لا أحد آمن في العريش.. نُزُوح جماعي لأقباط شمال سيناء
لا أحد آمن في العريش.. نُزُوح جماعي لأقباط شمال سيناء
زحمة
فاطمة لطفي- أحمد سمير
يعيش مسيحيو محافظة شمال سيناء في رعب في ظل تزايد عمليات القتل الوحشية التي ينفذها تنظيم داعش في مدينة العريش. وازدادت الأوضاع سوءًا يوم الخميس عندما قتل مسلحون قبطيًا داخل منزله، وقالت مصادر أمنية وطبية أن المسلحين أطلقوا النار على الرجل أمام أسرته التي فرت، ثم أحرقوا المنزل واختفوا.
دفع الشعور بالخوف وانعدام الأمان المسيحيين الفزعين إلى الفرار ومغادرة محافظتهم وبيوتهم، مصطحبين أطفالهم وذويهم وحاملين معهم القليل من الملابس إلى محافظة الإسماعيلية. نقلت صحيفة نيويورك تايمز، قول مينا ثابت، يعمل في المفوضية المصرية للحقوق والحريات، ويساعد الأسر النازحة في الإسماعيلية الآن: “يريدون بعث رسالة مفادها أن لا أحد آمن”.
لطالما كان المسيحيون المصريون، الذين يمثلون نحو 10% من تعداد سكان مصر، عُرضة للاضطهاد وهدفًا لأعمال العنف الطائفية، وتصاعدت وتيرة هذا العنف مع استهداف تنظيم الدولة الإسلامية لهم في حملة وصفها التنظيم بـ”محاربة الصليبين”. سبق الواقعة الأخيرة مقتل سبعة أقباط في مدينة العريش على يد مسلحين مجهولين في حوادث متفرقة على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، حيث قُتل خلال الشهر الجاري تاجر مسيحي في متجره، وطبيب أثناء سيره بسيارته في طريق رئيسي، ورجل مسيحي بطلق ناري في الرأس في منطقة سوق الخميس، كما داهم مسلحون منزل رجل مسيحي وقتلوه ونجله وأحرقوا جثة الابن.
نزوح لعدم الشعور بالأمان
تشير تقديرات الكنيسة الأرثوذكسية، إلى أن ما يقرب من 400 أسرة قبطية تقطن محافظة شمال سيناء، فر منهم نحو 40 أسرة إلى مدينة الإسماعيلية، وقالت مصادر كنسية لبي بي سي أن الأسر وصلت إلى الكنيسة الإنجيلية بالمدينة على مدار اليومين الماضيين “خوفًا على حياتهم بعد استهداف أقباط داخل بيوتهم”.
وقال الأب غبريال إبرهيم لأصوات مصرية، إن 90 أسرة قبطية نزحت إلى الإسماعيلية ومحافظات أخرى واصفًا ما يحدث للأقباط بأنه ليس تهجيرًا لكن “نزوح لعدم الأمان”.
وقال أحد الأقباط لبي بي سي أنهم يتلقون تهديدات مباشرة باستهدافهم وأسرهم في حال بقاءهم في المدينة، كما يجد البعض منهم كلمات مثل “ارحل” مكتوبة على منازلهم.
ونشرت عزة جرجس، صحفية بوكالة الأنباء الأسبانية، صورة لإحدى السيدات المسيحييات بالعريش على صفحتها الشخصية على موقع فيسبوك وكتبت:” دي إيد طنط نبيلة عندها 65 سنة، اتنين جهاديين دخلوا من كام يوم بيتها وقتلوا جوزها سعد حكيم قدام عينيها ولما صرخت طردوها برة وقتلوا بعدها ابنها مدحت بعد كدا خرجولها وسألوها معاكي دهب قالتلهم “لأ الدبلة بس” فخدوها من إيديها وبعدين ولعوا في البيت! هي دلوقت موجودة في الإسماعيلية بأمان مع بنتها اللي لسه بتتعالج من الصدمة”.
محاربة الصليبين
ركز تنظيم ولاية سيناء “أنصار بيت المقدس سابقًا” في عملياته على استهداف جنود وضباط الجيش وأفراد الشرطة، ولاحقًا من يتعاون معهم. لكن في يونيو العام الماضي اغتال مسلحو التنظيم القس روفائيل كاهن كنيسة مار جرجس بالعريش أمام منزله. وأصدر التنظيم بيانًا أعلن فيه مسئوليته عن العملية ووصف فيه القس بإنه “محارب للمسلمين”.
بعدها أبرزت صحيفة النبأ التابعة للتنظيم هذه العملية في صدر تقريرها عن عمليات ولاية سيناء خلال أسبوع، وعنونت التقرير “في تطور جديد لعمليات المجاهدين في سيناء.. اغتيال كاهن نصراني في مدينة العريش”. ودعى التنظيم الأسبوع الماضي عناصره إلى قتل ما أسماهم بـ “الصليبين في مصر”.
وفي السياق نفسه، نشر التنظيم مقطع فيديو، في التاسع عشر من الشهر الجاري، عرض فيه ما وصفه بأنه الرسالة الأخيرة لـ “أبو عبدالله المصري” الذي أعلن التنظيم أنه منفذ التفجير الانتحاري في الكنيسة البطرسية يوم 11 ديسمبر 2016 والذي أسفر عن مقتل 30 مصليًا وأكثر من 50 جريحًا.
وجاء الإصدار على شكل فيديو مدته نحو 20 دقيقة تحت عنوان “قاتلوا المشركين كافة”.
وحمل مقطع الفيديو رسالة مضمونها أن عمليات أخرى ستستهدف الأقباط، وتأكيدًا على أن الأقباط هم هدف التنظيم ” الأول والمفضل”.
جبهات أخرى
يقول زاك جولد باحث زميل في المؤسسة البحثية للشئون الدولية، المجلس الأطلسي، حسب صحيفة نيويورك تايمز ” مع تزايد الضغوط على التنظيم في العراق وسوريا، يسعى التنظيم لإبراز الحركة في جبهات أخرى. إحدى هذه الجبهات هو إثبات أن التنظيم لايزال يخوض حرب طائفية”.
وقال حسام رفاعي، نائب من محافظة شمال سيناء، أن نحو 90 أسرة مسيحية وصلت إلى الإسماعيلية. وبعد تلقيهم المساعدة في الكنيسة، استقر البعض في منازل الإسكان الحكومي، بينما وجد آخرون أماكن خاصة. ووصف الرافعي ناخبيه بأنهم كانوا في “حالة حرب”.
وقال أحد الأقباط بالعريش لصحيفة نيويورك تايمز خلال مكالمة هاتفية، طالبًا عدم الكشف عن هويته خوفًا على حياته: ” لم تكن الأمور أبدًا بهذا السوء، قتلوا اثنين من قادة الكنيسة في الماضي. لكن عمليات القتل كانت متباعدة. بينما يقال لنا الآن أنهم وضعوا قوائم لجميع الأقباط هناك”.
وحسب نيويورك تايمز أيضًا، يقدّر عمال الإغاثة في الإسماعيلية أن 250 شخصًا على الأقل يحتمون في كنائس المدينة وغيرها من المساحات الآمنة.
الكنيسة والأزهر
أدانت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في بيان لها يوم الجمعه ما وصفته “بالأحداث الإرهابية الممتالية في شمال سيناء والتي تستهدف المسيحيين المصريين”. ومن جانبه أدان مرصد الفتاوي التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء، استهداف مسيحي شمال سيناء مؤكدًا أن هذه “العمليات الإرهابية الخسيسة لن تزيد المصريين إلا إصرارًا على مواصلة التصدي للإرهاب حتى القضاء عليه”. كما أدان الأزهر أيضًا في وقت سابق أحداث العنف والقتل لأقباط العريش.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد طالب أجهزة الأمن أول أمس، بـ”ضرورة القضاء على الإرهاب والتصدي لمحاولات استهداف المدنييين” وذلك في إشارة إلى سلسلة الاعتداءات الأخيرة التي يتعرض لها الأقباط.