سياسة

اندبندنت: ماذا جرى للرقص المصري؟

رؤية بعيون بريطانية لأحوال الرقص الشرقي في مصر

dance1

توم ديل – إندبندنت

إعداد وترجمة – محمود مصطفى

الواحدة صباحاً في مسرح شهرزاد بوسط المدينة في القاهرة .. دخان الشيشة منعقد في الهواء والفرقة الموسيقية بدأت   العزف.

في الخارج، الحشود كانت تحتفل بعبد الفتاح السيسي، الرئيس المنتخب الذي أعلن فائزاً بـ96.9% من الأصوات، الاحتفال يتم بإطلاق الألعاب النارية.

ولكن في الداخل لا يفكر أحد في السياسة. انسابت الراقصة الأولى على المسرح في ثوب مخطط كالحمار الوحشي وماكياج ثقيل. الراقصة في عمر الخمسين وتتحرك بطريقة غريبة.

الحضور، معظمه رجال منفردون في منتصف العمر أو أكبر، يحدقون بها غير مكترثين حتى عندما يتصاعد الإيقاع الموسيقي. الأغنية هي “تسلم الأيادي” وهي أغنية مؤيدة للجيش استخدمت لدعم السيسي خلال حملته الإنتخابية.

بالنسبة للزبائن، فهم في معظمهم أكثر فقراً، زجاجتي بيرة هنا قد تكلفهم راتب يوم،  البار الذي تشغل فيه موسيقى التكنو والهاوس والذي يرتاده شباب الطبقة المتوسطة على بعد أمتار من هنا.

“الناس يأتون هنا ليشعرون بأنهم أثرياء وأقوياء،” يقول الساقي الشاب.

تحاول الراقصة أن تبتسم وهي تتمايل، وفوق كعب حذائها الفضي اللامع يظهر إخمصي قدميها أحمري اللون بشكل مؤلم.

المكان نفسه ليس أفضل حالاً، فالرسومات على الجدار المستوحاة من حكايات ألف ليلة وليلة بهتت وثقبت والمفارش على المائدة لونها أزرق مصطنع ومسروقة من شركة الطيران الوطنية مصر للطيران.

كان هذا واحداً من ألمع “كباريهات” القاهرة، صور الأبيض والأسود المعلقة على الحائط تستعيد الزمن الذي هيمنت فيه تحية كاريوكا، نجمة الأفلام التي رقصت للملك فاروق وصفعته ذات مرة عندما  ألقى مكعب ثلج داخل ثوبها.

“توجد دعارة والكثير من المخدرات والكثير من الكحول،” تقول لونا القاهرية وهي راقصة أمريكية تصف أيضاً منافسة شرسة في العمل حيث تسرق الراقصات زبائن الأخريات أو يبلغون شرطة الآداب لملاحقة الآخرين. ووفقاً لأحد العاملين بشهرزاد، فإن  ضباط شرطة آخرين هم زبائن معتادين في المكان.

لونا نفسها ترقص في أماكن أخرى للسياح وللأثرياء المصريين، لكنها حاورت راقصات من مختلف أرجاء القاهرة كجزء من بحث الدراسات العليا التي تقوم به حول ثقافة الرقص الشرقي.

وجدت لونا أن الراقصات والموسيقيين بعانون من أجل أن يوفقوا بين عملهم وقيم ثقافتهم. “الراقصة المصرية من الطبقة الدنيا تخجل مما تقوم به وتسعى للاستقالة في أقرب وقت ممكن،” تقول لون، ولكن النقود التي تتقاضاها نظير الرقص أكبر مما يمكن أن تتقاضاه في أي عمل بديل متاح لها كامرأة من الطبقة العاملة بدون مؤهلات.

الراقصات مثار إعجاب واحتقار كثير من الرجال المصريين “يراك الناس شخصية مشهورة ومرتكبة خطيئة في الوقت ذاته،” تقول لونا.

dance1 طوال عام من حكم الإخوان المسلمين تحت رئاسة محمد مرسي انتهى في يوليو الماضي، خافت  العديد من الراقصات وأماكن الرقص من أن يشن الإسلاميون حملة على مهنتهن حيث أغلقت قناة تليفزيونية مخصصة للرقص الشرقي بحكم محكمة في فبراير من العام الماضي.

“يجلس الفنانون في منازلهم لأن الإسلاميون دمروا الفن والإبداع،” تقول نجوى فؤاد، التي كانت الراقصة المفضلة لهنري كيسنجر خلال زياراته الدبلوماسية للقاهرة، لأحدى الصحف.

كهجوم مضاد، أطلقت الراقصة البارزة والمثيرة للاستفزاز سما المصري سلسلة من مقاطع الفيديو الشهوانية استهجنت فيها جماعة الإخوان المسلمين. لكن لم تكن هناك حملة حقيقية ضد الرقص الشرقي ومنذ أن أقصى السيسي الاخوان لم تحدث زيادة ملحوظة في تدفق الزبائن.

وحتى بعد أن رحل الاخوان، لم تصبح الأمور أسهل بالنسبة لسما المصري حيث استدعتها محكمة في ابريل الماضي على خلفية اتهامها بنشر الفاحشة وأمر بإغلاق قناتها التليفزيونية التي استخدمتها للدعاية ضد الإسلاميين.

كما منع عرض فيلم “حلاوة روح” الذي تظهر فيه نجمة لبنانية راقصة، بالرغم من أن أحد مقاطع الفيديو من الفيلم يحتوي على رقصة واحدة حظي بأكثر من 13 مليون مشاهدة على يوتيوب.

تأثر الرقص الشرقي في العقود الأخيرة الماضية بصعود الإسلام المحافظ الذي جلب معه اتجاهات إجتماعية أكثر منعاً وتحريماً لكن استعداد الدولة لتقنين ما قد يراه الإسلاميين وغيرهم شهوانياً أو سيء السمعة يتغلب على هذه الإتجاهات.

بدلات الرقص التي تظهر الحجاب الحاجز كانت قد منعت في الخمسينات في أيام الزعيم السابق جمال عبد الناصر ولكنها الآن ترتدى في كل مكان في العالم.

بالعودة إلى ملهى شهرزاد، تتغير الأغنية وتهبط الراقصة من على المسرح  ويقف رجل ذو لحية معتنى بها ويلقي بغزارة أوراقاً من فئة الخمسة جنيهات فوق رأس الراقصة ويبدأ في الرقص معها ثم يجلب صديقه ليشاركهم الرقص،  ويسرع رجل يغطي بشعره المتبقي صلعته ليجمع النقود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى