أخبارثقافة و فن

قصة «الصحوة» التي منعت أم كلثوم في السعودية

مطربات مكة وتاريخ المنع الطويل لحفلات أم كلثوم  على التلفزيون السعودي

كتبت- غادة قدري

لا تعرف  الأجيال الحالية أن المملكة العربية السعودية واحدة من أهم مناطق صناعة الفن والموسيقى وتقديم الثقافة، الدولة التي عرفت لسنوات بهيمنة المؤسسات الدينية التي منعت الفنون وخروج المرأة  والغناء والمسرح والسينما فيما بعد.

بعض الحقائق قد تصدم، خاصة حينما يتعلق الأمر عن مطربات في السعودية مع تجاهل النهضة الموسيقية السعودية التي اختفت منذ عقود.

فخلف تلك الفرحة التي أعلن عنها في السعودية أمس بعودة أم كلثوم  ومطربات أخريات تاريخ طويل من الحجب والمنع والتحريم نتعرف على القصة في التقرير التالي:

النهضة الموسيقية السعودية

تلك الحقائق تتعلق بالنهضة الموسيقية التي وصلت أوجها في الستينيات منذ تأسيس فرقة موسيقى الجيش السعودي التي أصبحت  أوركسترا بعد التعاقد مع عدد من الموسيقيين العرب من سوريا ولبنان ومصر آنذاك، لتنطلق هذه الفرقة إلى العمل بمسرح الإذاعة وإعداد وتأليف الفواصل الموسيقية، وتترات البرامج، وتنفيذ الأغاني السعودية مع الفنانين في استوديو ومسرح الإذاعة، ثم أعقب ذلك انطلاق عربة النشاط الغنائي والموسيقي إلى سائر أرجاء المملكة، وبرزت الفرق الموسيقية، والفنانون، وازدهر الأمر بحضور ومشاركة العديد من الفنانين العرب مع نظرائهم السعوديين في تقديم أعمال مشتركة بعد انطلاق البث التلفزيوني.

في فترة ما وبعد كل تلك النهضة منعت الموسيقى ومنعت المطربات من الظهور بشكل عام ولم تمنع كوكب الشرق وحدها وعلى استحياء يمكن أن تذاع بعض الأغنيات بأصوات رجالية بعد المرور على رقابة صارمة.

لقاء مع فريد الأطرش في التلفزيون السعودي

حتى نهاية عام 1979 بث التلفزيون السعودي أغنيات لكوكب الشرق أم كلثوم، ونجوم آخرين مثل فايزة أحمد، وسميرة توفيق، ونجاة الصغيرة، وفريد الأطرش، حتى أن الديفا سميرة سعيد ظهرت في بداياتها عبر التلفزيون السعودي ضمن حفلات غنائية في السبعينات وكانت تظهر بالزي المغربي على المسرح تغني، فضلا عن فرق الفنون الشعبية السعودية وفنانات ومغنيات السعودية الأصليات مثل توحة وابتسام لطفي التي منحها أحمد رامي لقب كوكب الجزيرة وشادية العرب ولحن لها رياض السنباطي.

مطربات السعودية في القرن العشرين

يذخر التراث الثقافي الفني السعودي بوجود المرأة فقد شهدت بدايات القرن العشرين في منطقة الحجاز عشرات المطربات، وتحديدًا في مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف، ولم يكن فن الإنشاد حكرًا على الرجل.

وبالرجوع إلى مصادر عن التراث الغنائي في الحجاز اكتشفنا نساء شعبيات كانت لهن تأثيرات كبيرة في الغناء الحجازي، منهن كانت المطربة توحة، والراحلة صالحة حمدية، وبنات شافية ، وإبتسام لطفي، وكان من هؤلاء الفنانات عازفات لآلات موسيقية، مثل: فاطمة، عائشة زايدية وعرفتا بالعزف على مختلف الآلات الموسيقية مثل العود والكمان.

ابتسام لطفي تتحدث عن تاريخها

ومن أبرز مغنيات مكة المكرمة في القرن الماضي كانت أسماء لامعة في تلك المجتمعات مثل صفية لبانة، وكرامة صالح سلطان، وأمينة عدنية، وصالحة حمدية، وفاطمة حمدية، وزينب هندية، وزينب روشانة، وفاطمة عتيبية، وحجية المكاوية، وغربية المكاوية، وخميسة المكاوية، وخديجة نوارة، وخديجة عبدالله حماد، وفاطمة إبراهيم بشيت وهذه كانت أشهرهن.

في ملف عن الموسيقى والغناء في السعودية نشرته العام الماضي مجلة «الفيصل» موزعًا على عددين كتب علي فقندش وهو ناقد فني يمني ومؤرخ للفنون في شبه الجزيرة العربية ، أنه التقى بالفنانة توحة التي روت له أنها تعلمت على يد أستاذتها فاطمة إبراهيم بشيت، وكان لفاطمة بشيت اسم شهرة عُرفت به في كل أصقاع الحجاز وهو «كاكا» أو الخالة «كاكا».

وفي سياق مقاله ذكر فقندش عدة أسماء مطربات حجازيات أخريات مثل زهرة بنت سمر الدين، وعطية عبدالله الحضرمي، وفاطمة عمارة، وزينب دنقاشية، وحليمة بنت سرور، ومعتوقة بنت سعدالله، ومنسية بنت عبدالله، وصفا عيادة، وعائشة حوطية، وفاطمة حوطية. وكلهن من مغنيات مكة المكرمة الراحلات.

المطربة توحة

أما شوق الجداوية، وقمر الطاهرية، وفاطمة نجيدية، فقد كن من مطربات جدة الراحلات.

مازالت توحة على قيد الحياة حتى الآن تعاونت مع الكثير من الفنانين من جيلها وغير جيلها مثل سامي إحسان ومحمد عبده وابتسام لطفي وعتاب وأثرت عالم الغناء النسائي المحلي ، وحضرت عهد الأسطوانات البلاستيكية، وسجلت العديد من الأعمال الغنائية للإذاعات المختلفة، واسمها الحقيقي فتحية حسن يحيى.

«الصحوة» 

كان الملك فيصل والذي صعد إلى سدة الحكم في المملكة العربية السعودية في فترة السبعينيات قد أسس لمرحلة يعرفها المواطنين السعوديين جيدًا تحت مسمى «الطفرة» تزامنت تلك الفترة مع زيادة عائدات النفط الذي كان قد اكتشف حديثًا، كان يحلم  بتقديم دولة منافسة للجمهوريات العربية في الخارج، فتم تدشين الخطة الخمسية الأولى التي بدأت عام ١٩٧٠ تحت مسمى «الطفرة» وحتى اغتيال الملك عام 1975  شملت تلك الطفرة كل نواحي الحياة بما في ذلك الفنون والمسرح والسينما والغناء.

سلمان العودة وعائض القرني وزملائهما

يبدو أن تلك «الطفرة» لم تعجب التيارات الدينية التي كانت تخطو خطواتها الأولى داخل المملكة إنه عقد نشوء وتشكل الجماعات الإسلامية في السعودية، تسلل المد الديني داخل المملكة بسبب خوف من المد الناصري، لقد تركوا لرجالات الدعوة الإسلامية الحرية الكاملة، حتى ظهر تيار يسمى «الصحوة السعودي» الذي شن حربًا لا هوادة فيها في الفترة بين 1980 و2000 ضد الشعراء والفنانين والسينما والمسرح والتلفزيون بشكل عام، نشأت تلك الحركة بدعم من مجموعة علماء إبان حراكهم الدعوي لإيقاظ الناس من غفوتهم حسب وصفهم، بدأ مصطلح الصحوة في الظهور في حقبة الثمانينات الميلادية على يد عدد من الاشخاص في ذلك الوقت من أمثال سلمان العودة  وعائض القرني وسفر الحوالي وناصر العمر وسعد البريك.

أحمد الحفناوي بمصاحبة فرقة موسيقية سعودية يعزفون موسيقى الاطلال

بعدما تقلد الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود الحكم بعد اغتيال شقيقه الملك فيصل، تغيرت الأمور، فقبل ذلك في حقبة الستينيات كانت صور كل من يغني تكسو الأسطوانات المباعة وواجهات المحلات. وعندما ظهر مسرح التلفزيون أتى للرياض شباب الحجاز الذين يمتهنون الغناء مثل: طلال مداح، ومحمد عبده، وحجاب بن نحيت، وطارق عبدالحكيم، وآخرون. وكانوا يتغنون على مسارح الرياض العامة، ولم يكن هناك أي مشكلة، ولم تكن هناك أية صعوبة في إعلانها.

استمر رفض الموسيقى في حقبة الثمانينات داخل المجتمع وأخذت الصحوة زمام الأمور،  وبدأت المدارس تعلم طلابها هذا التحريم، وبشكل قطعي لا يقبل الجدال.

مرحلة جهيمان العتيبي والمنع التام لظهور المطربات 

في يوم 20 نوفمبر عام 1979 قام مجموعة من الشباب- تتراوح بين 200 إلى 300 شخص- باقتحام الحرم المكي بقيادة رجل يدعى جهيمان العتيبي، وأعلن ساعتها وسط المعتمرين المحتجزين أن زميله- وكان رجلا يقف بين الركن الأسود ومقام إبراهيم ويدعى (محمد عبدالله القحطاني) هو المهدي المنتظر، أسفرت تلك الحادثة عن مقتل مئات الأشخاص على مدار أسبوعين كاملين داخل الحرم، ويعتبرها البعض حادثة أسدلت الستار على عهد الفنون والموسيقى وظهور المرأة، إذ صدر أمر ملكي عقب تلك الحادثة يمنع النساء من الظهور في التلفزيون لفترة قصيرة، وبعد ذلك تم منع ظهور النساء في التلفزيون خلال شهر رمضان، ومنعت المطربات من الظهور نهائيًا.

يقول الكاتب والأديب السعودي عبده خال «قبل جهيمان كانت الحياة تسير طبيعية وبعده جاء تاريخ حافل من التشدد، كسرت أدوات الغناء وتناقل الناس تكبير المحتسبين وصياحهم على تحطيم عود، كان جهيمان ينعم بانتشار رسائله، وعم الظلام في كل مكان وأول جهة كانت التلفزيون فأفاق الناس على عاصفة من التحريم تضافرت حتى حولت المجتمع لبؤرة باحثة عن تحريم كل مناشط الحياة»

أول حفل لكوكب الشرق يذاع على التلفزيون السعودي منذ عام 1979

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى