قصة عيد الشكر.. أو كيف مهّد الطاعون طريق الأوروبيين لأمريكا؟
باحثة: هذا تاريخ تم تجاهله لأن الناس توافقوا تماماً مع قصة الرحالة السعداء والهنود الودودين
هافينجتون بوست- نيك باومان – ترجمة: محمد الصباغ
قصة عيد الشكر كما تعرفها ربما تكون على الشكل التالي: هبط مهاجرون بريطانيون يسعون إلى الحرية الدينية في بليموث، ماساتشوستس، حيث وجدوا أرضاً خصبة ومليئة بالحيوانات ورحب بهم رجل هندي ودود يدعى سكوانتو، وعلّمهم طريقة زراعة القمح.
القصة الحقيقية أكثر تعقيداً. عندما تتعرف على سكوانتو الحقيقي –المعروف أيضاً بتيسكوانتم- سيكون لديك رواية شيقة لتحكيها لعائلتك على مائدة عيد الشكر.
قابلت كلا من المؤرخ ”تشارلز مان“ مؤلف (1491: اكتشافات جديدة لأمريكا قبل كولومبوس) وباولا بيترز، العضو بقبيلة “ماشابي وامبانواج – Mashpee Wampanoag“ وخبيرة في تاريخ هؤلاء السكان. تحدثت معهم حول القصة الحقيقية.
تقول بيترز: ”هذا ليس تحريفا للتاريخ. هذا تاريخ تم تجاهله لأن الناس توافقوا تماماً مع قصة الرحالة السعداء والهنود الودودين. هم راضون عن ذلك – حتى مع الجانب الذي لم يتساءل عنه أحد بأن سكوانتو كان يتحدث الإنجليزية بطريقة رائعة عندما وصلوا“.
إليكم حقيقة ما حدث.
في عام 1614، وقبل ست سنوات من وصول المهاجرين إلى ما يطلق عليها الآن ماساتشوستس، اختطف رجل انجليزي يدعى توماس هانت تيسكوانتم من قرية، باتوكسيت (Patuxet)، التي كانت جزء من مجموعة قرى معروفة بأنها اتحاد لقبائل الوامبانويج. (بدأ الأوروبيون بزيارة الشمال الشرقي للولايات المتحدة مع بداية عام 1520، وربما قبل ذلك بداية من عام 1480).
اختطف هانت تيسكوانتم وحوالي عشرين من قبيلته وسافر بهم إلى إسبانيا، حيث حاول هناك بيعهم كعبيد.
قال المؤرخ مان: ”حدثت بعض الاضطرابات مع محاولة الرجل بيع هؤلاء الأشخاص، وقالت مجموعة من التابعين للكنيسة إن ذلك غير ممكن“.
هرب تيسكوانتم من العبودية-بمساعدة بعض الرهبان- وبطريقة ما وصل إلى انجلترا. ثم أخيراً وصل إلى ما تعرف بماساتشوستس الآن عام 1619. وعلى قدر ما استطاع المؤرخون الوصول إليه، كان تيسكوانتم الوحيد من بين أفراد قبيلته المختطفين الذي استطاع العودة إلى أمريكا الشمالية، وفقاً لحديث بيترز.
لكن خلال فترة وجود تيسكوانتم في أوروبا، اجتاح أحد الأوبئة نيوإنجلاند.
ويستمر ”مان“ في السرد قائلاً: ”وفقاً لما قالته حكومة بليموث إن هناك سفينة على متنها بحارة فرنسيين قد تحطمت في ذلك العام في جزيرة كاب كود –جنوب ماساتشوستس“، وأضاف: ”أحدهم كان يحمل مرضاً وانتشر بنسبة كبيرة بين سكان نيوإنجلاند… والتخمين الأبرز انه كان فيروس التهاب الكبد الذي يتفاعل بشدة مع الماء. وانتشر بصورة كبيرة كانفجار الألعاب النارية“.
عاد تيسوانتم إلى باتوكيست واكتشف أنه الناجي الوحيد بالقرية.
”هنا ظهر الرحالة في نيوانجلاند قبل أشهر قليلة من الشتاء… حتى قبل المهاجرين، كان الموقف واضحا. الأوروبيون قد يظهرون، والهنود سيكونون مهتمين بتجارتهم وبضائعهم، لكنهم كانوا غير راغبين تماماً في أن يحتل الأوروبيون أرضهم بشكل دائم“.
عادة كان السكان الأصليون المسلحون يجبرون الأوروبيين على المغادرة لو حاولوا البقاء لفترة طويلة.
هذه المرة، أراد الأوروبيون البقاء، وهذا الوباء الذي انتشر ضمن لهم مكانا للاستقرار فيه.
اوضحت بيترز: ” باتوكيست أصبحت بليموث. وجدوها أرض خالية من أي شئ عدا رفات الهنود. وقالوا إن تلك هي العناية الإلهية: قتل الله هؤلاء الهنود لذا يمكننا العيش هنا“.
وفي موقع الكتروني ساعدت بيترز في انشائه للذكرى الـ400 لوصول المهاجرين جعلت الأمر أكثر وضوحاً: ”مقابر السكان أصبحة مستعمرة بليموث“.
لم يثق أحد قادة قبيلة وامبانويج ويدعى ماساسويت في تيسكوانتم. قال مان: ”نظر إلى هذا الشخص واشتم رائحة المشاكل“. أبقى ماساسويت تيسكوانتم تحت ما يشبه الإقامة الجبرية حتى وصل المهاجرون وكان يكاد يموت جوعاً“.
لم تكن باتوكيست القرية الوحيدة التي أهلكها الطاعون. أصيبت القبائل في كل أماكن وجودها بقوة- وحوالي 75% من سكان قبائل الوامبانويج قد ماتوا. لكن قبيلة ناراجانسيت المجاورة والمنافسة لم تتأثر تقريباً بالمرض. مما جعل موقع قبيلة الوامبانويج محفوفاً بالمخاطر.
جاءت ماساسويت فكرة. قال مان: ”قرر أنه سيتحالف مع هؤلاء الأشخاص من أجل إقامة علاقة تجارية جيدة، ويتحكم في البضائع الإنجليزية، ولن يكون الناراجانسيت قادرين على مهاجمتهم“.
في مارس 1621، ذهب ماساسويت لمقابلة المهاجرين واصطحب تيسكوانتم معه للترجمة. وكان على حق في عدم ثقته بتيسكوانتم، فقد حاول شحن المهاجرين ضده. لكن الخطة لم تكتمل. شعر ماساسويت بالغضب وطلب من المهاجرين تسليمه تيسكوانتم لإعدامه. لم يفعل المهاجرون ذلك. وبقى تيسكوانتم معهم في المستعمرة يساعدهم لمواجهة الشتاء القادم.
ووفقاً للمؤرخ أيضاً ”من روايات المهاجرين فإن الحل البديل لمغادرته تيسكوانتم المستعمرة هو أن يعود مرة أخرى إلى الأسر“.
الامر أكثر تعقيداً فهناك انتهازية أيضاً، وأوضح مان ذلك: ”بالخريف كان وضع المستوطنين آمناً بما فيه الكفاية كي يحتفلوا بعيد الشكر. هنا ظهر ماساسويت ومعه 90 رجلاً، أغلبهم يحمل أسلحة. لكن مسلحي المهاجرين ردوا بالالتفاف حولهم وأطلقوا النيران في الهواء، وعكسوا اتجاه الخطر. ثم قام الجانبان بالجلوس سوياً وتناولا الكثير من الطعام وتبادلا الشكوى من قبيلة الناراجانسيت“.
إذاً ماذا يعني كل ذلك؟ كتبت بيترز على الموقع الالكتروني: ”في حين أن تلك ليست المرة الأولى التي يتاجر فيها المستكشفون الأوروبيون بالبشر في العالم الجديد، فإن أسر سكوانتو ورفاقه غير مجرى التاريخ لمجموعة من الناس يعيشون في قارتين“.
وأضاف مان: ”علمنا بوصول كولومبوس عام 1492 لكننا تعاملنا مع الأمر وكأن شيئا لم يحدث على مدار 100 عام حتى وصل المهاجرون. لكن قصة تيسكوانتم تعطي إضافة ولو صغيرة بأن كل الشعوب تفاعلت لأكثر من قرن“.
وإلى الآن مازالت الوامبانويج من حولنا.