القدس مدينة تجمع أناس يحملون خلفيات وجنسيات متنوعة.. إلا أنها طائفية لأقصى الحدود
زحمة- ترجمة ندى الخولي وشيماء الخولي
لماذا يضر قرار ترامب بإعلان “القدس عاصمة إسرائيل” كلًا من اليهود والفلسطينيين على حد سواء؟ سؤال طرحه موقع “كوارتز” الأمريكي، وأجاب عليه بمقولة “القدس هي المدينة الأكثر عالمية، والأقل تآلفًا في الوقت نفسه في العالم”، التي نقلها الفيلسوف الإسرائيلي “أفيشاي مارجريت” الذي عاش في القدس منذ زمن، عن صديقه “سيدني مورجنبيسر”.
وفسر مارغاليت، “على الرغم من أن أناسا يحملون خلفيات وجنسيات متنوعة يعيشون في القدس، إلا أنها طائفية لأقصى الحدود. فالطوائف تعيش جنبًا إلى جنب لكنها ليست معًا. كل منها تصمت داخل ساحاتها وميادينها، بل أحيانًا خلف جدرانها وبواباتها المغلقة”.
“في القدس؛ التنوع ليس مبدأً ولا مثاليةً. بل حقيقة يتعامل معها الجميع. إنها مدينة الرؤى والرموز ذات الخصوصية المشتركة المشوشة، التي بالكاد تتجانس فيما بينها داخل مزيج مُستدام بصعوبة بالغة”، على حد قوله.
“ولا بد من وضع تلك الحقيقة في عين الاعتبار إذا ما أردنا فهم دلالات قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بأن “القدس عاصمة إسرائيل” ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.
بدايةً؛ قد لا تبدو تلك التحركات ملحوظة. فالقدس تخضع لسيطرة إسرائيل الكاملة لأكثر من خمسين عامًا مضت؛ وتعتبر عاصمة إسرائيل لدى الغالبة العظمى من الإسرائيليين. وهي مقر الكنيست “البرلمان الإسرائيلي” وكذلك الحكومة الإسرائيلية، والمحكمة العليا أيضًا.
وغير أن القدس مدينة متنازع عليها، فالجانب الشرقي منها احتله إسرائيل من الأردن عام 1967، وتم ضم المناطق المحيطة بالقدس إليها في السنوات اللاحقة لاحتلال الجانب الشرقي من المدينة. وفي عام 2015 أصبح أكثر من ثلث سكان القدس فلسطينيين.
وتجدر الإشارة إلى أن 75.4% من فلسطينيي القدس يعيشون تحت خط الفقر، ليسوا كله على الأغلب يحملون جنسية إسرائيلية لكنهم يحملون إقامات دائمة. وفي الواقع منذ عام 1967 وحتى 2015، ألغت إسرائيل إقامات 14 ألف و416 مواطنًا فلسطينيًا يعيشون في القدس.
وفيما يتطلع الفلسطينيون لأن تكون القدس الشرقية عاصمة مستقبلية لهم، تروج إسرائيل صراحة لما تراه مصالح اليهود بالقدس.
وحقيقة أن بقاء القدس متنازعا عليها بتلك الطرق يفسر لماذا توجد السفارات الدولية والقنصليات في تل أبيب. وقد بذل المجتمع الدولي مجهودًا لتجنب البيانات الرمزية والواضحة بشأن وضع القدس، وهو على الأقل ما قد أتاح واجهة للحياد، إذا لم يكن هناك شيء آخر أعرب عن قدر من الاحترام تجاه تطلعات والتزامات جانبي الصراع.
إن التسليم بأن القدس عاصمة لإسرائيل يضع حدًا لهذا اللبس، فبموجب هذا الاعتراف أعلنت الولايات المتحدة أن هذا القرار اتخذ بحيادية وأنها لم تعد تعترف بالطموحات الوطنية الفلسطينية.
الولايات المتحدة لا تزال تقصف صواريخها تجاه القدس -وكالعادة- المدينة تغرق في النيران.
إن البعض رحبوا بهذه المناسبة، فكان عنوان افتتاحية صحيفة نيويورك تايمز “بالطبع القدس عاصمة إسرائيل”، وقارن فيها كاتب المقال “شمؤيل وزنر”، بين إجراءات ترامب ودعم الرئيس الأمريكي الأسبق “هاري ترومان” خطة الأمم المتحدة بشأن التقسيم لعام 1947، وهي الخطة التي اعتمدها المجمتع الدولي رسميا من أجل إقامة دولة إسرائيلية جنبا إلى جنب مع دولة عربية.
وبينما كانت تسوية الأمم المتحدة سببًا في احتفال الحركة الصهيونية، فإن “روزنر” رأي “أنها لم تكن عاملًا حاسمًا في نشأة إسرائيل.. بل كان تواجدها الحقيقي على الأرض هو الأمر الحاسم”.
فبمجرد صدور قرار الأمم المتحدة، كانت الطائفية اليهودية المحلية منظمة وكبيرة بما فيه الكفاية للاعتماد على نفسها بحسب “روزنر”، لذلك عندما رحب “شموئيل” بقرار نقل السفارة الأمريكية للقدس كنوع من المساندة، فهو ببساطة يعترف بالأمر الواقع، عاملا بالمقولة القديمة، “لا أحد يرد إذا فهي لي”.
إن دعم ترومان لقرار الأمم المتحدة لعام 1947، يتشابه مع خطوة ترامب الحالية، ففي كلتا الحالتين تم اتخاذ القرارات على الرغم من أعمال العنف التي ستنعكس عليها. وحاول “روزنر” في ختام افتتاحيته تبرير أعمال العنف تلك بملحوظة متشائمة، جاء فيها، “لو أن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل سيسبب العنف، فإننا سنندم جميعا، ولكن من الجدير بالذكر أنه على الرغم من أعمال العنف التي صاحبت اعتراف ترومان بدولة إسرائيل، فلا يزال يعتد به كخطوة أمريكية عظيمة”. ويعتقد “شمؤيل” أن إعلان ترامب يستحق عناء “أعمال العنف”.
ولكن، هل سيحدث هذا؟ وما الذي سيجنيه الجميع من اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل؟ وبالنظر للقدس كعاصمة لإسرائيل من جميع الزوايا، كيف ستسعى بادرة ترامب فعلا بتبرير أعمال العنف التي ستنال من الأمن والاستقرار الفعليين لليهود في إسرائيل؟
في عام 1947 عندما كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، كان هناك العديد من اليهود الذين لم يكن لهم جنسية أو وطن، ما يعني أن قرار الأمم المتحدة كان بمثابة اعتبار المجتمع الدولي رسميا بأن الجالية اليهودية قد أصبح لها بلد ذي اسم، وأن الانتداب البريطاني لفلسطين على وشك أن ينتهي.
إن خطة التقسيم أتاحت تحقيق الحلم اليهودي بشأن الأمن والاستقلال، فلم يكن هناك وسيلة كافية تضمن تأسيس دولة إسرائيل، ولكن خطة التقسيم كانت مفيدة لتحقيق هذا الغرض. فالحرب التي اندلعت عقب قرار الأمم المتحدة كانت مبررة مقارنة بالطموحات المعلنة بإنشاء وطن قومي للشعب اليهودي.
وإن يكن من شيء، فإن الوضع اليوم بمثابة مرآة عاكسة لصورة الموقف في عام 1947. فإعلان القدس عاصمة لإسرائيل يحول عمليًا دون تحقيق آمال الفلسطينيين بالاستقلال السياسي.
وهذا ما يعد تكذيبًا للمبررات الضمنية بشأن أعمال العنف المؤسفة، وإنكار طموحات الفلسطينيين الوطنية.
إن هدف أمن واستقلال الشعب اليهودي تم تخفيضه، فالسيادة اليهودية على الأرض موجودة بالفعل. ويبدو أن موقف من يؤيدون هذا الإعلان على حساب أعمال العنف هو، “فليحترقوا، لأنها أرضنا.. أرضنا نحن فقط”.
هذه ليست الطريقة التي سيتحقق بها مبدأ العيش جنبًا إلى جنب بين الطوائف العديدة في القدس، بل، يبدو أن سكان القدس الحقيقيين يشتركون في سمة حبهم لهذه المدنية أكثر من رغبتهم من أن يشكلوها في ذاكرتهم.