“ظنّ أنّ الله أراد منه السلام”.. كيف كان جيمي كارتر سببًا قويًّا في “كامب ديفيد”؟
في الذكرى الأربعين لـ"كامب ديفيد".. السلام انتصر رغم المعارضة
ترجمة: رنا ياسر
المصدر: DW
أربعة عقود مضت على نهاية سنوات العداء بين القادة المصريين والإسرائيليين بوساطة من الولايات المتحدة الأمريكية، ليحل السلام بعد ذلك.
ففي 17 من سبتمبر عام 1978، قامت إسرائيل والقاهرة بمساعدة الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر، بعقد اتفاقية سلام في “كامب ديفيد” ذلك المنتجع الذي كان يُعد ملاذًا للرئيس الأمريكي، إذ كانت الاتفاقيات في ذلك الوقت مصحوبة بأسباب سياسية.
في بادئ الأمر، كانت زيارة كارتر إلى نهر الأردن، برفقة زوجته روزلين في أثناء زيارتهما لإسرائيل والضفة الغربية لعام 1973 – ورغبته في السباحة فيه مما تطلب إذنًا خاصًا من حكومة إسرائيل التي احتلّت الضفة الغربية عام 1967 – سببًا في افتتان كارتر بالشرق الأوسط ورغبته في الإسهام بإحلال السلام في المنطقة، وبخاصة حينما تولى منصب الرئاسة عام 1977، ومن ثم شرع على الفور بتحويل هذه الرؤية إلى حقيقة، حسبما ذكر تقرير الشبكة الألمانية “دويتش فيله”.
“جاء وهو يظن أن الله أراد منه أن يحل السلام في العالم، فبحث عن سبيل للقيام بذلك” كلمات كتبها الكاتب والصحفي الأمريكي لورانس رايت في كتابه “30 يومًا في سبتمبر” الذي يروي أسبوعين في سبتمبر لعام 1978، والتي أدت إلى ما كان يُعد مستحيلا، إذ إنه بوساطة من الرئيس الأمريكي وتفاوض من الرئيس المصري، محمد أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن، عُقدت الاتفاقية التي عُرفت باسم “كامب ديفيد”، في مارس لعام 1979، عقب شهور من لقائهم التاريخي.
شهد كل من السادات وبيجن عنف ودمار الاحتلال في بداية حياتهما، ففي عام 1918، عندما وُلد السادات كانت مصر تحت الحكم البريطاني، فقد كان السادات شغوفًا بسرد الأحداث التي وقعت قبل ولادته، أما بيجن الذي تعرض بشكل مُباشر إلى العنف الوحشي من قوة الاحتلال، كان وُلد في عام 1913 في بريست وهي مدينة في فرنسا، كانت احتلت على يد الجيش البريطاني في عام 1941، وقام الجيش البريطاني حينها بجمع يهود المدينة لترحيلهم إلى معسكرات الموت، أما والدته التي كانت تلازم الفراش في المشفى في ذات الوقت، قتلها النازيون على سريرها، بينما والده، زييف دوف، كان مصيره الغرق في نهر بوك بعدما وضع عليه الجنود البريطانيين حجارة وأحكموها على جسده بحبال.
تلك التجارب المباشرة لكل منهما، كانت سبيلاً لمحاولة حماية مواطنيهم، حيث رأى السادات في مصر وبيجن في إسرائيل الصراع في الشرق الأوسط، هذا الصراع الذي بدأ بإعلان استقلال إسرائيل في عام 1948، كمعادلة كانت محصلتها النهائية صفرا أي أن مكاسب دولة تعني خسارة الأخرى، على اعتبار أن أي مكسب تجنيه إسرائيل يُقلل من مكسب العرب والعكس صحيح.
فقبل قمة ديفيد بين الدولتين، خاض كلتا الدولتين ما لا يقل عن أربع حروب، الحرب العربية الإسرائيلية منذ 1948 حتى 1949 التي أدت إلى تأسيس إسرائيل، وحرب السويس عام 1956، وحرب الأيام الستة لعام 1967، وأخيرًا حرب يوم الغفران لعام 1973، ولئن كانت هذه الحروب بمثابة دائرة متصلة، أراد كارتر كسرها.
وحسبما جرى، كان هناك تقارب قبل عقد كامب ديفيد، ففي 9 نوفمبر لعام 1977، صرح السادات للبرلمان المصري بأنه سينقذ حياة جندي مصري ولو كلفه الأمر الذهاب إلى أقاصي البلاد، وعليه ذهب للكنيست الإسرائيلي، وألقى خطبته فيها في 20 نوفمبر لنفس العام بعدما دعاه بيجن، وبعدها قابل السادات معارضة شديدة من الدول العربية، فقد قطعت سوريا والعراق وليبيا والجزائر علاقتها الدبلوماسية مع مصر، كما انتقدت منظمة التحرير الفلسطينية ما قام به السادات.
ورغم الانتقادات، فبعد أقل من عام واحد، اجتمع السادات وبيجن في معسكر كامب ديفيد، فقد كان كلاهما مطلعين على حقيقة أن هناك قضية أخرى -على المحك- إلى جانب قضية السلام، وهي تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، فقد أجرى السادات وبيجن اجتماعًا قررا فيه اتخاذ موقف مُحدد مع الولايات المتحدة على اعتبار أن عدم المرونة من شأنها أن تُدمر -على المدى الطويل- علاقاتهما مع واشنطن.
وبتنفيذ اتفاقية كامب ديفيد، صارت مُلزمة لكلا البلدين -مصر وإسرائيل- فضلا عن اعترافهما ببعضهما البعض كدول ذات سيادة، وإنهاء حالة الحرب التي بدأت عام 1948، وجعلت إسرائيل توافق على إعادة الأجزاء الباقية من شبه جزيرة سيناء -الواقعة تحت سيطرتها- إلى مصر.
هذا إلى جانب وضع أسس أخرى، كمبادئ للفلسطينيين الذين شردهم الاحتلال الإسرائيلي، ومنح السفن الإسرائيلية إمكانية المرور عبر قناة السويس، واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة مياها دولية تحظى بحرية الملاحة الدولية.
والآن، لا يزال تراث كامب ديفيد غير ضئيل، وإن كان الحماس والاحتفاء أقل مما مضى، إلا أن كلا الطرفين رغم صعوبة تقبل اتفاقيتهما من بعض الدول العربية، حصلا – السادات وبيجن – على جائزة نوبل للسلام عام 1978 واعترفا أنهما لا يستطيعان خوض حرب أخرى، لأن العواقب المُترتبة ستكون بالغة الخطورة عليهما، وما المطلوب سوى سلام الأرض في النهاية.