سياسة

نيويورك تايمز : تسريبات السيسي ..أدلة صحيحة وتكليفات منحازة

 نيويورك تايمز: الإخوان يستخدمون تسريبات السيسي في قضية  أمام المحاكم البريطانية ضد القادة الذين أطاحوا بمرسي

نيويورك تايمز – ديفيد كيركباترك – ترجمة: محمد الصباغ

ظهرت على مدار عدة أشهر تسجيلات مسربة عقب عملية تنصت نادرة على محادثات محرجة دارت بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ودائرته المقربة من لواءات الجيش.

يمكنك أن تسمع – في التسجيلات – السيسي واللواءات وهم يسخرون من  قادة الخليج العربي، وينسجون الخيوط للتلاعب بالمحاكم ووكالات الأخبار ودول الجوار. كما يخفون مليارات الدولارات في حسابات عسكرية لا تسيطر عليها الحكومة المدنية، هذا لو كانت التسجيلات صحيحة.

ظهرت بعض الأدلة الآن تفترض أن تلك التسجيلات صحيحة. ففي ثلاثة تقارير تسلمتها الشرطة البريطانية من شركة لها مكانتها في مجال التحقق من التسجيلات الصوتية. وجدت الشركة دليلا “قويا نوعا ما“ على صحة صوت السيسي في اثنين من التسجيلات وأيضاً صوت اللواء ممدوح شاهين في تسجيل آخر.

قالت شركة “جاي بي فرينش اسوسياتس” (J. P. French Associates) إنه لا وجود لأي مؤشرات على أن التسجيلات تم تزييفها باقتطاع تصريحات من خطابات مختلفة. وأضافت أن هذا الأمر غير محتمل.

أما المجموعة التي كلفت الشركة بتدقيق التسجيلات فهي متحيزة، وهم مجموعة من المحامين المنتمين لحزب الرئيس الذي أطيح به، محمد مرسي، المنتمي بدوره لجماعة الإخوان المسلمين. وكان آنذاك السيسي أحد قادة الجيش وأطاح بمرسي في عملية إستيلاء عسكرية على السلطة عام 2013. يحاول المحامون استخدام تلك التسجيلات كدليل في قضية جنائية ببريطانيا ضد القادة الذين استولوا على السلطة بالتعذيب وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان.

لكن الكثير من المثقفين المصريين والدبلوماسيين العرب والغربيين في القاهرة قالوا إنهم بالفعل تقبلوا فكرة أن التسجيلات صحيحة، بعد الحالة المتزايدة من الإنكار الحكومي. وقد تم تسريب أكثر من ساعتين من التسجيلات منذ الخريف الماضي.

عقب الرد السريع بأن التسريبات الأولى كانت مزيفة، أصبحت الحكومة تشعر بالضيق من الجدل حول مدى دقة بقية التسجيلات. ورفض المتحدثون باسم الرئاسة، والدفاع، والخارجية  التعليق أو العودة للحديث عن تلك التسريبات عند كتابة هذا التقرير.

اعتبر المعلقون إن التعاطف مع السيسي قد قلل من التساؤلات. وقال محمد حسنين هيكل،عميد الصحفيين المصريين، عن التسريبات في لقاء تلفزيوني منذ أشهر: ”في أوقات الاضطرابات الجميع يسجلون“.

فيما قال آخرون إن وجود التسريبات هو أمر محرج أكثر من محتواها. تحدثت رباب المهدي، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة: ”لا تخبرنا فقط بوجود انقسامات فيما بينهم، بل تخبرنا أيضاً بأنهم غير أكفاء، بعد خروج تلك التسجيلات من داخل وزارة الدفاع طوال تلك الفترة الزمنية“.

يبدو أن كل التسريبات تم تسجيلها في مكتب اللواء عباس كامل، أحد كبار مساعدي السيسي، خلال العام الذي سبق انتخاب السيسي رئيساً. وتقريباً كل التسريبات تشير إلى أحداث إطاحة الجيش بمرسي، و تم إذاعة معظمهم من خلال فضائيات إسلامية تبث من خارج مصر.

أما الإعلام المصري فتجاهلها بشكل واسع. وظلت الجرائد والقنوات الخاصة في اتجاه واحد تهلل للسيسي، كما اعتادوا منذ الإطاحة بمرسي.

وفي أحد التسجيلات المسربة ظهر كيف أن اللواءات يعتقدون أنهم قادرون على تقديم تغطيتهم الإخبارية الخاصة بهم. يقول اللواء كامل لزميله: ”هناك أمر نود من كل الشخصيات الإعلامية على الشاشات أن تناقشه“، وأضاف أن الأمر هو أن أي انتقاد للرئيس السيسي هو ”عار“ للأمة.

ثم تحدث عن بعض مذيعين التوك شو، وقال كامل إنهم يجب أن يذكروا العامة بأن السيسي ”شجاع متميز حر مصري وطني“، وانتقاده هو ”انتوا بتشهروا بالحاجة الجميلة اللي لقيناها في حياتنا.“ واقترح كامل أن يقال ”شعبنا المصري العزيز، هل تريدون أن يحدث ذلك لرجل ضحى وتعب؟“

ثم سأل من كان يتحدث معه، وقال ”شايف الكلام؟ انت بتكتب ولا لأ؟“، وأضاف: ”حفز الناس بهذا الكلام“.

أما السيسي نفسه ففي أحد التسريبات قال إنه يريد أن ينظر إليه كرجل ”في مهمة شبه مستحيلة“ و”يحمل مسؤولية دولة في أزمة وجود“، وهي الصورة التي تظهر بالفعل في وسائل الإعلام هنا.

وفي تسجيل آخر يطلب اللواء عباس كامل من اللواء شاهين، المساعد القانوني لوزير الدفاع، التدخل في القضاء من أجل طلب المساعدة فيما يتعلق بابن لواء زميل. وكان الابن ضمن الضباط المتهمين في قضية مقتل أكثر من 30 سجينا إسلاميا اختنقوا بالغاز المسيل للدموع في عربة الترحيلات. ووعد اللواء شاهين أن يقنع القاضي بالسماح لشهود دفاع أكثر مثل حراس السجن ومأمور القسم، وقال: ”أنا هكلمله القاضي على أساس أنه يسمح“. وأضاف: ”هجيبهمله هجيبهمله“، وكل الضباط تمت تبرئتهم في نهاية المطاف.

وكان اللواء شاهين أيضاً قد تحدث إلى وزير الداخلية آنذاك، محمد إبراهيم، من أجل ”فبركة“ وثائق للتغطية على احتجاز مرسي في قاعدة عسكرية بدلاً من السجن. ويخشى المحققون أن قضيتهم ضد مرسي ”هتبوظ لأن دفاع مرسي عمال يلاعبهم على موضوع حجزه خلال الفترة الأولانية“. وطلب من وزير الداخلية أن يغير التاريخ ”زي ما احنا متعودين“ في فترة حكم المجلس العسكري عامي 2011 و 2012.

و من جانب آخر أشار السيسي إلى أن المصريين متسامحون أكثر من الأمريكيين تجاه عنف الشرطة. ويقول السيسي لكامل: ”شفت الأمريكان لعبوا ازاي هناك؟“، بينما يشاهد القنوات التلفزيونية التي تنقل لقطات لاشتباكات الشرطة الأمريكية مع المتظاهرين. رد كامل: ”دي حاجة أقذر من اللي عندنا.الناس هناك مش متعودة على كدا“. ورد السيسي: ”طبعاً.. صحيح”.

قال السيسي أيضاً إنه يريد التعاون مع أحمد قذاف الدم، ابن عم الديكتاتور الليبي السابق معمر القذافي، من أجل ما يقول عنه الجنرالات أنه جهود من أجل ”تغيير ليبيا“ و ”الإطاحة بالإخوان المسلمين“.

وقال السيسي لأحد اللواءات: ”الأمر ضروري، قذاف الدم مهم سياسياً. بس دا عايز فلوس“.  ورد اللواء محمود حجازي: ”هيفتحلنا طرق“. ويعمل حجازي حالياً كرئيس للأركان وابنته متزوجه من ابن السيسي. وأضاف حجازي: ”احنا لسه ما قابلناش اللي اسمه ايه حفتر دا،“ مشيراً إلى اللواء الليبي خليفة حفتر، الذي أعلن بعد ذلك عن محاولة استيلاء على السلطة تشبه ما فعله السيسي، ويقاتل الآن الإسلاميون لفرض السيطرة على مدينة بنغازي.

بعض التسجيلات ارتبطت بالإمارات والسعودية والكويت حيث أعطوا مجتمعين لمصر أكثر من 42 مليار دولار خلال 22 شهرا لدعم استيلاء الجيش على السلطة.

في أحد التسجيلات التي تبدو أنها سبقت صعود الجيش إلى الحكم، ناقش اللواء كامل وضع أموال إماراتية في حساب بنكي يتحكم به اللواءات لإذكاء الدعوة إلى الإطاحة بمرسي.

فقال كامل للواء صدقي صبحي: ”والنبي يافندم احنا هنحتاج 200 من حساب تمرد. انت عارف سيادتك اللي هو الجزء بتاع الإمارات اللي حولوه“. وكانت حركة “تمرد” مجموعة مستقلة ظاهرياً تعمل على الخروج المبكر لمرسي من الحكم، ويوضح عباس كامل أنه يريد 200 ألف جنيه مصري.

وفي تسجيل لاحق أصدر السيسي تعليمات لعباس كامل بالإبقاء على التبرعات الخليجية، تحت سيطرة الجيش المصري وليس الحكومة المدنية.

يقول السيسي: ”تقوله أصل احنا محتاجين 10 يتحطوا في حساب الجيش. العشرة دول ساعة ما  ربنا يوفق وينجح هيشتغلوا للدولة“. ويبدو أن السيسي كان يشير إلى نجاحه في الانتخابات. وأضاف: ”وعايزين من الإمارات 10 زيهم ومن الكويت 10 زيهم وقرشين كمان يتحطوا في البنك المركزي، ويكمل حساب السنة بتاع 2014“. ويكمل لكامل قائلاً ”أنت بتضحك على ايه؟ يا عم الفلوس عندهم زي الرز يا عم“.

أما عن السعودية فيقول كامل في أحد التسريبات الأخرى: ”منطلبش فكة“ حول التبرع السعودي بحوالي 4 أو 6 ملايين دولار في مجال الخدمات الصحية.

وظهر كامل مع ضباط آخرين يضحكون من عجز الخدمات الصحية المدنية التابعة لوزارة الصحة المصرية. وقال أحدهم ضاحكاً: ”يمكن أن نسلمها لوزارة الصحة ونرى إن كانت مفيدة، ونكون خارج اللعبة“.

وفي مكالمة أخرى يبدو فيها السيسي مرتاباً من المبالغ التي تلقوها فيقول: ”لا، لا، مش 8 مليار دولار في ستة أشهر، لا“. قال ذلك قبل أن يقتنع بأن حساب ما جمعوه تخطى 30 مليار دولار. وقال ”بتفرج الحمد لله“. ورد كامل: ”الحمد لله“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى