ثقافة و فنسياسةمجتمع

كارين أرمسترونج: ما نقوله عن المسلمين اليوم ..قاد إلى الهولوكوست في الماضي

 

  كارين إرمسترونج: نظرتنا الحالية إلى الإسلام قادنا مثلها  إلى الهولوكست قديما

” أجرى موقع “سالون” حواراً  مع الكاتبة والمؤرخة البريطانية كارين أرمسترونج حول الإسلام والإسلاموفوبيا و”كيف يكرر الغرب أخطاء الماضي من جديد.

بيل مار، كارين أرمسترونج، سام هاريس

  • بيل مار، كارين أرمسترونج، سام هاريس

ترجمة – محمود مصطفى

تطرح الكاتبة والمؤرخة كارين أرمسترونج رؤيتها عن العنف والدين من خلال كتابها الجديد “حقول الدم” الذي تؤرخ فيه للعنف الديني منذ سومر القديمة وحتى القرن الواحد والعشرين.

وتنتقد أرمسترونج خلال حوار عبرالهاتف مع موقع “سالون” اعتقاد الغربيين أن العنف نتاج متخلف للدين، وتقول إن هذا الاستنتاج يجعلهم – الغربيين – مجرد كسالى ومغرضين. وتعتقد الكاتبة أن لوم الدين باعتباره مسئولا عن العنف يسمح للغربيين بتجاهل الدور الأساسي الذي لعبه العنف في تشكيل مجتمعاتهم، والدور الذي لعبته تلك المجتمعات في غرس بذور العنف في الخارج.

وتتحدث أرمسترونج خلال الحوار عن القومية وأحداث 11 سبتمبر والروابط بين معاداة السامية والإسلاموفوبيا.

أرّخت أرمسترونج للبوذية والإسلام كما كتبت “تاريخ الأسطورة” و”تاريخ الرب” و”الإسلام تاريخ موجز”. وولدت أرمسترونج في بريطانيا ودرست اللغة الإنجليزية في جامعة أوكسفورد وأمضت سبع سنوات كراهبة كاثوليكية ثم بعد أن تركت الدير أخذت منحى الإلحاد المتشدد لفترة وجيزة.

 

  على مدار تاريخك المهني اكتسبت سمعة كمدافعة عن الدين، هل هذا الوصف منصف؟ وإذا كان كذلك، هل يحتاج المعتقد لمدافعين عنه؟-  

لا أحب وصف “مدافع” (apologist)، أصل الكلمة في اللاتينية (apologia) يعني تقديم شرح عقلاني لشيء ما وليس أن تقول أنك تعتذر عن شيء ما. أنا لا أدافع عن الدين بهذا المعنى المهين.

بعد أن تركت الدير، كنت أفكر “سئمت من الدين، سئمت منه تماماً”. وصلت إلى هذا الشعور بالصدفة المجردة بعد سلسة من الكوارث المهنية. تعاملاتي مع تقاليد المعتقدات الأخرى أظهرت لي في البداية كيف كان فهمي للدين محدوداً ثم جعلتني أرى معتقدي الخاص بطريقة مختلفة.

كل تقاليد المعتقدات لها عبقريتها الخاصة لكنها كذلك لها عيوبها أو إخفاقاتها وذلك لأننا بشر ولدينا قدرة مدهشة على تعطيل الأشياء.

من يقولون أني مدافعة هم غالباً من يهزأون بالدين كما كنت أفعل، ووجدت أن هذا الجزء المنقضي من حياتي كان محدوداً جداً.

كتابك الجديد “حقول الدم” هو تأريخ للدين والعنف، وتوضحين فيه أن مفهوم “الدين” لم يكن موجوداً بالأصل قبل أوائل العصر الحديث. ما الذي نتحدث عنه عندما نناقش الدين والعنف قبل العصور الحديثة؟ 

أولاً، الفكرة في الدين قبل العصر الحديث هي أنه لم يعتبر نشاطاً منفصلاً بل منغمساً ومشتركاً في كل الأنشطة الأخرى بما فيها بناء الدولة والسياسة والحرب. الدين كان جزء من بناء الدولة والكثير من العنف في عالمنا هو عنف الدولة وبدون هذا العنف لما أصبح لدينا حضارة.

اعتمدت الحضارة الزراعية على عنف منظم هائل وفي كل الثقافات والدول ما قبل العصر الحديث استغلت الأقلية الأرستقراطية الخدم والفلاحين وأبقتهم على حد الكفاف.

هذا النظام الجائر بشدة مسئول عن أفضل إنجازاتنا ويقول لنا المؤرخون إنه بدون هذا الجور لم نكن على الأرجح سنتخطى مرحلة الكفاف. ولذلك فكلنا متورطون في هذا العنف ولا توجد دولة مهما ادعت من حبها للسلام تستطيع أن تتحمل كلفة حل جيشها، لذا عندما يقول الناس إن الدين هو سبب كل الحروب الكبرى في التاريخ فهذا تبسيط شديد الإخلال. العنف في القلب من حيواتنا بشكل أو بآخر.

كيف تورط الدين والطقوس في هذا العنف؟

حسناً، لأن بناء الدولة كان متشبعاً بالأيديولوجيا الدينية، كانت كل أيديولوجيات الدول قبل العصر الحديث دينية بشكل رئيسي. محاولة فصل الدين عن الحياة السياسية كانت لتشبه فصل “الجين” عن الكوكتيل (الجين مشروب كحولي) حيث أن أشياء كتمهيد الطرق كانت تعد أنشطة مقدسة.

السياسة كانت مشبعة كذلك بالإحساس الديني فأنبياء بني إسرائيل على سبيل المثال كانوا أناساً متعمقين في السياسة وانتقدوا حكامهم لعدم رعايتهم للفقراء وصرخوا ضد نظام الظلم الزراعي. وفعل المسيح كذلك أيضاً ومحمد كذلك ويؤدي القرآن نفس المهمة.

في بعض الأحيان يتسلل الدين إلى عنف الدولة لكنه كذلك يقدم نقداً مستمراً لهذا العنف المنهجي والمسلح.

هل من الممكن فصل الدور المنتقد عن الدور الداعم لمؤسسات الدولة؟

أعتقد أننا في الغرب فصلناهم عن بعضهم البعض، نحن فصلنا الدين والسياسة وكان هذا تجديداً هائلاً ولكن كانت هناك رغبة متغلغلة في ضمائرنا لإضفاء معنى وأهمية لحياتنا لدرجة أننا ريثما قمنا بهذا الفصل غرسنا فكرة الدولة القومية بحماس شبه ديني.

إذا كنت تعتبر أن المقدس هو شيء نحن على استعداد للتضحية بأرواحنا من أجله، فبشكل ما حل الوطن محل الرب لأنه الآن لم يعد مقبولاً أن تموت في سبيل الدين لكنه يثير الإعجاب أن تموت في سبيل وطنك.

– في “حقول الدم” أنت تستكشفين كيف يمكن للحاجة المادية لدى الناس أن تجعل الأفكار الأكثر تجريدية تظهر. لذا، ونحن نتحدث حول العدمية كشيء خاص بالعصر الحديث: هل هناك ظروف سياسية أو إجتماعية تكمن وراء هذا الشعور باللامعنى؟

نعم.. روبرت بيب من جامعة شيكاجو حلل نفسية الانتحاريين من خلال دراسة أجراها حول كل التفجيرات الانتحارية من 1980 إلى 2004، ووجد أن الأمر دوماً هو رد على غزو البلد الأم من قبل سلطة عسكرية أقوى.

يشعر الناس بغزو مساحاتهم ويلجأون إلى هذا النوع من الأفعال لأنهم لا يستطيعون منافسة الغزاة. التفجيرات الإنتحارية حيلة استخدمتها في البدء حركة نمور التاميل الذين لم يكونوا منشغلين بالدين، ومن بين التفجيرات اللبنانية الكثيرة في الثمانينات سبعة منها فقط ارتكبها مسلمون وثلاثة ارتكبها مسيحيون والباقي، حوالي 17، ارتكبها علمانيون واشتراكيون قادمون من سوريا.

أعتقد أن حساً من انعدام الأمل كان حاضراً بشكل خاص في التفجيرات الإنتحارية لحماس، حيث يعيش هؤلاء الشباب في معسكرات لاجئين في غزة بالقليل جداً من الأمل. من يتحدثون إلى الناجين من هذه الأفعال يجدون أن العوامل المحركة للقيام بهذه التفجيرات هي الرغبة في الموت ميتة بطولية والرحيل في وهج من المجد والحصول على الأقل على بعض المعنى في حياتهم وأن يتذكرهم الناس ويبجلونهم بعد مماتهم.

– هناك سطر في كتابك لفت نظري: “الإرهاب في الأساس وبطبيعته فعل سياسي حتى عندما تشترك الدوافع الأخرى الدينية والإقتصادية والإجتماعية، الإرهاب دائماً متعلق بالسلطة”. 

أعتقد أنني أقتبس هنا قول أحد المتخصصين في الإرهاب. حتى عندما يدعي الإرهابيون أنهم يفعلون ذلك لله، فهم أيضاً يفعلون ذلك بدوافع سياسية. يتضح ذلك بشدة في خطاب بن لادن. يتحدث بن لادن عن الرب والله والإسلام والكفار وما إلى ذلك، لكنه لديه أهداف ونزعات سياسية واضحة جداً تجاه السعودية وتجاه التدخل الغربي في شئون الشرق الأوسط.

وكذلك الطريقة التي تحدث بها عن الصهاينة والصليبيين بدلاً من اليهود والمسيحيين، فهذه مصطلحات سياسية فمنذ أوائل القرن العشرين أصبحت “الحملة الصليبية” ترمز إلى الإمبريالية الغربية.

في فيديوهات شهداء حماس، ينتقل الشهيد الشاب بسهولة جداً من ذكر الله رب العالمين إلى الحديث حول تحرير فلسطين، وهي شأن قومي خالص، ثم ينتقل إلى أيديولوجيا العالم الثالث بقوله إن موته سيكون شعلة الأمل لكل المقهورين الذين يعانون بسبب العالم الغربي. هذه الأشياء ممزوجة كلها في كوكتيل في عقله لكن دائماً هناك مكون سياسي قوي وليس فقط التوجه إلى الله.

– إلى أي مدى يمكن الربط بين السياسات الاستعمارية في الشرق الأوسط والهجمات الإرهابية في نيويورك أو لندن؟ 

أعتقد، وأنا أتحدث كبريطانية، أنني عندما رأيت برجي مركز التجارة يسقطان في 11 سبتمبر، فإن أحد الأفكار الكثيرة جداً التي مرت برأسي كانت “نحن ساعدناهم على ذلك”، الطريقة التي قسمنا بها تلك الدول وأنشئنا الدول القومية التي تمزقها الآن “داعش” لم تضع اعتباراً للشعوب المعنية.

القومية كانت غريبة تماماً عن المنطقة ولم تفهمها الشعوب، الحدود تم ترقيعها معاً بلامبالاة مذهلة وإعلاء للمصلحة الذاتية من قبل البريطانيين. إضافة إلى ذلك، فإن الإذلال كان أحد الأسباب الرئيسية للقلاقل والإغتراب فالإسلام كان قبل عصر الاستعمار قوة عالمية عظمى بل مثل الولايات المتحدة في يومنا هذا وتقلص بين عشية وضحاها إلى جبهة خاضعة وعامله المستعمرون باحتقار صريح. هذا الاحتقار أشعل الغضب في الصدور وسيستمر في ذلك.

إذاً، عندما نتحدث نحن في الغرب عن الدين كسبب لهذا العنف إلى أي درجة نتملص من الورطة ونستخدم الدين كوسيلة لتجاهل دورنا في جذور هذا العنف؟ 

نحن معرضون لخطر صنع كبش فداء وعدم النظر إلى دورنا في هذا. عندما ننظر إلى هذه الدول ونقول “لماذا لا يلملمون شتات أنفسهم؟ لماذا لا يستطيعون أن يروا أن العلمانية طريق أفضل؟ لماذا هم مقيدين إلى دينهم الظلامي هذا؟ أي برابرة هم؟!” وما إلى ذلك، فنحن ننسى أن نرى أثرنا في تاريخهم.

نحن وصلنا إلى الحداثة بنظامنا الخاص الذى اتسم بخاصيتين، إحداهما الاستقلال، والثانية أن لدينا مفكرين وعلماء يطالبون بالفكر الحر. كان ذلك أساسياً لحداثتنا، لكن في الشرق الأوسط، في الدول المستعمرة، كان التحديث خضوعاً للإستعمار وليس استقلالاً.

  كيف تردين عندما تسمعين “سام هاريس” و”بيل ماير” يجادلان بأن هناك شيئاً عنيفاً بالطبيعة في الإسلام، هاريس قال شيئا مثل “الإسلام هو منبع الأفكار السيئة”؟

سماع هذا الكلام يملأني باليأس، لأن هذا النوع من الكلام أدى إلى معسكرات الاعتقال (النازية) في أوروبا، كان الناس يقولون أشياء كهذه عن اليهود في الثلاثينيات والأربعينيات في أوروبا.

هذا ما أوصلني إلى هذه النقطة، حيث يغمرني شعور بالخوف، نحن نفخر بأنفسنا كثيراً لعدلنا وتسامحنا إلا أننا كنا مسئولين عن أخطاء هائلة.

ألمانيا كانت أحد أكثر البلدان تحضراً في أوروبا وكانت أحد اللاعبين الرئيسيين في مجال التنوير إلا إننا اكتشفنا أن معسكر اعتقال يمكن أن يوجد بجوار الجامعة.

 هل يمكن مقارنة الإسلاموفوبيا اليوم بمعاداة السامية؟ 

لنأمل أن الإجابة لا، الأمر مغروس في الثقافة الغربية، ويعود إلى زمن الحملات الصليبية التي كان لها ضحيتان اليهود في أوروبا والمسلمون في الشرق الأوسط.

  صحيح، لأن اليهود كانوا يذبحون على امتداد الطرق التي سلكتها الحملات الصليبية 

الإثنان أصبحا مرتبطين في العقل الأوروبي. نحن تخلينا عن معاداتنا للسامية لكننا لم نتخل بعد عن الإسلاموفوبيا. أيضاً من السهل جداً أن نكره أناساً نحن ظلمناهم، وإذا ظلمت أحداً يتكون شعور هائل بالغضب والضيق، هذا موجود وهو جزء مما يحدث أيضاً.

أتذكر حديثي إلى ضابط ألماني كبير في حلف الناتو ذات مرة عندما تحدث عن السكان الأتراك في ألمانيا والعمال المهاجرين الذين يؤدون وظائف لا يريد الألمان ببساطة أن يؤدونها، وقال “أنظري، أنا لا أريد أن أرى هؤلاء الناس، يجب أن يأكلوا في مطاعم خاصة بهم. لا أريد أن أراهم، يجب أن يختفوا. لا أريد أن أراهم في الشوارع بأزيائهم المختلفة، لا أريد أن أرى مطاعمهم الخاصة.. لا أريد أن أراهم”.

قلت له: “انظر، بعد ما حدث في ألمانيا في الثلاثينيات، لا يمكننا أن نتحدث، كأوروبيين، بهذه الطريقة عن اختفاء الناس”.

  كيف يجب أن نرد على معاملة النساء في السعودية أو تهديدات الإرهاب الذي تنشأ في الدول المسلمة؟ 

السعودية مشكلة حقيقية، لا شك في ذلك. فهي مسئولة حقاً عبر استخدامها لثروتها البترولية الهائلة عن تصدير نسختها الخاصة وغير المعتادة والمحدودة من الإسلام إلى مختلف أنحاء العالم. السعوديون أنفسم ليسوا متطرفين لكن محدودية وجهة نظرهم الدينية تتناقض مع التعددية التقليدية للإسلام.

نحن غضضنا الطرف عما يفعله السعوديون بسبب النفط ولأننا نرى أنهم حلفاء أوفياء ولأننا خلال الحرب الباردة أعجبنا بموقفهم ضد النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط.

تمثل الأصولية تمرداً على الحداثة، وإحدى العلامات المميزة للحداثة هي تحرير المرأة. لا يوجد في القرآن ما يبرر حجاب المرأة أو عزلها. يعطي القرآن المرأة حقوق الإرث والطلاق وهي حقوق قانونية لم نحصل عليها في الغرب حتى القرن التاسع عشر.

هذا ما أشعر به حيال معاملة النساء في السعودية: معاملة جائرة بالتأكيد وليست قرآنية.

…………………….

* الحوار سابق على الهجوم على ممجلة شارلي إبدو في باريس

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى