اقتصادمجتمع

جلوبال بوست: نيل مصر يفرغ من الأسماك

جلوبال بوست: مهنة الصيد من النيل تنقرض في مصر  بسبب نفاد الأسماك

لورا دين – جلوبال بوست – ترجمة: محمد الصباغ

يهبط الرجل إلى حيث ترسو قوارب الصيد المصطفة بجوار بعضها، وفي الصباح الذي تزينه أشعة الشمس الفضية يقف مشيرا إلى بعض المراكب الصغيرة، ويقول: ”لديهم أسماك رائعة.. أنا ذاهب للشراء”.

طالما استمر نهر النيل في الجريان سيبقى الصيادون الذين يعيشون من خيراته، لكن لهؤلاء الذين يعيشون في القاهرة، يقول البعض إن المهنة التى عملت بها عائلات لأجيال طويلة شارفت على نهايتها.

يمتد نهر النيل عبر القاهرة وتتواجد بعض الجزر الصغيرة في منتصفه. وبينما أنت عالق في الزحام أعلى كوبري بوسط القاهرة، من المألوف أن ترى عائلة من الصيادين على متن قاربهم في منتصف النهر.

تقول ”أم محمد“، 36 سنة، وتعمل مع زوجها على أحد القوارب:”لا تتوافرالآن الأسماك كما كانت من قبل”، وتضيف: ”ما نحصل عليه لا يكفينا لنعيش.. في السابق كان كافياً، لم نكن في حاجة لأي شئ من أي شخص”.

تربي أم محمد أربعة أطفال، وولدت في قرية تعيش على صيد الأسماك في المنوفية ثم انتقلت إلى القاهرة للزواج من صياد قبل عام من إتمام عامها العشرين. ولم تنم ليلة على اليابسة، و تقول: ”لا أعرف حياة غير تلك“.

  في هذا العالم المترابط الأطراف، تصبح الحياة على قارب وسط النهر أكثر عزلة. وتقول أم محمد: ”لا نخرج كثيراً إلا لشراء الطعام، لماذا نصعد للأرض؟“. ولم تستخدم هى ولا ابنتها الإنترنت قط.

تشاهد العائلة تليفزيون صورته مشوشة ويتصل بالكهرباء عبر سلك طويل من القارب إلى الأرض. وفي بعض الأحيان يوصلونه ببطارية سيارة حتى يستطيعوا الحركة به بعيداً وسط المياه.

يتزين القارب برسم لحمامة وسط الغابة، وأرضية القارب مفروشة بسجادة بنية اللون.

 لم يدخل أي من أطفالها المدرسة، وتقول :”لقد أردت حياة أفضل لهم..  لكن لا أريد لابنتي أن تتزوج من صياد. لا مستقبل لذلك”.

ويشترك في هذا الاحساس عدد متزايد ممن تربوا بجوار النهر. الابنة ”مي“، 18 سنة، قالت إنها تريد أن تعيش ”فوق“، وهو التعبير الذي يطلقه الصيادون على الحياة بعيداً عن النهر.  وتضيف: ”أنا لا أشعر بالراحة هنا“، ثم تكمل حديثها مبتسمة أن الأمر الوحيد الذي لا تمانع فيه هنا هو ريجيم السمك ”فهو طعامنا المفضل هنا”.

وفي الحياة على القوارب تتراجع الخصوصية. فعلى القارب القريب تظهر سيدة ترتدي عباءة وتمشط شعرها وتنعمه.

تقول أم محمد: ”نصنع خيمة صغيرة وسط القارب حتى نستطيع تغيير ملابسنا”، وتضيف أنه في الجوار توجد حديقة ومن يعملون بها يسمحون لها وابنتها باستخدام الحمام.

وعلى عكس أم محمد، يعيش: ”رشاد حماد“، 39 سنة، في مجتمع يعمل بالصيد على جزيرة في وسط النيل في القاهرة. ويركب أبناؤه الخمسة العبارة متجهين إلى المدرسة صباح كل يوم. كان الرجل الذي يعمل في الصيد من وقت طويل قد غادر موطنه في محافظة أسيوط منذ 17 عاماً بسبب العنف هناك.

ويتفق رشاد في الرأي مع أم محمد، ويقول: ”لا أريد لأبنائي أن يصبحوا صيادين. الصيد ليس مهنة وبلا مستقبل. لم أذهب أبداً للمدرسة ولذلك أريد أن أعلم أبنائي”. ويضيف أن بناته الاثنتين جيدتين في الدراسة ويحبونها.

واضطرت زوجة رشاد بسبب الظروف وأطفالها الذين يذهبون للمدرسة، أن تبيع ما يصطاده في السوق بعد أن كانت لا تغادر بيتها.

يعتبر عدم وجود أسماك في النهرمن أهم المشاكل التى تواجه الصيادون حسب ما يقوله أحدهم. من المفترض أن تزود هيئة تنمية الموارد السمكية النهر كل ستة أشهر بأسماك جديدة، لكن خلال السبع أو الثماني سنوات الأخيرة لم يقوموا بذلك.

ويقول رشاد: ”الحياة في الماء صعبة.. لكن ماذا نفعل؟ نسرق؟“. ويعيش رشاد على جزيرة تغطي الزراعات معظم مساحتها بعيداً عن ضجيج وغبار القاهرة، ويقول: ”نحن هنا عائلة واحدة، لا توجد شرطة هنا”. لكن عند السؤال عن المستقبل الذي يراه لنفسه قال: ”صفر.. أعيش في غرفة مع سبعة آخرين. مستقبل ايه؟“.

ويتفق ”عبده“ مع ما قاله رشاد، ورغم أنه لا يعيش في النهر بل ينقل فقط السائحين في مركبه الشراعي، يقول: ”أردت أن أصبح صياداً لكن لم أستطع ذلك لأن حياتهم قاسية”.

وفي كل يوم تشاهد أم محمد وابنتها “مي” ورشاد وأبنائه من على قواربهم السائحين وهم يستأجرون المراكب الشراعية في لحظات الغروب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى