في مصر: أمهات وحيدات يواجهن كورونا
كتبت – ياسمين شبانة
بفتح باب الشقة، ممنوع حد منهم يجى جمبى لحد ما طهر كل لبسي والحاجات اللى معايا، وادخل اخد شاور وبعدين نبدأ نسلم على بعض زى ماكنا متعودين قبل كده”، منذ بداية تفشى فيروس كورونا المُسّتَجد “كوفيد 19 “، وضعت مريم (اسم مستعار) بعض القواعد للتعامل مع أبنائها الثلاثة حين عودتها من العمل، حرصًا على سلامتهم.
تعمل مريم (39 عامًا) سكرتيرة فى إحدى العيادات الخاصة بطب الأسنان بالدقهلية، منذ انفصالها عن زوجها، قبل ست سنوات. تبدأ مريم يومها فى الساعة السادسة صباحًا، بترتيب المنزل وتحضير الطعام، ثم تبدأ فى الاستعداد للذهاب إلى عملها الذى ينتهى فى الخامسة والنصف مساءٍ من كل يوم.
مع قرار تعليق الدراسة الصادر فى 15 مارس الماضى، كأحد إجراءات الحكومة لمواجهة انتشار فيروس كورونا، بدأت مريم فى تدريب ابنها الأكبر (13 عامًا) على كيفية الاهتمام بأخواته الصغار لحين عودتها من العمل. ترى مريم أن قرار وقف الدراسة، بالرغم من تخبطها وعدم فهمها لكيفية انتهاء السنة الدراسية بالنسبة لأبنائها، إلا أنه جاء رحمة لها، وتوفيرًا لـ1500 جنيه شهريًا كمصروفات للدروس الخصوصية لأبنائها الثلاثة، خاصة مع عدم انتظام حصولها على النفقة التى يرسلها طليقها -الذى يعمل محاسب فى إحدى دول الخليج- عن طريق المحكمة، والتى تبلغ قيمتها 1200 جنيه شهريًا للأولاد الثلاثة معًا.
على مدار أربع سنوات، ظلت مريم تتقاضى 800 جنيه كراتب شهرى مقابل عملها لسبع ساعات يوميًا باستثناء يومى الخميس والجمعة، “من سنتين بس مرتبى زاد وبقى 1000 جنيه شاملة كل حاجة .
بحسب تقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، في نهاية 2017، كُشف عن أن متوسط الأجر الأسبوعى للعاملين فى القطاع الخاص الذى يضم أكثر من 60% من العاملين فى مصر لا يتجاوز 670 جنيهًا، وهى تساوى نسبة58% من متوسط أجر العاملين بالقطاعين العام والأعمال العام.
فى 29 يوليو من العام الماضي، عُقد الاجتماع الثاني للمجلس الأعلى للحوار المجتمعي في مجال العمل، برئاسة، محمد سعفان، وزير القوى العاملة، لمناقشة كيفية تطبيق قرارات الرئيس عبد الفتاح السيسي الخاصة برفع الحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع الخاص، أسوة بالعاملين فى القطاع الحكومى، والذى تم تطبيقه فى شهر يوليو من العام الماضى، ليصيح 2000 بدلًا من 1200جنيه، ولكن حتى الآن لم يتم تطبيقه للعاملين بالقطاع الخاص.
تتجسد الأزمة الأكبر فى عمل مريم بواحد من المجالات الأكثر عُرضّة للإصابة بفيروس كورونا، بحسب منظمة الصحة العالمية بخصوص العاملين فى المرافق الصحية. تقول مريم”وأنا نازلة الشغل كل يوم بنتى الصغيرة بتقولى بلاش تنزلى يا ماما، أنا خايفة عليكى، لكن بحاول أطمنها على قد ما أقدر وبقولها أن شاء الله ربنا هيسترها عليا عشانكم، والحمدلله ربنا سترها معايا فعلًا
عزة (40 عامًا)، أم وحيدة لثلاث بنات، واحدة من تلك الفئات الأكثر عُرضّة للإصابة بالفيروس أيضًا، تعمل عزة كممرضة ومشرفة دور فى إحدى مستشفيات الصحة النفسية التابعة للقطاع الحكومى بمحافظة أسيوط،، تقول عزة “احنا دارسين ومتدربين على الانفكشن كنترول، فالحمدلله بنعرف نتعامل كويس فى الظروف دى” ، بالنسبة لعزة وبناتها، لم تتغير الأمور كثيرًا بعد انتشار الفيروس “أنا بقالى 20 سنة بشتغل فى التمريض، وبناتى الحمدلله ربنا هاديهم ومتعودين على شغلى. طبعًا بعد كورونا خوفهم زاد عليا شوية، لكن ربنا دايمًا بيسترها معانا
فى16 مارس الماضى، أصدر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قرارًا بتخفيض عدد العاملين فى المصالح والأجهزة الحكومية، مع استثناء الموظفين العاملين بالمرافق الحيوية التي تحددها السلطة المختصة بكل جهة مثل (خدمات النقل، الإسعاف، المستشفيات، خدمات المياه، الصرف الصحي، والكهرباء)، كما نص القرار على أن يُمنح الموظف المُصاب بأي من الأمراض المزمنة مثل (السكر، الضغط، أمراض الكلى، أمراض الكبد، أمراض القلب، والأورام)، إجازة استثنائية طوال مدة سريان هذا القرار.
فى شهر يناير الماضى، خضعت عزة، لعملية قسطرة فى الشريان التاجى بالقلب، وبحسب منظمة الصحة العالمية، تعتبر الفئات الأكثر عُرضّة لخطر الإصابة بمرض وخيم فى حال العدوى بفيروس كورونا، هم كبار السن والأشخاص المصابين بحالات مرضية سابقة الوجود، (مثل الرَبو، وداء السُكَّريّ، وأمراض القلب).
رغم كونها واحدة من تلك الفئات، لم تحاول عزة الحصول على أجازة من عملها، “معانا فى الشغل ناس من سنى وأكبر وعندهم أمراض زيي، فماقدرش أسيب الشغل حتى لو اجازة بمرتب، المرضى مرتبطين بينا وفى حاجات مطلوبة مننا، ومنظومة احنا عملناها، ولازم نراعيها
داخل العمل، وبالاتفاق بين عزة وزمائلها من المصابين أيضًا بأحد الأمراض المزمنة، يقومون بتوزيع العمل بينهم بالأيام، “لما بدأ الفيروس ينتشر، قسمنا الأيام بينا، فبقيت بروح تلاتة أيام فى الأسبوع بس
مع تزايد عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا بمستشفى أبوتيج النموذجي بأسيوط، والمخصص للعزل الصحى لمصابى كورونا، قامت مجموعة من زملاء عزة من الأطباء والممرضين، بالتطوع للعمل فى مستشفى أبو تيج، للتخفيف عن المصابين ودعمهم نفسيًا، تقول عزة “كنت أتمنى أروح معاهم، بس ماقدرتش عشان مناعتى ضعيفة بسبب العملية”.
داخل بيت عزة، تضع بعض القواعد لحمايتها وبناتها من خطر الإصابة بالفيروس، »من بداية كورونا، منعت البنات من الخروج خالص، وأنا راجعة من الشغل بشترى كل الطلبات اللى محتاجنها وبطهرها كلها بالكلور أوالكحول وبغسل لبسي بعد كل خروجة، وطبعًا برا البيت وفى الشغل بكون لابسة ماسك وجونتي .
منذ انفصال عزة عن زوجها قبل سبع سنوات، تحصل على 600 جنية كنفقة لبناتها الثلاثة توائم (12 عامًا)، “الثلاثة بيتعلموا ودروس طول السنة، طبعًا مرتبى مع النفقة مايكفيش كل ده”، فى السنوات السابقة، لجأت عزة للعمل فى إحد المراكز الطبية الخاصة، كعمل إضافى لتحسين دخلها الشهرى، ولكن قبل شهرين ومع انتشار الفيروس، اضطرت عزة لترك العمل خوفًا من الخروج المتكرر وكثرة الذهاب للعمل، »لما سبت الشغل التانى، أثر على ميزانية البيت طبعًا، بس مضطرة للأسف .
قبل عام، وفى تصريح سابق لها فى برنامج “صباح الورد” المذاع على قناة تن، طالبت كوثر محمود، نقيب التمريض، بتحسين الأحوال المالية للتمريض طبقًا للجهد المبذول، واستنكرت قيمة «النبطشية» للممرضة أو الممرض التى لا تتعدى 15 جنيهًا فقط، وأيضًا بدل العدوى الـ 16 جنيه مقابل 12 ساعة عمل يوميًا أو أكثر.
يزداد وضع شيماء (اسم مستعار) صعوبة، فمنذ بداية الأزمة، اضطرت للعمل فى إحد مصانع الملابس بمحافظة القاهرة، مقابل راتب أسبوعى زهيد، المصنع فى الأيام العادية كان بيدى الموظفين فى الأسبوع 200 جنيه، بعد كورونا وعشان الشغل قل، الأسبوع بقى بـ100 جنيه .
فى السنوات القليلة الماضية، عملت شيماء (35 عامًا) فى التدريس مقابل 900 جنيه تقريبًا كراتب شهرى من عملها فى وظفتين معًا. جزء من راتبها استخدمته فى تأجير شقة، بعد طلاقها مقابل 1100 جنيه شهريًا، »بعد طلاقى، والدتى كانت دايمًا سند ودعم ليا، وكل شهر كانت بتساعدنى فى إيجار الشقة”، مع قرار إغلاق المدارس لم تعد شيماء قادرة على استكمال عملها فى التدريس،”لما الدراسة وقفت، الحضانة والسنتر اللى كنت بشتغل فيهم قفلوا، وماكنش ينفع اقعد فى البيت، هصرف على ابنى ازاى!«.
منذ بداية عملها فى المصنع، تعمل شيماء من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الخامسة مساءٍ من كل يوم باستثناء يوم إجازتها الأسبوعية، »بدّخل بيانات وعدد كل قطعة ملابس داخلة وخارجة المصنع، شغلى ماينفعش من البيت، فى ناس كتير خافوا على نفسهم وسابوا الشغل. بس أنا غصب عنى لازم اروح كل يوم «.
تُضيف شيماء، »بضطر أخد ابنى معايا الشغل كل يوم عشان والدتى كبيرة فى السن ومريضة ومناعتها ضعيفة، وماقدرش ادخل واخرج عليها فى الظروف دى. كل يوم قبل ما ننزل بكون خايفة ومرعوبة على ابنى، برقيه وبنستودع نفسنا عند ربنا، ولما بنرجع البيت بغسله إيده ووشه كويس وربنا يستر«.
انفصلت شيماء عن زوجها، مدرس وخطيب مسجد منذ ثلاث سنوات، »اتطلقت طلاق رسمى على الإبراء من سنة بس، المحكمة حكمت ليا بـ225 جنيه نفقة «، لم تحصل شيماء على نفقة ابنها الذى يبلغ من العمر 4 سنوات ونصف بسبب تغيير طليقها لمحل إقامته، »المحضرين كل مرة يروحوا ينفذوا، يقولوا “لم يُستدل عليه”«.
نورا محمد، مدير برنامج نهضة العنف ضد المرأة، بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، قالت أن عدد حالات الدعم النفسي، والاجتماعى التى تستقبلها المؤسسة زادت للثلث منذ بداية انتشار فيروس كورونا، حيث تصل عدد الحالات فى اليوم الواحد إلى 10 حالات أو أكثر.
أشارت نورا، أن غالبية الحالات التى استقبلوها خلال الفترة الأخيرة، كانت تتنوع بين نساء معيلات فقدوا وظائفهم بسبب الظروف الحالية، وأخريات تعرضوا لتنعيف داخل العمل بسبب ذهابهم بدون ارتداء كمامة، علي سبيل المثال، بالإضافة أيضًا إلى حالات العنف الجسدى داخل المنازل.
بحسب نورا، أن المؤسسة عملت على تقديم الدعم النفسى، والاجتماعى لهؤلاء النساء بكل الطرق المتاحة.
طبقًا لآخر إحصائية لمركز المعلومات واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزارء، والصادرة فى مارس 2019، أن 3.3 مليون أسرة فى مصر تعولها امرأة، فيما ذكرت الإحصائية أيضًا أن ما يقرب من ثلثى هذه الأسر دخلهم لا يكفى احتياجاتهم الشهرية، مما ترتب عليه خروج بعض الأبناء من التعليم نتيجة قلة الدخل.
نهى، أم وحيدة، تبلغ من العمر 34 عامًا، تعمل كإخصائية تعديل سلوك فى إحدى دور الأيتام بالإسكندرية. منذ بداية تطبيق حظر التجوال الجزئي الصادر فى 24 مارس الماضى، لم تعد نهى قادرة على الذهاب إلى عملها بنفس طريقتها المعتادة،”قبل كورونا كنت بنزل قبل شغلى بنص ساعة وبركب مواصلة واحدة بس”، تبدأ نهى عملها فى الثامنة مساءٍ من كل يوم وحتى الساعة الثامنة صباحٍا باستثناء يوم إجازاتها الأسبوعية، “دلوقتى بضطر انزل قبل ميعاد الشغل بساعتين عشان الاقى مواصلات قبل ما يبدأ الحظر”، تستكمل نهى “بقيت بركب مواصلتين أو تلاتة عشان أوصل شغلى، الناس كلها بتكون راجعة بيتها وأنا خارجة والمواصلات قليلة”.
تضطر نهى للعمل بوردية ليلية منذ بداية عملها، تاركة ابنتها ذى العام ونصف عام مع والدتها لحين عودتها فى الصباح من اليوم التالى، “كل يوم، قبل ما دخل البيت بطهر إيدى بالكحول، وأول مادخل أبدأ اغسل لبسى كله بمسحوق وخل
فى تصريح سابق لها، أكدت انتصار السعيد، رئيس مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، أن تحايل أصحاب العمل على تنفيذ القانون يجعل المرأة المصرية تعمل بلا حقوق، وفي ظل ظروف صعبة، خاصة فى القطاع الخاص، موضحة أن الأم العاملة تعانى في الكثير من المؤسسات بسبب عدم توافر الحضانات في مقر عملها، وعدم الحصول على إجازة لرعاية الطفل، بالإضافة إلى معاناتها الشديدة من انعدام وسائل المواصلات التي تقلّها إلى مركز عملها.
منذ بداية الأزمة، لم تستطع نهى البقاء أو العمل من المنزل كالكثيرين، »أنا مش شغل حكومى، والأيام اللى هقعدها هتتخصم منى، هصرف على بنتى منين ، تستكمل: اتطلقت بعد عشر شهور من جوازى. لما ولدت بنتى، باباها قالي أنا مليش عيال، ارميها فى ملجأ أو حطيها فى كيس أسود وارميها فى الزبالة .«
فى منتصف شهر مارس الماضى، حصلت نهى على حكم بـ 400 جنيه نفقة لابنتها، “لازم استنى 40 يوم عشان أخد الصيغة التنفيذية للحكم، وبعدين أقدم فى بنك ناصر، ولو المحكمة ماوصلتش لعنوان طليقى، الحكم مابيتنفذش.
تقول إسلام أمين، استشارى الطب النفسى، أن الأمهات الوحيدات اللاتى يعولن أسر بمفردهن، أكثر عُرضّة من غيرهن للإصابة بأمراض نفسية، كاضطراب القلق العام، ونوبات الهلع، خاصة خلال هذه الظروف، وذلك بسبب التوتر المستمر والخوف من الإصابة أو نقل العدوى لأحد أفراد الأسرة، وكذلك فكرة الموت وترك الأطفال بلا عائل، كل ذلك قد يصيبهن بمرض الاكتئاب أيضًا.
وأشارت إسلام، أن مع الإصابة بالاكتئاب، تكون هناك احتمالية أكثر إلى نقص المناعة بالجسم، مما قد يترتب عليه مشاكل جسدية أخرى.