سياسة

إندبندنت: نفاق أوروبي في مشكلة فلسطين

مساعدات أوروبا لإعمار غزة بلا فائدة لأنها ستدمر مجددا، وهناك نفاق في عدم الضغط على إسرائيل في الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية

 original

جيفري نايس وديزموند لورينز – إندبندنت

ترجمة – محمود مصطفى

 وزراء الخارجية من أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا اجتمعوا في القاهرة من أجل مؤتمر لمناقشة إعادة إعمار غزة عقب أن قصفتها إسرائيل أوائل العام خلال عملية “الجرف الصامد”.

يطلب الفلسطينيون من المجتمع الدولي 4 مليارات دولار تكفي لإصلاح نصف الأضرار التي سببها النزاع الأخير والذي كلف أكثر من ألفين فلسطيني حيواتهم.

اتفق معظم المانحين، بينما كانوا يستعدون لرحلتهم إلى القاهرة، على أنهم ببساطة لا يمكنهم الاستمرار في توفير الأموال لإعادة بناء غزة،  بدون محاولة كسر حلقة الدمار التي تندلع منها حرب عقب انتهاء الأخرى،  ويتزايد عدد الضحايا ويتعاظم حجم الدمار.

أحد دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، متحدثاً قبل المؤتمر، أقر بمخاوفه من أن “أياً ما كان سنساعد في إعادة بناءه سيدمر مرة أخرى.”

بالطبع هناك شيء سيزيفي في الطريقة التي تستمر فيها أوروبا، أكبر مانحي الدعم لفلسطين، في تنفيذ مشاريع المعونة في الأراضي الفلسطينية فقط لتراها تدمر بسبب النزاعات المتكرر.

هناك أيضاً نفاق في تعامل أوروبا مع فلسطين، فحتى وهي مستمرة   في كرمها (600 مليون دولار كل عام من الاتحاد الأوروبي فقط بالإضافة إلى تبرعات منفصلة من دول منفردة) وتدين التوسع الإستيطاني الغير قانوني للإسرائيليين، تعارض الدول الأوروبية الأعضاء بعناد إجراءً يمكنه تحفيز عملية السلام وردع الدمار المستقبلي، والإجراء هو انضمام الفلسطينيين للمحكمة الجنائية الدولية.

المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة مستقلة ودائمة تستمع إلى قضايا متعلقة  بأهم الجرائم الدولية وهي الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وتعمل المحكمة فقط إذا لم تكن القضية قيد التقاضي على المستوى الوطني ويمكنها فقط التحقيق ورفع الدعاوى القضائية في الجرائم المرتكبة في أراضي أو من قبل مواطني الدول المنضمة لميثاق المحكمة أو التي قبلت باختصاص المحكمة عبر إعلان بذلك.

كل من فلسطين و إسرائيل ليسا أعضاء بالمحكمة، الأخيرة لأنها لا تقبل باختصاصها (في ذلك هي إلى جانب الصين والسودان وزيمبابوي والولايات المتحدة) والأولى لأن محاولتها إعطاء الإختصاص للمحكمة في 2009 فشلت نظراً لم تكن معترف بها كدولة.

ومع ذلك فإنه منذ عام 2012 أصبح لفلسطين وضع دولة مراقبة في الأمم المتحدة ما يعني أنها الآن يمكنها الانضمام للمحكمة وهي حقيقة أكدتها مؤخراً المدعية العامة للمحكمة فاتو بينسودا.

يركز رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حالياً على جهوده للوصول إلى قرار من الامم المتحدة يضع جدولاً زمنياً للإنسحاب الإسرائيلي ولكنه أشار إلى أن عضوية المحكمة ستكون الخطوة التالية غذا تم التصويت على هذا القرار.

وسط ضغط  من الولايات المتحدة وإسرائيل قد يكون عباس أقرب إلى أن يتبع هذا الخيار إذا أوقف الاتحاد الأوروبي معارضته وساعدت في توفير المساحة له لفعل ذلك.

انضمام فلسطين للمحكمة أمر مرغوب فيه لأنه سيعني أن الطرفين قد يتم محاسبتهما على جرائم الحرب وبالتالي سيردع ذلك العنف المستقبلي، وسيثبط كذلك من التوسع الاستيطاني لأن الميثاق يعرفه باعتباره جريمة حرب “نقل السلطة المحتلة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لقطاعات من سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة”. بالنسبة للمانحين سيقدم الإنضمام للمحكمة ضمانة أكبر مما هو موجود الآن لئلا تضيع أموالهم ومشاريع عونهم هدراً أو تدمر.

ومع ذلك وبالرغم من كل النقاط في صالح الانضمام، يضغط الإتحاد الأوروبي على الفلسطينيين لكي لا يسلكوا طريق المحكمة. وجاءت نتائج إجتماع مجلس وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي في يوليو لتطلب من فلسطين “استخدام وضعيتها في الأمم المتحدة بشكل بناء وألا تتخذ خطوات من شأنها الابتعاد عن حل تفاوضي.” في الكواليس، يزعم أن الرسالة أشد فظاظة: لا تذهبوا للمحكمة الجنائية الدولية.

هذا الأسلوب الذي يدعمه الخوف من رد الفعل الإسرائيلي مضلل وقاصر الرؤية، فامتلاك آلية مساءلة فاعلة لا يمنع التفاوض المثمر بل على النقيض يجعل السلام خياراً أكثر رجوحاً على المدى البعيد، والإنصياع لضغوط من حكومات تهدد بالانسحاب من مفاوضات السلام يشجع فقط على مزيد من الانتهاكات.

وكما قال متحدث من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” مؤخراً “بدون مسائلة على الخروقات للقانون الدولي من جميع اطراف الصراع، نحن نخشى العودة لنموذج الحصار الذي لا يمكن تحمله والصواريخ والدمار.”

موقف الإتحاد الأوروبي منافق بالنظر إلى دعمه الدائم للمحكمة الجنائية الدولية بشكل عام وحثها القوي للدول الأخرى على الانضمام (التصديق على ميثاق المحكمة شرط واضح في بعض اتفاقات الاتحاد الأوروبي للتجارة والتنمية، وسحب الاتحاد دعمه من دول لعدم تصديقها على الميثاق.)

وموقف الاتحاد أيضاً يخالف التزاماته كعضو بالمحكمة بدعم أهداف المحكمة.  في نهاية المطاف يقوض موقف الاتحاد مصالحه واستثماراته وكذلك الآمال في سلام دائم.

في هذا الأسبوع، إلى جانب تقديم أموالهم لإعادة البناء، يجب على المانحون المستنيرون، وخاصة الاتحاد الأوروبي، أن يوقفوا معارضة عضوية فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية. فهذا سيمنح كلاً من الفلسطينيين والإسرائيليين  فرصة الوصول للعدالة التي يستحقونها وسيكون خطوة نحو إنهاء الإفلات من العقاب الذي هو في قلب حلقة العنف والكراهية المفجعة في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى