ترجماترياضة

واشنطن بوست: “محمد صلاح” القوة الموحدة التي يحتاجها العالم الآن

كاتب أمريكي: في روسيا لن نُشاهد صلاح فقط باعتباره مهاجمًا موهوبًا للغاية بل رمزًا وطنيًا يضع أمة على كتفه مرة أخرى

المصدر: Afshin Molavi –The Washington Post

ترجمة: ماري مراد

قال المذيع التليفزيوني “بسم الله الرحمن الرحيم” بينما كان لاعب كرة القدم ذو الشعر الأشعث يقف ليسدد ركلة جزاء، وكان الملعب المزدحم بالقرب من مدينة الإسكندرية المصرية مليئًا بالطاقة المتوترة. تضاء أجهزة التليفزيون في جميع أنحاء الأرض، كل العيون على هذه اللحظة وهذه الركلة.

المذيع قال مرة أخرى: “بسم الله الرحمن الرحيم”، مذكرا بكلمات مألوفة للمسلمين في كل مكان. إذا كانت ركلة الجزاء تستحق التدخل الإلهي، هذا كان. مصير مستقبل مصر في كأس العالم يكمن مع هذا الشاب محمد صلاح في مواجهة حارس الكونجو.

صلاح لم يكن غريبا على الضغط. في ذلك الوقت، لعب في الدوري الأكثر مشاهدة في تاريخ الرياضة -الدوري الإنجليزي الممتاز- وعرض بالفعل العظمة التي أدت إلى موسم قياسي لليفربول. النجاح في بريطانيا جعل صلاح لديه عشرات الملايين من الدولارات وصنعه بطلًا في قارتين، ولكن النجاح في المنتخب الوطني، كما يعرف الجميع، سيجعلك شيئا آخر: أسطورة.

المذيع قال: “يا رب.. يا رب.. يا الله.. يا الله” عندما بدأ المهاجم الذي يبلغ من العمر 25 عامًا في الركض نحو الكرة. ثم كرر اسم اللاعب: “محمد صلاح، محمد صلاح، محمد صلاح” وكأن اسمه أنشودة.

بعد ذلك، في غضون ثوان انتهى الأمر. فعل صلاح ما يفعله بشكل أفضل: تقدم إلى الأمام، وتحرك نحو الكرة، وضرب الكرة بقدمه اليسرى لتدخل الكرة في الشباك. ولدت أسطورة. مصر ستذهب إلى كأس العالم للمرة الأولى منذ 28 سنة حتى قبل أن يولد صلاح.

قدم هدف صلاح للمصريين لحظة من الفرح الخالص. بعد ذلك، عاد صلاح إلى ليفربول وجمع ذلك الفرح مع واحد من أكثر المواسم الحافلة المجيدة لأي نجم دولي في اللعبة الحديثة لإفراح عشاقه في مصر، حيث دخل إلى مستوى مرتفع جديد. قال لي الكاتب محمد المنشاوي: “لم أرَ أبدًا شيئًا مثل ظاهرة صلاح. هذه هي المرة الأولى في التاريخ الحديث التي رأينا فيها مثل هذه الشخصية تظهر، قوة موحدة لكل المصريين. الشخصية الوحيدة التي تقترب من ذلك قد تكون الممثل المصري الأسطوري عمر الشريف”.

في أواخر أبريل، دخل صلاح في حالة أسطورية ببريطانيا، حيث سجل 32 هدفًا ليحطم الرقم القياسي للتسجيل في موسم واحد بالدوري الإنجليزي. وبذلك فاز على كريستيانو رونالدو، الذي سجل 31 هدفا خلال موسم 2007-2008 لمانشستر يونايتد. تخيل لاعب كرة سلة معروف بشكل معتدل يكسر سجلات موسم واحد لمايكل جوردان أو ليبرون جيمس وستصلك على صورة لصعود صلاح.

مشجعو ليفربول أطلقوا على صلاح “الملك المصري” وألفوا أناشيد جديدة لصلاح، بما في ذلك أغنية تقول: “إذا سجل عددا قليلا آخر من الأهداف، فسأصبح مسلمًا أيضا”. في بريطانيا ما بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي- الممزقة بمناقشات تتعلق بالهجرة المثيرة للجدل- هنا كان مصريًا مسلمًا شديد الانتباه يسجد بعد إحراز الأهداف، يقبله المؤمنون في ليفربول في الدين العالمي المعروف في جميع أنحاء العالم باسم كرة القدم، يسد الفجوات الثقافية في حين يضيء لوحات النتائج.

بعودته إلى وطنه، صلاح أصبح أكثر إفراطًا في الأعمال الخيرية من إحراز الأهداف، إذ تبرع على نطاق واسع في مسقط رأسه الصغير. كما أنه نجم في وسائل التواصل الاجتماعي لكنه يستخدم “تويتر” و”إنستجرام” باحترام وقليلًا. وعندما اقترح كاتب عمود مصري أن صلاح يجب أن يقص لحيته لئلا ينظر إليه على أنه قريب جدا من الإسلاميين، انفجرت “تويتر” بمصر، مطالبًا الكاتب بالتراجع. الدروس المستفادة: لا تعبث مع مو صلاح.

بعد ذلك، بنفس السرعة التي انتشرت بها قصة مو صلاح على المشهد، حدثت المأساة في 28 مايو حينما أُصيب صلاح من قبل لاعب بالفريق المنافس في بطولة دوري أبطال أوروبا، فسقط صلاح أرضًا وأصيب بخلع في الكتف. وقال لي المنشاوي: “الحادثة مثل 11 سبتمبر في مصر. الناس كانوا يبكون. البلد بأسرها كانت تصلي”.

بالنسبة للرجل الذي وضع الفريق والأمة على كتفيه، أصبح موضوع كتف صلاح هاجسًا يوميًا. تشير التقارير المبكرة إلى أنه يجب أن يكون جاهزًا للمشاركة في مباراة المجموعة الثانية في كأس العالم عندما تواجه مصر، روسيا المضيفة في 19 يونيو. لكن تظهر تلميحات بأنه ربما يكون مستعدًا لخوض مباراة مصر الافتتاحية ضد أوروجواي في 15 يونيو.

هو بالفعل يتسبب في إثارة الضجيج في غرونزي، عاصمة الشيشان، حيث يتدرب منتخب مصر. الرئيس الشيشاني رمضان قديروف -الذي تتهمه منظمات حقوق الإنسان بمجموعة واسعة من الانتهاكات- استمتع بإشراقة صلاح عن طريق القيادة إلى فندقه شخصًا لاستعادة النجم الذي لم ينضم بعد إلى زملائه، ودخل أرض الملعب منتصرا بصحبة صلاح لتحية الحشود.

الباحث المصري صموئيل تادرس، مثل كثير من المصريين، يأمل أن يرى حشودا تهتف لصلاح في مباراة حقيقية وليس مجرد تمرين. الأمر لا يتعلق بالكرة فحسب، إذ يقول تادرس لي: “نحن لم ننتج شخصيات كبرى منذ أم كلثوم ونجيب محفوظ. الناس يأتون من جميع أنحاء العالم ليروا حضارتنا القديمة، لكن نجاحاتنا الحديثة قليلة. صلاح ملأ هذه الفجوة بطريقة كبيرة”.

الكاتب والشاعر حنيف وضعها في أفضل صورة ثاقبة في “بليتشر ريبورت” عندما قال: “محمد صلاح لاعب يقدم العديد من اللمحات في العديد من الأماكن في وقت واحد. ولكي أكون صادقاً، فهو لا يهدف إلى توحيد العالم بل إلى انكماشه. بحيث يكون لكل فرد مكان صغير للغناء والانحناء حمدًا. ليس له بل بجانبه”.

لذا، حينما ينزل صلاح الملعب في روسيا، لن نُشاهده فقط باعتباره مهاجمًا موهوبًا للغاية، بل رمزًا وطنيًا، يضع الأمة على كتفه مرة أخرى، واللاعب الذي أصبح قوة عالمية موحدة في عالم مُحطم للغاية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى