ترجماترأي النخبة

جون أندروز: جلباب جديد لولي العهد

سياسات “متهورة” في عهد سعودي جديد

 

جون أندروز

 

باريس – في شهر يونيو/حزيران الماضي، قطعت كل من البحرين ومصر وليبيا والمالديف والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة واليمن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر. سوف تنتهي هذه الأزمة الخليجية بطريقة أو بأخرى. لكن لا نعرف ما إذا كان هذا المسار جيدا بالنسبة إلى متزعم الأزمة الرئيسي، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

ويمكن أن يأتي حل متطرف ولكن غير محتمل للأزمة في شكل تغيير النظام من قبل الجيش، حيث سيتم استبدال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بعضو أكثر ليونة في أسرة آل ثاني. في سيناريو أكثر احتمالا، قد تتوقف قطر عن توفير الملاذ لعدد قليل من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وحماس، وقد تتعهد بكل وضوح بأن تكبح قناة الجزيرة، شبكة التلفزيون التي تُمولها الدولة القطرية، والتي تُبث في جميع أنحاء المنطقة.

وفي السيناريو الأخير، فإن الدبلوماسيين من الكويت وعمان، الذين يتوسطون في النزاع، سيعتبرون أنفسهم صانعي للسلام، وسيدعي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أنه رجل دولة. وقد شعرت الحكومات الغربية بالقلق من أسعار النفط ومن مستقبل قاعدة العُدَيد الجوية الأمريكية فى قطر التي سوف تبقى مضمونة على الأقل حتى أزمة الخليج القادمة. ولكن إذا استمر الأمير محمد بن سلمان في انتهاج سياسات متشددة، وحافظت قطر على ثروتها النفطية لتتجاوز ثقلها في السياسة الإقليمية، فإن هذه الأزمة قد تتفاقم.

ولا تكاد تُحيلنا آخر المواقف السعودية-القطرية على مثال “فخ ثوسيديدس” الذي يميل فيه مهيمن إلى قمع منافس يقترب من قوته. ويبلغ سكان السعودية نحو 32 مليون نسمة، ثلثهم من العمال الأجانب. ويناهز سكان قطر 2.6 مليون نسمة فقط، 90٪ منهم أجانب.

وبدلا من ذلك، فإن جوهر هذه المسألة هو شبه البارانويا لدى القادة العرب السنة في السعودية والقناعة بأن إيران – التي هي في الغالب شيعية وغير عربية- تتنافس على مكانة “القوة العظمى” في الشرق الأوسط. السعوديون مقتنعون بأن قطر تساعد إيران في هذا المسعى، على الرغم من أن قادة قطر يتقاسمون الأيديولوجية الوهابية مع السعودية.

وبطبيعة الحال، لدى المملكة العربية السعودية بعض الأسباب للاشتباه. بعد الثورة الإيرانية في عام 1979، دعا آية الله روح الله الخميني إلى الثورة في جميع أنحاء العالم الإسلامي. بعد جيل، أصبح لإيران موطئ قدم في العراق ولبنان وسوريا واليمن، حيث تُساعد المتمردين الحوثيين على تعطيل غزوة الأمير محمد بن سلمان السيئة لذلك البلد. والآن وبعد أن فرضت المملكة العربية السعودية حصارا على قطر، تبعث إيران مساعدات إلى هذه الأخيرة، وتسلمها الأغذية وتسمح للخطوط الجوية القطرية باستخدام مجالها الجوي.

ومن الجدير التساؤل عما إذا كان الأمير محمد بن سلمان مخطئا في قراءته للحقائق السياسية والاقتصادية. فبعد أن استفاد من سلطات لم يسبق لها مثيل باعتباره الابن المفضل للملك سلمان، هل يمكن القول إنه ذهب بعيدا جدا؟

وشغل الأمير محمد بن سلمان منصب وزير الدفاع السعودي منذ يناير/ كانون الثاني 2015. ولكن حرب السعودية على اليمن، التي استمرت لعامين الآن، أصبحت كارثة إنسانية، مع الحصار البحري الذي أدى إلى انتشار المجاعة و000 500 حالة من الكوليرا.

وفي الوقت نفسه، في الحرب الأهلية في سوريا، دعم السعوديون (والقطريون) عدة جماعات إسلامية غير مواتية، لكنهم لم يتمكنوا من الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد. في ميزان القوى في المنطقة، يتنافس التحالف المناهض للأسد الذي ترعاه السعودية -مع تقديم أمريكا الدعم الجوي- مع التحالف الذي أقامه نظام الأسد المرتبط بالشيعة مع إيران وروسيا.

كما يواجه الأمير محمد بن سلمان تحديات أكبر في الداخل. وباعتبارها دولة نفطية بامتياز فإن المملكة العربية السعودية لطالما ضاعفت من الإنفاق على الرعاية الاجتماعية لصالح الشعب السعودي. وفي الوقت نفسه، حافظت على ولاء المؤسسة الوهابية من خلال إبقاء التغييرات الاجتماعية في حد أدنى. ولكن مع بقاء أسعار النفط منخفضة نسبيا، لم تعد المملكة تعتمد على سياستها التقليدية لشراء الأصدقاء وشراء الأعداء.

وبالفعل، يعترف الأمير محمد بن سلمان بأن الأمور يجب أن تتغير، بحيث تتناقص الاحتياطيات المالية للمملكة العربية السعودية، ويحتاج السعوديون الأصغر سنا -الذين تضاعف عددهم أربعة مرات في السنوات الثلاثين الماضية- إلى المزيد من الحريات، وسيحتاجون إلى وظائف خارج قطاع النفط. ولمعالجة هذه القضايا، طرح الأمير محمد بن سلمان ” رؤية 2030″، وهي خطة جريئة ولكنها ليست بالضرورة واقعية لتنويع الاقتصاد، وخصخصة جزء من شركة النفط الوطنية، وشركة أرامكو، وتوسيع القطاع الخاص. وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الأمير محمد بن سلمان لديه خطة لإنشاء منتجعات سياحية متكافئة تضاهي منتجعات دبي.

ونظرا للمشاكل في الخارج والتذمر في الداخل، حيث يستاء البعض في العائلة المالكة السعودية من صعود الأمير محمد بن سلمان المفاجئ، يحتاج هذا الأخير الآن لإثبات أنه لديه النضج والخبرة لقيادة البلاد. هنا، قد يتلقى مساعدة من مصدر غير محتمل. وفي نهاية يوليو/ تموز، استضاف الأمير السيد مقتدى الصدر، زعيم أقوى الميليشيات الشيعية في العراق، في أول زيارة له إلى المملكة العربية السعودية منذ عام 2006. وفي وقت سابق من هذا العام، قام رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، بعد أن قام وزيرا الخارجية والطاقة السعوديان برحلات إلى بغداد.

وتشير هذه الرحلات، وهي الأولى من نوعها بين البلدين منذ عقود، إلى أن العراق والمملكة العربية السعودية قد تكونان على علاقة جديدة ذات فائدة متبادلة. وبفضل علاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية، يمكن لقادة العراق تحرير أنفسهم من قبضة إيران الطاغية على صنع القرار، والاستفادة من نفوذ المملكة العربية السعودية على القبائل السنية في العراق، وجلب الاستثمارات السعودية لإعادة بناء الموصل بعد استعادتها من تنظيم الدولة الإسلامية.

من جهتها، ستستفيد السعودية من نجاح العراق ضد داعش، عدو آل سعود اللدود، ومن مساعدته في تهدئة المعارضة الشيعية في الحافظة الشرقية الغنية بالنفط في السعودية. وفي الوقت نفسه، سوف يصور الأمير نفسه كمفكر استراتيجي قادر على سد الفجوات العربية القديمة، والحد من تأثير إيران في المنطقة.

ومع ذلك، لا تزال هناك أسئلة كثيرة. ومن غير الواضح متى ستنتهي العملية الكارثية في اليمن، وهل ستواصل إيران وتركيا تقويض الحصار المفروض على قطر. وبقي أن نرى ما إذا كانت قطر سوف توافق على مطالب المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، لا سيما الدعوة إلى إغلاق قناة الجزيرة.

على أي حال، لا شيء من هذه التطورات يبدو وشيكا، لذلك على ولي العهد البالغ من العمر 31 عاما أن يتعلم كيف يخفف من تهوره. وكما يقول المثل العربي، الصبر مفتاح الفرج.

جون أندروز هو مؤلف كتاب ” العالم في الصراع”.

 

جقوق النشر: بروجيكت سينديكات، 2017.
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى