إعلامسياسة

لماذا يحتاج الصحفيون إلى إخفاء مشاعرهم؟

كيف يمكن أن يصف الصحفي بحياد مشهد أب يجمع بقايا ابنه في حقيبة؟

d64c373-9e16466-b

ستيفاني تشيرنو – شبكة الصحافة الأخلاقية

ترجمة – محمود مصطفى

بقدر ما قد يحاول الصحفيون أن يكونوا موضوعيين بشكل كامل، فالواقع هو أن من وراء الحبر على الورق هم صحفيون لهم خبراتهم وآراؤهم الخاصة في العالم.

ولا يظهر هذا بوضوح أكثر مما يظهر في تغطية الحرب الأخيرة في غزة حيث الأشخاص الأقسى قلوباً فقط هم من لن يتأثروا بالخسائر الدموية خاصة صور الأطفال الذين يقدمون قرابين للحرب.

في هذه الظروف تكون المشاعر فياضة، لكن هل يمكن للصحفيين أن يبقوا محايدين أم هل يجب أن يكون الجمهور عارفاً بانفعالات الصحفي العاطفية، وكذا بالتغطية الصحفية المبنية على الحقائق؟

جانب الاستجابة العاطفية يطرحه رجل الدين التقدمي ومحلل الشئون الدينية جايلز فريزر الذي أقر على صفحات الجارديان  بأن الوضع المتدهور في غزة أثر فيه بشكل شخصي “أن تكون عقلانياً هادئاً فيما يخص الأطفال الموتى هو ضرب من الجنون.”

وكتب فريزر “أيا ما تكونه الموضوعية الصحفية فهي بالتأكيد لا يمكن أن تكون تنحية المشاعر البشرية. إذا لم ندرك ذلك فنحن إذاً لا نصف الصورة كاملة.”

إلا أن المشكلة في دعوة فريزر للكتابة من منطلق عاطفي هي أنها قد تقوض مهنية الصحافة عندما يصبح ناقل القصة هو القصة نفسها.

في رد على فكرة التخلي عن الموضوعية لصالح إدماج شعوري أكبر، يحذر ديفيد لوين من بي بي سي “المشاعر هي حشوة البروباجندا، والخبر هو ضد البروباجندا. التغطية الصحفية يجب أن تمنح امتيازا للاستجابات الشعورية للجمهور لا أن تشبع رغبات الصحفيين.”

يشير لوين إلى حالة فيديو مراسل القناة الرابعة جون سنو حول تجربته في غزة ويرى لوين أن الصحافة الموضوعية لا زال لها موضع حتى في أحلك اللحظات “في استغاثته، قال سنو إن العالم أظهر أنه غير مهتم بموت الأطفال في غزة. حوالي ثلاثة أرباع مليون مشاهدة للفيديو أظهرت أن الكثيرين كانوا مهتمين، لكن كيف عرفوا ما يكفي لأن يهتموا؟”

يقول لوين، هم يهتمون ليس بسبب الصحفيين الذين استعرضوا مشاعرهم لكن بسبب “أهوال غزة التي حكاها بشجاعة مراسلون مجهزون تماماً بالشفقة والتعاطف ولكن لا ينغمسون في مشاعرهم الخاصة.”

المسألة الصعبة التي يحاول أن يوضحها لوين هي أن قصة غزة في الأصل تنتمي لشعب فلسطين وأطفال فلسطين وليس للمراسلين والإعلاميين الذين يغطون هذه القصة الدرامية.

إعطاء وجه وإسم للضحايا وجعل القصة حية له قيمة إخبارية أكبر بكثير من أن يجعل الصحفيون القصة عن أنفسهم وهو ما يقوّض في نهاية المطاف ما هو ذا قيمة خبرية لصالح الدفع بآراء شخصية بعينها.

يشرح لوين باستخدام مثال مراسل الجارديان في القدس “وصف بيتر بومونت لأب يجمع بقايا طفله في حقيبة ليس تغطية صحفية عاطفية، لكن الكتابة شعرية في كثافتها الموجزة.” يقول الأب “هذا ابني” ولا يزيد وتنهمر الدموع على وجهه.

“الصاروخ الذي دخل المنزل صنع حفرة بحجم محمصة كهربائية. تأخذنا التفاصيل الدقيقة إلى هناك وعندما نصل نجد بومونت، أحد أفضل مراسلي عصره، ليكون مرشداً لنا وليس عقبة وهو لا يحاول بأي طريقة أن يقول لنا كيف يشعر.”

يستلزم الامر تغطية صحفية على أعلى مستوى، لكن أن يكون للقصة أثر أم لا فهذ لا يحتاج إلى أن تذاع من أجله مشاعر الصحفيين مثلما يحتاج الجانب الإنساني فينا إلى كشف الفظاعات بحزم.

على الصحفيين مسئولية مهنية لأن يتركوا الجمهور يصل إلى استنتاجاته الخاصة عبر التغطية الصحفية البسيطة والحريصة للحقائق والأحداث بإنسانية وبأفكار ، بدلاً من الدفع باستجابات عاطفية شخصية إلى المجال العام.

http://ethicaljournalismnetwork.org/

 هذه المقالة برعاية  شبكة الصحافة الأخلاقية   ، وهي منظمة إعلامية  غير ربحية تدعو إلى الصحافة الأخلاقية والحكم الرشيد والتنظيم المستقل لوسائل الإعلام. تم إنشاؤها في عام 2011 في إطار حملة مهنية  لتعزيز مهنة الصحافة. يمكن قراءة النسخة الأصلية لهذه المقال بالإنجليزية  على هذا الرابط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى