سياسة

نيويوركر: التراجيديا الأميركية

نيويوركر: التراجيديا الأميركية

نيويوركر- ديفيد ريمنيك 

ترجمة: محمد الصباغ – فاطمة لطفي

انتخاب دونالد ترامب رئيسًا ليس إلا مأساة للشعب الأمريكي، ومأساة للمؤسسات، ونصر لقوى معاداة الأجانب والنساء والاستبداد، في الوطن والخارج. نصر ترامب المفاجئ، ووصوله إلى الرئاسة، هو حدث مقزز في تاريخ الولايات المتحدة والديمقراطية الحرة. في 20 يناير 2017، سنقيم حفل وداع لأول رئيس أميركي أسمر، رجل ذو كرامة ونزيه وبروح كريمة، وسيشهد الحفل شخص مخادع فعل القليل لمنع تأييد قوى رهاب الأجانب والداعين للسيادة البيضاء. من المستحيل أن يكون لنا رد فعل الآن أقل من الاشمئزاز والقلق الذي لا ينتهي.

هناك بلا شك مآس قادمة: محكمة دستورية عليا شديدة الرجعية، وكونجرس يميني متحمس، ورئيس يزدري المرأة والأقليات، والحريات المدنية، ولم يُظهر أي شكل من الأدب، في تصريحاته المتكررة. ترامب سوقي إلى أبعد مدى، قائد لا يعرف شيئًا ولن يتسبب في اضطرابات للأسواق فقط لكنه سيزرع الخوف في قلوب المستضعفين، والضعفاء، وفوق كل ذلك، التنوعات المختلفة من الأشخاص الذين تعرضوا لإهانات بالغة منه. الأمريكيون من أصل أفريقي وأصحاب الأصول اللاتينية والمرأة واليهود والمسلمون. أفضل طريقة بها شيء من الأمل يمكن أن ننظر بها إلى هذا الحدث المؤلم- وهو ممتد- هو أن الانتخابات والسنوات التي ستتبعها ستكون اختبارًا لقوة أو هشاشة المؤسسات الأمريكية. ستكون اختبارًا لجديتنا وتصميمنا. في بداية يوم التصويت، تسببت الاستطلاعات في بعض المخاوف، لكنها أعطت أخبارًا إلى حد ما مبشرة من الديمقراطيين في ولايات كبنسلفانيا وميتشجين، وكارولينا الشمالية وحتى فلوريدا، بأن هناك كل الأسباب للتفكير في الاحتفال بفوز أول سيدة ووصولها إلى البيت الأبيض.

اختفت الانتصارات المتوقعة في ولايات مثل جورجيا، بشكل أكبر منذ أسبوع مضى، مع خطاب متهور ومدمر من مدير التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي) إلى الكونجرس حول إعادة فتح التحقيقات وظهور عبارات مدمرة مرة أخرى مثل “البريد الإلكتروني”، و”أنتوني وينر”، و”فتاة عمرها 15 عامًا.” لكن الاحتمالات كانت قائمة في صالح كلينتون. على الدوام، بدا ترامب كرسم كاريكاتيري ملتوي يعبر عن كل رد فعل فاسد من اليمين المتطرف. انتشاره بشكل طاغ وفوزه بالانتخابات  ضربة محطمة للروح المعنوية، حدث على الأرجح سيودي بالبلاد إلى فترة من مصير سياسي واقتصادي واجتماعي لا يمكن تخيله. ومع نجاحه بأغلبية، وقرار المصوتين بتقبل عالم ترامب الملئ بالكراهية والغرور والتهور والكذب، وازدرائه لمعايير الديمقراطية، هو حقيقة ستؤدي لا محالة إلى كل أشكال التراجع الوطني والمعاناة. في الأيام المقبلة، سيحاول المحللون تطبيع ما حدث. سيحاولون تلطيف الأثر على القراء والمتابعين بأفكار حول “الحكمة الفطرية” و”الأخلاق الأساسية” للشعب الأميركي. سيحاولون التهوين من خطورة النزعة القومية المنتشرة، والقرار القاسي بتصعيد رجل يسافر بطائرة مطلية بالذهب، وراهن على خطابه الشعبوي عن الدم والتراب الوطني. كان جورج أورويل على حق عندما أشار إلى الرأي العام، الناس يمكنهم التصرف بحماقة وتهور ويدمرون أنفسهم جماعيا كما يفعلون ذلك بشكل فردي.

أحيانًا كل ما يحتاجونه هو قائد مخادع وغوغائي يقرأ موجات الكراهية ويصعد من خلالها إلى انتصار شعبي. وكتب أورويل في مقاله “حرية المزرعة”: “الأمر هو أن الحرية المشروطة التي نتمتع بها تعتمد على الرأي العام. القانون ليس حماية. تصنع الحكومات القوانين، لكن كيف تنفذها، أو كيف تتعامل الشرطة من خلالها، يعتمد على المناخ العام في البلاد. لو اهتمت أعداد كبيرة من الناس بحرية التعبير، سيكون هناك حرية تعبير حتى لو حظرها القانون، لو تراخى الرأي العام وصارت الأقليات غير مزعجة سيتم اضطهادهم، حتى لو وجدت قوانين لحمايتهم.”

أدار ترامب حملته الإنتخابية مدركًا لمشاعر القلق والحرمان بين الملايين من الناخبين، وبشكل رئيسي بين الناخبين البيض. والكثير من هؤلاء الناخبين، ليس جميعهم، لكن الكثير منهم، تبعوا خطى ترامب لأنهم رأوا فيه مؤدّ بارع، ورمز نسبي عندما يتعلق الأمر بالسياسة، ومُهرّج هامشي قادم من الثمانينات والتسعينات في نيويورك. ولم يصرفهم عنه كونه كان مليارديرا ذا سمعة متدنية أكثر مما صرف تهكم بوريس جونسون والكثيرين غيره الناخبين الداعمين لخروج بريطانيا. ربما مال جمهور الناخبين الديمقراطيين لحقيقة أن الدولة  تعافت جوهريًا، إن لم يكن على نحو متساوٍ، من الكساد الكبير بطرق عدة، انخفضت البطالة بنسبة 4.9، لكنها وجهتهم ووجهتنا إلى الاستخفاف بالواقع إجمالا.

اعتقد جمهور الناخبين الديمقراطيين أيضًا أن، مع انتخاب أمريكي أفريقي وارتفاع مستوى المساواة في الزواج وغيرها من العلامات الأخرى، أن الحروب الثقافية وصلت إلى نهايتها. بدأ ترامب حملته الإنتخابية معلنًا أن المهاجرين المكسيكين  “مغتصبون”، وأنهى الحملة بإعلان ضد السامية محرضًا ضد ” بروتوكولات حكماء صهيون”، كما سخر في سلوكه الشخصي من كرامة وجسد النساء. وعندما لم يتم انتقاده على أي من ذلك، تجنبها جميعًا محولًا انتباهم عنها. بالتأكيد يمكن لشخص قاسٍ وشخصية عامة متردية أن تربح بين بعض الناخبين، لكن كيف يمكنه أن يفوز؟ وحقيقة أن الجمهوريين ” التقليديين”، بدءًا من جورج بوش إلى ميت رومني، أعلنوا إعراضهم عن ترامب، بدا فقط أنه عمّق دعمه العاطفي.

سيجد المعلّقون، في محاولتهم لجعل هذه التراجيديا طبيعية، سبلا لحذف السلوكيات المتعلثمة والتخريبية لمكتب التحقيقات الفيدرالي، والتدخل الخبيث من المخابرات الروسية، والتمرير المجاني، لساعات دون انقطاع، لاجتماعات ترامب،  والتغطية التي جرت دون وساطة لحشوده التي منحت له  على وجه التحديد في الشهور الأولى من الحملة.

سيكون الليبراليون معارضين بعجرفة، ممزقين أثر المعاناة، كما لو أن هذا العدد الكبير من الناخبين الديمقراطيين غير ملمين بالفقر، والكفاح، والمحن. لا يوجد سبب لتصديق هذا الهذر. لا يوجد سبب لتصديق أن ترامب وفريقه الزملاء،  كريس كريستي، ورودي جولياني، ومايك بنس، ونعم، بول راين، هم في أي حالة للحكم كجمهورييين من خلال الحدود التقليدية للفضيلة.  ترامب لم يترشح بناءً على برنامج سياسي أو انتخابي قائم على الفضيلة، والعدالة، والاعتدال، والصلح، وسيادة القانون، إنما تم ترشيحه في المقام الأول، بناءً على برنامج سياسي مبني على الاستياء والسخط. الفاشية ليست المستقبل الذي ينتظرنا، ولا يمكن أن تكون. لا يمكننا السماح بذلك، لكن هذا بالتأكيد هو السبيل الذي من الممكن أن تبدأ منه الفاشية.

هيلاري كلينتون كانت مرشحة معيبة لكن مرنة، ذكية، وزعيمة مؤهلة، والتي لن تجازف بجعل صورتها أمام ملايين الناخبين تبدو كشخص غير موثوق بها. بعض ذلك كان نتيجة لطبيعتها المثيرة للشكوك، والتي تطورت عبر السنوات وعبر الكذب والفضائح واحدة تلو الأخرى. وبالتالي، بشكل ما، أصبحت كلينتون أمام الناخبين، أقل جدارة بالثقة عن ترامب، الرجل الكاذب الذي خان عملاءه، والمستثمرين والمقاولون لديه، الرجل التافه التي يعكس سلوكه و بياناته التي لا تحصى، صفات لإنسان ذي مؤهلات قاتمة وطماع وكاذب، ومتعصب. ومستوى غروره وأنانيته نادرًا ما يعرض خارج بيئة علاجية.

على مدى ثماني سنوات، عاشت البلاد مع باراك أوباما كرئيس لها، وحاولنا في كثير من الأحيان، الحد من العنصرية، والاستياء في ظل المنصات السيبرية. لكن حلقة المعلومات تهشمت، على فيسبوك، والمقالات المنشورة في الصحافة المبنية على الحقائق بدت مثل المقالات من وسائل الإعلام اليمينية  التآمرية. أصبح لديهم مدخل لجمهور ضخم. مع استخدام لغة كارهة للنساء، الأمر الذي  ساعد في تدمير والحط من قدر كلينتون. الصحافة اليمينية البديلة كانت موردة للكذب المتتالي، والدعايات، والنظريات التأمرية التي استخدمها ترامب كأكسجين لحملته الانتخابية، بالإضافة إلى أن ستيف بانون، الشخصية المحورية لدى بريتبارت نيوز، كان المروج الخاص به ومدير حملته.

 الليلة الماضية، كانت النتائج على وشك الظهور من الولايات الأخيرة، قال لي صديق بأنني مليء بالحزن، والقلق حول الصراع، والحرب. لماذا لا تغادر البلاد؟ ، لكن اليأس ليس حلًا. من أجل مكافحة السلطوية، وكشف الكذب، لا بد من المقاومة بشرف وبشدة باسم المبادئ الأمريكية، هذا ما تبقى للقيام به. وهذا كل يمكن القيام به.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى