كاتب أميركي: نتوسل إليك فرنسا.. لا تفعلي مثلنا بعد 11 سبتمبر
يوجه الأميركي مايكل توماسكي نداءًا إلى الفرنسيين بألا يتصرفوا كما تصرف الأمريكان بعد هجمات 11 سبتمبر 2001
دخلنا حروبا لا تنتهي.. وحكومتنا مررت قوانين لا يمكن إلغاؤها
ترجمة: محمد الصباغ
هل يمكن أن نعتبر أن هجوم شارلي إيبدو هو “11 سبتمبر” الفرنسي؟ لو صح ذلك، فلا تسيري على نفس دربنا يا فرنسا ، ولا تكوني ما أصبحنا عليه الآن.
لقد قرأت أنك يا فرنسا، تتخذين إجراءات صارمة تجاه كل المشتبه بهم في الهجوم. بالطبع هذا شىء مفهوم. فأنتم مصدومون وغاضبون. حزنكم عظيم وغضبكم أعظم، ويتنافس الحزن والغضب في سباق رهيب للحصول على كامل تفكيركم. وهو السباق الذي سيصل الغضب فيه للقمة و سيفوز دائماً.
لقد قرأت أن هجوم “شارلي إبدو” في فرنسا هو كهجوم الحادي عشر من سبتمر في الولايات المتحدة، وذلك يجعلني أشعر تجاهكم بالتعاطف و الخوف. التعاطف لأسباب واضحة، أما الرعب فلماذا؟.. لأني مواطن أمريكي عاش هذا اليوم، ورأى ما حدث لبلاده بعده. و بكل ما استطيع – وهو ليس بالكثير- لنفترض انى أتوسل لأني مواطن أمريكي يحب بلادكم وتاريخها وأحب أن أشرب كأسا من النبيذ في مطعم “بالاس دي لا كونترسكارب” أكثر من أي مكان اخر على وجه الأرض، أتوسل إليكم، لا تفعلوا مثل ما فعلنا، لا تكونوا مثلنا.
سوف تمررون القوانين في تلك اللحظات الملتهبة. لكن دائما تذكروا هذه القوانين لا يمكن إلغاؤها بسهولة. ففي الولايات المتحدة، في الأسابيع التي تلت 11 سبتمبر، وافقنا على قانون كاسح لمكافحة الإرهاب. لقد أعطوه اسما رائعاً، وهذه التسميات نفعلها بامتياز في أمريكا. لقد أطلقوا عليه اسم “قانون باتريوت الأمريكي” أي قانون الوطني! من في ظل تلك الهجمات قد يصوت ضد شىء اسمه “قانون باتريوت الأمريكي”؟.. ليس بالكثير، فقد صوت ضده 66 عضواً فقط من مجلس النواب بالكونجرس من أصل 423 عضوا، وسيناتور واحد فقط من أصل 99 عضوا بمجلس الشيوخ.
كان من المفترض أن يقوي هذا القانون الأمن الداخلي ضد الإرهاب بعدة طرق، و بعض تلك الطرق جيدة مثل التعاون الكبير بين وكالات تنفيذ القانون الفيدرالية و حكومات الولايات. وباسم هذا القانون تستطيع الحكومة أن تجمع كميات هائلة من بيانات الإتصالات لكل الأشخاص مثل هواتف المحمول وما غير ذلك. ويسمح القانون بالعودة للمسؤولين عن تلك التسجيلات للتعاون مع المحققين. وهذا هو الحال في أمريكا حالياً، فلو لم تكن في منزلك مغلقاً هاتفك المحمول، تستطيع الحكومة أن تعرف مكانك ومن برفقتك أيضاً.
وها نحن بعد 14 عاماً، يرى الجمهوريون المحافظون الذين كانوا ساهموا في تمرير القانون، أنه يعطي الحكومة سلطات واسعة أكثر مما ينبغي. لكن ما نستطيع فعله هو لا شئ. لا يمكننا إلغاء تلك التدابير لأن الأصوات سوف ترتفع بأقوال مثل: “أنتم متساهلون مع الإرهاب”، و”أنتم تمدون يد العون للعدو”.
كما تعلمون فإن لدينا حزبا متطرفا، وانتقاميا ولديه مشكلة مع الأجانب. أنتم أوروبيون ووضعكم أكثر تعقيدا، فاصرفوا النظر عن ذلك. أحزابكم المتطرفة والإنتقامية أسوأ من نظيرتها عندنا ورغم ذلك أعتقد أنكم لن تبدأوا حربا مع الاخذ في الاعتبار أن الاستفادة الأكبر من تلك اللأحداث هى إشعال الحروب، لذا من فضلكم حكموا عقولكم ولا تسمحوا لذلك أن يحدث.
حكموا عقولكم، هذا بالتحديد ما لم نفعله. ويعتبر ذلك خسارة لأخلاقياتنا و تخلينا عن أفضل تقاليدنا التى تعلمناها منكم. لقد أنهكنا الغضب مما سمح بحدوث كل ذلك، سمح بالحروب وإجراءات المراقبة وأيضاً ظهرت عقلية “أنت إما أن تكون معنا أو سنعتبرك ضدنا”.
لقد أخبرونا – وقبل الكثير منا ذلك – أننا دولة في حالة حرب. لا تخضعوا لتلك التعبيرات فالنهاية مميتة. وهذه الحرب التى نعلمها جميعاً جيداً لأربعة عشر عاماً ليس لها نهاية. إنها كأحد رسومات “إيشر”، إنها كسلم يدور باستمرار حول نفسه. نحن لم نستطيع الهروب منه ولو اخترتم هذا الطريق أيضاً لن تستطيعوا الهروب مثلنا.
قد أكون جريئاً حين استخدم اقتباساتكم، استعنت بخطاب فيكتور هوجو في الذكري المئوية لرحيل فولتير.
كم أنت عظيماً يا هوجو، فجنازتك في عام 1885 اصطف خلالها مليونا فرنسي في شوارع باريس أي ضعف عدد من شاركوا في مسيرة شارلي إبدو في 11 يناير. وقال هوجو في ذكري رحيل فولتير و قبل وفاته هو بسبعة أعوام: “السلام هو فضيلة الحضارة والحرب جريمتها، نحن هنا في تلك اللحظة العظيمة والساعة المهيبة كي نركع أمام قانون الأخلاق وكي نقول للعالم الذي يستمع لفرنسا: هناك قوة واحدة فقط هي الضمير الذي يخدم العدالة وهناك شرف واحد فقط هو العبقرية التى تخدم الحقيقة”.
في هذه الظروف، هو شئ كبير أن تطلب السلام. ويجب أن تكونوا حذرين كما يجب أن نكون جميعاً. و يجب أن نطلب جميعاً من العالم الإسلامي أن يسايروا ركب الحداثة. ومما يثير غضبي هو أن الكثير من أصدقائي الليبراليين الأمريكيين تملص من هذا الطلب.
يمكننا فعل هذا الشىء دون أي كراهية ودون غوغائية أو دعوات للحرب أو حتى بشكل مجازي. يمكن صنع ذلك مستلهمين روح فولتير وهوجو وتوماس بين وحتى مارك توين، الذين يمثلون لنا روحاً تمثل المقاومة، لكن هذه الأماكن تركز أكثر على الترحيب بمن لديهم الشجاعة على الإنضمام.
اسمحوا لأنفسكم بالحزن العادي، لكن لا تتمادوا في الأحزان. كان ذلك الخطأ الأكبر الذي اقترفناه كأمة عقب 11 سبتمبر، فقد استغرقنا في حزننا وغضبنا ولفترة طويلة جداً. والخروج من هذا الاستغراق كان غير مسموح به. وسائل الاعلام بتقاريرها التى لا تنتهي عن الأطفال الذين أصبحوا يتامي لن تسمح بذلك. وبالطبع كل تلك القصص كانت في غاية البؤس، فأنا أب ولست وحشاً.
لكن كان الغرض من تلك القصص هو إبقاء الأمة في حالة من الحزن والغضب التى جعلتنا نقبل تصرفات حكومتنا “الانتقامية” ضد أشخاص أشرار لكنهم لم يكونوا على صلة بما حدث في 11 سبتمبر. وكان السياسيون كما تتوقعون أسوأ من وسائل الإعلام. لم يكن بمقدورنا الهروب، لقد أجبرنا على البقاء في تلك الحالة لسنوات.
لا تقفوا مكانكم، احزنوا لكن دعو الأحزان تذهب. استمروا في حياتكم، كونوا فرنسا، اشربوا وامرحوا واضحكوا. (بالتأكيد أراد شارب – رسام شارلي إبدو الذى قتل خلال هجوم باريس – ذلك أكثر من أي شئ آخر. أليس كذلك؟).
لقد أوجدتم الحقوق (بمساعدتنا)، ولديكم دور كبير في إيجاد كل الأشياء التى جعلتنا نسمو فوق طبيعتنا، وغيرتم بوصلة الدولة ناحية الجمال الذي يمكن أن نكون عليه في أفضل حالاتنا. ستكون أسوأ لحظة إذا قررتم أن تستردوا كل ما منحتوه لنا.