سياسة

مصر وأمريكا: إلى أين تتجه العلاقة الاستراتيجية؟

هافينجتون بوست تحلل أبرز محاور العلاقات المصرية الأمريكية وفرص تطورها

هافينجتون بوست: جيرمياه بودين – زياد الكيلاني – ترجمة: محمد الصباغ

عقب ستة أعوام من الانتظار، استعادت الولايات المتحدة ومصر حوارهما الاستراتيجي الرسمي. لا تعتبر زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لمصر بأي حال الطريق الوحيد للتفاوض بين مصر والولايات المتحدة، حيث جرت خلال السنوات الماضية الكثير من النقاشات خلف الستار. لكن  تلك الزيارة تمثل عودة التقارب بين أمريكا وأحد اللاعبين الرئيسيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

دارت المحادثات بين جون كيري ونظيره المصري سامح شكري حول ثلاثة محاور رئيسية هي: الاهتمامات الأمنية المشتركة، والاتفاق النووي مع إيران، وأيضاً الإفراج عن المساعدات وكيفية ربط ذلك بوضع حقوق الإنسان في مصر. ونقدم تحليلاً للاهتمامات الرئيسية من منظور الدولتين.

الحوار الاستراتيجي: السياق وردود الأفعال

يعتبر الحوار الاستراتيجي آلية موحدة في الدبلوماسية الأمريكية. وتستخدم تلك الطريقة بناء على العلاقات الثنائية مع عدة  دول مثل الصين، والهند، وباكستان، وإسرائيل والمغرب. بينما لم تعد تلك الطريقة مستخدمة في العلاقات بين مصر وأمريكا منذ 2009. ونرى أن هذه الجولة من المحادثات تعد أحد التطورات البارزة في العلاقة الثنائية بين القاهرة وواشنطن منذ بدأ هنري كيسنجر مسار العلاقات الدبلوماسية عقب حرب 1973. وتنبع أهمية الحوار من التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط والرغبة الحالية من الإدارة الأمريكية بالتصديق على اتفاق (5+1) مع إيران في الكونجرس، وأيضاً بسبب نمط العلاقة الجديد الذي تستخدمه القيادة المصرية مع القوة العظمى في العالم.

بينما يختتم الرئيس أوباما فترته الرئاسية الثانية، لا يريد أن يستثمر في منطقة غير مجزية. كما تشهد السياسة الخارجية الأمريكية تحولاً كبيراً نحو التعامل بمبدأ الوكالة بدلاً من استراتيجيات التدخل المباشر السابقة. ومن الجانب الآخر، أظهرت القيادة المصرية استمراريتها في تخفيض الاعتماد على المساعدات الإنمائية الرسمية (ODA)، واقترن ذلك بتنويع مصادر السلاح. ومع ذلك ترى الدولتان أن العلاقة بينهما جزء لا يتجزأ من استقرار المنطقة، واستئناف مفاوضات عملية السلام ومواجهة تهديدات الإرهاب.

لم يتوقف التعاون الأمني والمخابراتي خلال العامين الماضيين، حتى بعد حجب الولايات المتحدة جزء من المساعدات الأجنبية العسكرية لمصر عقب الإطاحة بالرئيس السابق مرسي. كان الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، قد صرح في مناسبات عديدة عن دعمه لجهود القوات المسلحة المصرية في حربها ضد الإرهاب، وبالتالي لم يترك أمام صناع السياسات الأمريكية أي اختيار إلا تقديم الدعم.

كانت ردود الأفعال متباينة قبل بداية تلك المحادثات التاريخية. من الجانب المصري، مازال الإعلام المحلي يلعب دوراً كبيراً في ”تهييج“ المشاعر المعادية للولايات المتحدة والموجودة لدى نطاق واسع من الشعب. ونظرت دوائر السياسة الخارجية والأكاديميين، إلى المحادثات كفرصة لمصر من أجل تغيير طريقة العمل مع الولايات المتحدة. وطالب بعض المعلقين من الحكومة المصرية أن توسع من نطاق المحادثات لتشمل الأغلبية من الجمهوريين التي تتحكم في مجالس التشريع والمتنافسين المحتملين على مقعد الرئاسة الأمريكية في العام المقبل.

أما من الجانب الأمريكي، فمجموعات الأمن والمخابرات يظهرون الدعم للقيادة المصرية الحالية، وفي المقام الأول لدورها في مواجهة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء. بينما يطلب “فريدوم هاوس” و”هيومان رايتس ووتش” وبعض أعضاء الكونجرس الديمقراطيين من جون كيري ممارسة ضغط أكبر على الحكومة المصرية من أجل إصلاح سياسي في ضوء القيود الحالية على المجتمع المدني، والنشاط السياسي، وأحكام الإعدام الغيابية الصادرة من قبل المحاكم المصرية.

التهديدات الأمنية المشتركة: تنظيم الدولة الإسلامية وعدم الاستقرار في سيناء

هذه العلاقة شديدة الأهمية في مجملها، لأن مصر كقوى إقليمية رائدة تحتاج إلى التعاون مع أقوى دولة في العالم وفي نفس الوقت لا تستطيع الولايات المتحدة أن تحافظ على مصالحها في الشرق الأوسط دون الدعم المصري. مصر كانت شريكاً استراتيجياً كبيراً للولايات المتحدة خلال الأربعين عاماً الماضية. وأثبتت اتفاقية السلام الباقية بين مصر وأمريكا وإسرائيل قيمة الإرادة الدبلوماسية في القرن الواحد والعشرين.

بالنسبة للولايات المتحدة، يعتبر ردع تنظيم الدولة الإسلامية هو الأمر الأكثر أهمية. واتخذت مصر موقفاً صارماً في التعامل مع أذرع التنظيم، ورغم أنها تبدو مشغولة بالحد من أفعال الإسلاميين داخل حدودها. كما أن مصر مستعدة لتلعب دوراً في إنهاء الصراعات في قطاع غزة، وليبيا، واليمن، وتلك الحقيقة لا تغيب عن واشنطن، حتى لو كانت تلك الأحداث حالياً ذات أهمية ثانوية.

ومن منظور دعاة الليبرالية الحديثة، من الصعب احتضان تدخل للجيش بأي شئ، رغم أن الرد السريع من جانب الرئيس السيسي بعد مقتل 21 قبطياً مصرياً في ليبيا على يد داعش  كان أسلوباً لم يتوقعه الكثيرون من اليسار الأمريكي. وفي أعقاب احتراق المئات من الكنائس والمنازل والأعمال المسيحية بواسطة متطرفيين إسلاميين بعد المظاهرات المعادية لمرسي في يونيو 2013، كان من المهم للعالم أن يعرف أن مصر تولي اهتماماً لحياة كل مواطنيها.

ما قامت به داعش من أفعال ضد الأقباط المصريين لم يكن إهانة فقط للمجتمع المسيحي في مصر بل كان هجوماً مريعاً على الهوية المصرية نفسها. وأعطى ذلك الهجوم للسيسي فرصة بإظهار شمولية إدارته وسمح لنفسه بتجديد رؤية جديدة للهوية المصرية وتطورت تلك الرؤية حتى تجاوزت سياسات الاستبعاد التى كان يمارسها نظام الإخوان المسلمين.

التقليل من المخاوف بعد اتفاق النووي مع إيران:

لا تنتهي التنبؤات حول الحرب بالوكالة بين إيران والدول العربية السنية في كل من لبنان والعراق وسوريا واليمن، وكل ذلك يجب أن يولّد مزيداً من الحذر. تركنا السؤال حول كيف سيتم التعامل مع مبادرات الدعم الأمريكي للاتفاق النووي، مع الوضع في الاعتبار الانقسام السياسي الذي سمم دعم هذا الاتفاق داخلياً في الولايات المتحدة. ربما تخدرنا من التكهنات الفاشلة من هؤلاء الذين يرون أن إيران تمثل تهديداً نووياً على وشك الحدوث والآن نحن مستعدون لمعرفة إذا ما كانت الدبلوماسية ستؤتي ثمارها بعد أن أجهدت من دق طبول الحرب.

كما أن تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران يظهر بشكل كبير. وقد أظهر مركز “جالوب” في بداية 2013 أن 85% من الإيرانيين المشاركين في أحد استطلاعات الرأي، يؤمنون بأن العقوبات كان لها تأثير سلبي على مستوى معيشة المواطنين- وزعم 83% أنهم تأثروا شخصياً. ومن ضمن الذين شاركوا بإجاباتهم، يعتقد 47% بأن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الأكبر في العقوبات ضد إيران. ويفسر ذلك أنه برفع العقبات عن إيران سيقل العداء تجاه الحكومة الأمريكية، وقد تصبح من ضمن اهتمامات أمريكا الرئيسية. وبالتالي ستحتاج أمريكا إلى إقناع حلفائها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتلك مهمة أخرى للجانبين المصري والأمريكي.

تحاول الولايات المتحدة أن تقنع المجتمع الدولي بأن العالم سيكون أكثر أمناً في ضوء الاتفاق الإيراني. وبالتالي يجب على الولايات المتحدة أن تقدم ضمانات لمصر وحلفائها الخليجيين حول كيف سيتحول هذا الاتفاق إلى واقع. أصدر الرئيس السيسي ووزير الدفاع السعودي في الأسبوع الماضي ”إعلان القاهرة“، وفيه يؤكد الطرفان على الإجراءات الدفاعية المشتركة في ضوء مبادرة القوات العربية المشتركة المقترحة بداية هذا العام. ما سيعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل الدبلوماسية في المنطقة هو ما ستكشفه الأيام.

في كثير من الأحيان دعمت الولايات المتحدة أنظمة استبدادية في الماضي، وبالتالي فإن قرار إدارة اوباما باستئناف المساعدات إلى الحكومة التي جاءت بعد مرسي يمكن أن يظهر وكأنه محاولة برجماتية لتكرار اخطاء الماضي. في حين رأى الكثير من المصريين أن حجب المعونة هو استناد لرغبة الإخوان المسلمين وفعل معادي لرغبات الشعب المصري. الحقيقة هي أن الولايات المتحدة تصرفت منفردة بتغيير شروط المساعدات إلى مصر لتشمل أموراً تتعلق بتعزيز العملية الديمقراطية، وزاد ذلك فقط من سخط المصريين الذين رأوا أنفسهم في حاجة أكثر إلى ما يتعلق بوعود مكافحة الإرهاب خلال الفترة الانتقالية المضطربة. مع ذلك أعلنت السفارة الأمريكية في القاهرة أن مصر ستتسلم 12 طائرة جديدة من طراز F-16 هذا العام كجزء من المساعدات العسكرية. يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يعيدوا تقييم مميزاتهم العسكرية في استخدام قناة السويس، والأجواء المصرية، والتسهيلات العسكرية، والتعاون الإستخباراتي في ضوء التمويل العسكري الخارجي عام 2018 والذي سيحد من قدرة مصر على تمويل وارداتها من الأسلحة  حيث ستدفع مقدماً بدلاً من نظام التقسيط. والأكثر من ذلك أن المفاوضات حول تحويل المساعدات الاقتصادية بقيمة 150 مليون دولار إلى اتفاقيات تجارية تواجه العديد من المعوقات رغم حماس مصر لذلك.

لنكن واضحين، لا يوجد عذر لتضييق الحكومة المصرية على المتظاهرين السلميين مثلما لا نبرر للولايات المتحدة أي انتهاك لحقوق الإنسان أو أي دولة أخرى. أظهر تقرير “هيومان رايتس ووتش” أن قوات الأمن المصرية قتلت على الأقل 817 خلال أغسطس 2013. كما أن احتجاز الصحفيين والطلاب يزيد الأمر قلقاً. لا يجعلنا ذلك نقول أن الحكومة المصرية لم تقم بأفعال جيدة، فهي دائما ما تعلن أنها تحارب الإرهاب الداخلي الذي يزعزع استقرار الدولة.

دعماً لهذا الزعم، يمكن أن تجد تقريراً في “بي بي سي” بتاريخ يوليو 2015 حول التمرد في سيناء، والذي أسفر عنه مقتل حوالي 600 من الجيش وقوات الأمن المصريين في سيناء وحدها خلال الأربعة سنوات الماضية. ويجب أن يدرك الأمريكيون أكثر من أي وقت مضى الأخطاء السابقة في التعامل مع المؤامرات الإرهابية والمخاطر التي واجهتهم في هذا الصراع.

مع الاعتراف بأن علاقة أمريكا الغامضة بحقوق الإنسان قد تضفي بعض المصداقية على الانتقادات التي وجهت إلى جون كيري وساعدت على إحباط المزاعم بالنفاق الأمريكي والاستثنائية. مع فشل تعريف أمريكا لتوثيق القوة المفرطة المستخدمة بواسطة الشرطة ضد الإقليات من السكان، والتعذيب، والاحتجاز بدون اتهامات للأفراد تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وقتل المدنيين في الغارات بدون طيار، وصمت أمريكا أيضاً على الزحف الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، كل ذلك يعطي مصداقية لتلك المزاعم التى تتهمها بالنفاق والانتقائية.

يجب أن يتم معالجة هذه الحقائق المزعجة لو كان هناك فرصة للاندماج في شئ أكثر من تطمينات على المصالح المتبادلة. لنجلس ونبحث عن بدائل قابلة للتحقيق من أجل تجنب تكرار ما يحدث الآن في المستقبل. بالطبع الخيط رفيع بين الأمن والقمع وملئ بالعراقيل. وإيجاد سبيل للأمام قد يكون أسهل بوجود شريك مقرب موثوق بجانبنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى