتحدثون عن أمر حقيقي. هناك العديد من شهود العيان الذين أكدوا اختفاء الأطفال.”
ومن الجدير بالذكر أن أغلب الأطفال حاليا سيكونون في الستينيات أو السبعينيات من العمر.
زفي أميري، هو أحد هؤلاء الأطفال. عندما كان في الثلاثينيات من العمر، اكتشف أنه ابن بالتبني وبدأ رحلة البحث عن أبويه الحقيقيين.
وقال أميري، 64 عاما “كان لدي شعور دائم بأن هناك شيئا خاطئا. ظل والداي ينتقلون من مكان إلى آخر، تردد على مسامعي طوال الوقت أنني ابن بالتبني، لكن لم أبدأ بالبحث إلا حينما اعترف والدي بذلك.”
بمساعدة أحد المحامين توصل “أميري” إلى ملف التبني الخاص به، ووجد أنه ولد لمهاجرين من تونس. وجد والدته الحقيقية، لكنها كانت تتردد على مصحة نفسية. ربما مأساة فقدان طفل كانت كبيرة عليها، وفقا لحديثه. وفي ملف التبني وجد إعلان من والدته الأصلية بأنه معروض للتبني، لكن دون أي توقيع، فقط بصمة إصبع، وأقنعه ذلك أن هناك محاولة للتغطية على شيء ما.
قال “لو لم تكن تعرف كيفية كتابة اسمها، فكيف ستعرف ما توقع عليه”. القليل من هؤلاء الأطفال عرفوا بعد ذلك حقيقة والديهم الأصليين.
وفي منظمة “أمرام” غير الحكومية التي تعمل على هذه القضية، تم حصر قوائم بمئات العائلات على موقعها الإلكتروني. هناك قوائم بمواليد اصطحبوا إلى أماكن خاصة قبل أن يتم إخبار أمهاتهم بأنهم قد ماتوا، وقصص لعشرات العائلات طلب منهم أن يستغنوا عن أبنائهم ليتبناهم آخرون، وعندما رفضوا أخبروهم أن أطفالهم قد ماتوا.
قال نوريت كورين، عضو الكنيست الذي يرأس مجموعة الضغط البرلمانية العاملة لصالح أسر الأطفال المسروقة، إن هناك أكثر من ألف قضية وملف توضح كيفية اختفاء الأطفال، ومعلومات من مئات العائلات بشأن تلك المزاعم منذ عقود.
ويعمل كورين على إعداد قائمة بيانات بتحليل الحمض النووي، قد تساعد الأطفال على التوصل إلى عائلاتهم -لكن فقط عندما يطلبون ذلك.
وقال “لا نعلم ما حدث بالفعل، لكن كلما توصلنا إلى الكثير من المعلومات، توصلنا إلى حقائق أكثر حول هؤلاء الأشخاص. المهم هو أنه لو حدث ذلك، ونعتقد أنه حدث بطريقة منظمة، فيجب على الدولة أن تدرك أخيرا ذلك وتتحمل مسؤولياتها.”