ترجماتثقافة و فنمجتمع

إفطار عمل “في الحمام” .. تاريخ التحرش الجنسي لرجل الأوسكار

تحرش المنتج هارفي واينشتين بعشرات الممثلات والموظفات وكان الكثير يعرفون

 

هارفي مع نيكول كدمان


 

تحقيق نيويورك تايمز

ترجمة وإعداد مي عبد الغني

قبل عقدين  من الزمن، دعا هارفي وانشتاين، منتج هوليوود، الممثلة  أشلي جود إلى فندق بيفرلى هيلز،وهو  ما ظنته الممثلة الصغيرة إفطار عمل. لكن بدلاً من العمل قابلها هارفي  في غرفته مرتدياً روب الحمام وطلب أن يدلك لها جسدها، أو أن  تشاهده وهو يستحم. قالت وود في مقابلة لاحقة أنها كانت تفكر: كيف تهرب من الحجرة بسرعة دون أن تستثير عنفه؟.

وفي 2014، دعا هارفي ” إيملي نيستور”،موظفته، إلى نفس الفندق، وعرض عليها أن يساعدها في مسيرتها المهنية إن قبلت عروضه الجنسية، وفقاً للسجلات التي قدمتها لزملائها وأرسلوها بدورهم لإدارة شركته التنفيذية. وفي العام التالي قالت مساعدة له: إنه أجبرها على أن تقوم بعمل تدليك له وهو عاري الجسد، بينما كانت تبكي. وفي خطابها إلى المديرين التنفيذيين للشركة، كتبت لورين أوكونور قائلة ” إن بيئة العمل في هذه الشركة سامة لأى إمرأة”.

كشف التحقيق الذي أجراه نيويورك تايمز اتهامات لم يتم البت بشأنها ضد السيد واينشتاين، على مدار ثلاثة عقود. العديد من الوثائق والمقابلات مع موظفين حاليين وسابقين، وسجلات قانونية، ومستندات من داخل شركته.

صرح مسؤولان بالشركة -رفضا ذكر اسمهما- أن واينشتاين  أنهى ثمان قضايا – على الأقل- كلها اتهامات بالتحرش الجنسي. ومن بينها

كانت: مساعدة له في نيويورك 1990، ممثلة في 1997، ومساعدة في لندن 1998، عارضة إيطالية في 2015، والسيدة اوكونر بعدها بقليل.  

هارفي مع هيلاري كلينتون

وفي تصريح للتايمز يوم الخميس رد واينشتاين قائلاً” أعرف أن الطريقة التي تصرفت بها مع الزميلات في الماضي سببت لهن الألم، وأعتذر عنها”. وأضاف أنه يزور معالج نفسي، ويعمل على حل هذه المسألة وما زال أمامه طريق طويل.
وصرحت محاميته “ليزا بلوم” أنه ينكر أغلب هذه الاتهامات، كما وصف أقوال السيدة أوكونور بأنها “خارج السياق”. ورفض هو ومحاميته التعليق على التسويات القضائية التي قام بها مسبقاً، لاسيما التي أنهاها بدفع تعويضات مالية.
ورغم أن السيدة أوكونور كتبت ملاحظاتها هذه منذ عامين فحسب، إلا أن قصتها حاكت شكاوى الكثير من النساء. طلب منها واينشتاين أن تعد لقاء مع ممثلة واعدة بعد لقاء خاص في غرفته بالفندق. وجاء ما وصفته مطابقاً لأقوال نساء أخريات كن موظفات عنده، فقد تشككت أنه يستغل النساء الأضعف الآملين بالحصول على عمل.

وتراكمت الاتهامات على السيد واينشتاين، فهو المنتج الذي يشكل جزءاً هاماً من المحتوى الثقافي العام. فهو الفائز بست جوائز أوسكار لأفضل أفلام، وصاحب أفلام تاريخية مثلSex, Lies, and Videotape,” “Good Will Hunting”“Pulp Fiction” .  ويقدم نفسه للعامة على أنه أسد الليبرالية وبطل المرأة والحائز على جوائز إنسانية لا فنية فحسب.

قالت العشرات من الموظفات السابقات والحاليات عنده أنهن كن يعلمن بالممارسات غير اللائقة وقت عملهن لحسابه، والقليلات هن من قمن بمواجهته. و يلزم واينشتاين موظفيه بمبدأ الصمت، إذ تنص عقودهم أنه ليس من حقهم انتقاد سياسات الشركة أو مديريها بطريقة تؤذي سمعتها أو سمعة أى موظف بها. وتقبل أغلب النساء بالتسويات المالية نظراً لبند السرية الذي يمنعهن من الحديث عن تفاصيل الأحداث التي لاقوها.
وعلق تشارلز هاردر محامى واينشتاين إن هذه التسويات المالية ليست شيئاً غريباً لتفادي الدعاوى القضائية المكلفة والطويلة، وأنها ليست دليلاً على أى شيء.

بينما تقاضت النساء المتورطات في تسويات وينشتاين ما يقرب من 80 ألف إلى 150 ألف دولار- وفقاً لبعض المصادر المطلعة- كانت نظيراتهن اللاتي تعرضن للتحرش من روجر أيلز وبيل أورايلي ممثلي اليمين المحافظ الشهرين، تقاضين ملايين الدولارات.

رفضت أوكونر لقاء التايمز ، إلا أنها علقت في رسالتها التي وجهتها لمديري شركة واينشتاين ، قائلة أنها مازالت موظفة صغيرة تخشى عواقب الحديث، لكن البقاء صامتة تجاه ما شهدته يسبب لها ألماً عظيماً.  وفي لقاء تلفزيوني، قالت أشلي جود الممثلة ، أن النساء كلهن يتحدثن عن أفعال هارفي منذ وقت طويل، و تأخرنا في التصريح بها للعلن.



في رواية أخرى

قبلت الأنسة نستور، محامية وطالبة بكلية الإدارة، دعوة واينشتاين للإفطار، لأنها لم ترد أن تفوت فرصة كهذه. وعندما وصلت عرض عليها أن يساعدها مهنياً بينما استمر في الحكي عن عدد الممثلات اللاتي أقمن معه علاقة جنسية. ورفضت نستور – التي لم توافق على التعليق على الحادثة- عرض واينشتاين، وجاء في الوثائق أنها كانت محبطة أنه لم يكن مهتماً بسيرتها الذاتية ولا مهاراتها. وبينما لا تبلغ النساء مسؤولي الموارد البشرية عن هذه القصص، إلا أنها دائماً ما تصل للمديرين التنفيذيين عبر موظفين آخرين.

ولسنوات كانت الإفادات تشترك في نفس الرواية، أن النساء يُدعين إلى الفندق لعرض عمل، ثم يكتشفن نواياه الأخرى.وكما جاء في رسالة السيدة أوكونر” إن العمل معه يعني إيقاظه في الصباح، والقيام بمهام في ساعات الليل المتأخرة، مساعدته على النوم، وعلقت الشابات اللاتي مررن بهذه الوظيفة أن كل هذا كان مربكاً وغير مريح.

ووصفت ثمان نساء في لقاء تليفزيوني، تصرفاته كالتالي: كان يظهر نصف عاري أو عارياً تماماً،  يطلبهن وهو في الحمام، يطلب منهن مراراً أن يدلكن جسده، أو يفعل لهن ذلك فجأة، و علقن أنه كان يغير المواضيع بسهولة، ففي لحظة يتحدث عن الاجتماعات والمواعيد وفي الثانية يلقي تعليقات حميمة. ونصحت سيدة زميلتها أن ترتدي معطف سميك إذا استدعيت لواحدة من هذه المهام كوسيلة حماية أمام هذه التصرفات. “

نتيجة بحث الصور عن ‪harvey weinstein ashley‬‏
أشلي جود



كل النساء الاتي قابلتهن التايمز لا يعرفن بعضهن البعض، ويعشن في مدن مختلفة، واشتركن أن سنهن بين العشرين والأربعين، وقال البعض أنهن لم يبلغن عن هذه التصرفات لعدم وجود شهود، أو لخوفهن أن يقاضيهن، او شعرن بالإحراج. لكنهن جميعاً أخبرن الزملاء بما يجري معهن.

كان قسم الموارد البشرية سيء الأداء في فرعي الشركة في نيويورك ولندن، لذا تضامنت الموظفات معاً. حينما كانت واحدة منهن تستدعى لاجتماع بمفردها كانت تذهب مع زميلة كي لا ينفرد بها واينشتاين. وعلقت إحدى الموظفات السابقات” كيف يمكن أن تتفق كل الإدعاءات على نفس الرواية ، شابة صغيرة ، ومدير نافذ السلطة ، حتى أسماء الفنادق والعروض المقدمة تتكرر على مدار ثلاثين عاما.
” لم يكن الأمر سراً للدائرة المقربة” تقول كاثي ديكليز سكرتيرة سابقة لواينشتاين، ومشرفة لفتاة أخرى غادرت الشركة غاضبة بعد مواجهة معه، ثم تلقت تعويض مالي فيما بعد. كان الحديث عن الأمر مكلفاً، لأن العمل مع واينشتاين كان مجزياً، ويساعد على الشهرة، حتى أن الكثير من موظفاته تقدمن في عملهن في هوليوود بعد ذلك.

في خريف 1998، قامت زيلدا بيركنز ، موظفة كانت تبلغ 25 عاماً آنذاك، بمواجهة أينشتاين وطالبته بأن يتوقف عن تصرفاته وإلا ستثير الأمر علناً، أو تقاضيه. ولاحقاً قام ستيف هوتينسكي أحد محاميي المجموعة بتسوية الأمر مع بيركنز ومحاميها، لكنه رفض التعليق للتايمز. وكذلك رفضت بيركنز التعليق على الحادثة أو التسوية التي أجرتها.

مفاوضات قسرية.

أما الممثلات فإن العمل مع واينشتاين كان يحمل الكثير من الفوائد؛ عروض سيناريو، أدوار، حملات إعلانية، الظهور على أغلفة المجلات، وصفقات مغرية. في النهاية هو قادر على أن يجعل من أفلام صغيرة، منافسين في البوكس أوفيس كما فعل مع“The King’s Speech”. ودفعت أفلامه بمسيرة ممثلات مثل كاثرين زيتا جونز في“Chicago” و جينيفر لورنس في  “Silver Linings Playbook.

في عام 1997، دفع أينشتاين لروز ماكجوان، البالغة 23 عاماً إبان ذاك، تعويضاً لتسوية دعوى حول حادثة جرت في غرفة فندق أثناء مهرجان Sundance. التعويض البالغ 100 ألف دولار كان لمنع إقامة الدعوى، حسب الوثائق التي اطلعت عليها التايمز. ماكجوان التي شاركت في فيلم  “Scream” وأدت بطولة مسلسل “Charmed.”  رفضت التعليق على القضية، ما أثار المزيد من الشك.

وقبل شهور من رسالة السيدة أوكونر، استقالت مساعدة بالشركة بعد شكاوى عن إجبارها القيام بمهام لواينشتاين. السيدة التي طلبت عدم ذكر اسمها حفاظاً على خصوصيتها، قالت أن اتفاقية السرية منعتها من فضح الأمر.
لكن استمرار هذه الشكاوى أدى بإدارة الشركة أن تبدي ملاحظاتها لاحقاً.

في مارس2015، دعا واينشتاين العارضة الإيطالية أمبرا باتيلانا، إلى مكتبه في مساء الجمعة لمناقشة مهنية. وفي خلال ساعات قامت باستدعاء الشرطة. وفي التحقيقات ذكرت أنه أمسك بصدرها و وضع يده تحت تنورتها. وانتشرت القصة على صفحات مجلات الإثارة، وتولت شرطة نيويورك التحقيق في جلسات خاصة. ووفقاً لمصادر مقيدة باتفاقية السرية ، قام واينشتاين بالدفع لباتيلانا لتسوية الدعوى.

إلا أن إثارة القصة علناً أقلق بعض أعضاء مجلس إدارة الشركة. وحين ضغطوا عليه قال أن المرأة هي التي أوقعت به.  ولم تجب باتيلانا على اسئلة التايمز حول القصة، ولم نستطع الوصول لمحاميها.

وفيما بعد؛ أعلن لانس ميروف، عضو مجلس إدارة، أنه مرر قانون داخلي يوضح تفصيلاً اللغة المعتبرة على أنها تحرش جنسي. ثم ظهرت رسالة أوكونر ، صفحات طويلة مليئة باتهامات تفصيلية. وفي لقاء مع ميروف، أوضح انه أصر على استدعاء محامي من خارج الشركة ليفصل في حقيقة ما أوردته أوكونر. لكن التحقيق لم يستمر لأن واينشتاين دفع تعويض لأوكونر ولم يعد هناك شيء يُحقق فيه.

تقول أوكونر، في بريد أرسلته لقسم الموارد البشرية-” لأن هذه المشكلة تم حلها ، تراجعت عن شكواي.” وكان ذلك بعد ستة أيام فحسب من رسالتها الأولى. كما بعثت رسالة إلى واينشتاين تشكره فيها على ما منحها إياه من فرصة للتعلم عن صناعة الأفلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى