إعلامسياسة

آلان جريش: هكذا احتجزتُ في القاهرة

يروي الصحفي الفرنسي آلان جريش شهادة شخصية عن احتجاز الشرطة المصرية له بسبب حديثه عن “أوضاع البلد” في أحد المقاهي.

171391

آلان جريش – الجزيرة

ترجمة – محمود مصطفى

احتجزت الشرطة المصرية الصحفي الفرنسي البارز آلان جريش في الحادي عشر من نوفمبر بعد مغادرة مقهى في أحد أحياء القاهرة الراقية، وهو هنا يقدم لنا شهادة عما حدث:

في البداية، لنلقي نظرة على الحقائق: من 9 إلى 10 نوفمبر حضرت مؤتمرا برعاية الاتحاد الأوروبي أقيم في القاهرة حول “مشاكل الترجمة”، قررت البقاء لأيام قليلة أكثر للقاء بعض الأشخاص من أجل الوقوف على أية تغييرات وحل أية مشاكل متعلقة بالإصدار العربي من صحيفة “لوموند ديبلوماتيك.”

في الحادية عشر من صباح يوم 11 نوفمبر وفي مقهى راق يقع أمام السفارة البريطانية، والتي تذكر مساحتها الهائلة بأن بريطانيا حكمت مصر بالاحتلال ذات يوم، التقيت صديقتين مصريين، واحدة منهما  كاتبة صحفية والأخرى طالبة وكان المقهى ضيقاً والطاولات قريبة من بعضها البعض لكني لم ألتفت إلى جيراني من الزبائن.

استمرت المناقشة وكنا نتحدث بالعربية وبالإنجليزية حول ما يحدث في البلاد ووضع الجامعات وحالة الإعلام. بعد نصف ساعة وقفت سيدة أنيقة تجلس بجوارنا، ولم أكن قد لاحظتها، بغضب ووجهت كلامها إلينا قبل أنت تغادر المكان قائلة “أنتم عايزين تخربوا البلد!”. لم نرد وواصلنا حيثنا وبعد قليل دخل رجل إلى المقهى، من المفترض أنه من المخابرات، وجلس ولكننا لم نلقي إليه بالأً هو كذلك.

القبض

في اللحظة التي خرجنا فيها من المقهى ألقى القبض علينا ذلك الشخص، والذي كان ترك المكان قبل خروجنا مباشرة، ومعه ضباط آخرون بالزي الرسمي. جدير بالذكر أن معاملتنا كانت جيدة خلال ما حدث، وجلبت الشرطة حتى كرسياً لإحدى المرأتين التي كانت حبلى ثم أخذوا أوراق هويتنا وبدأوا في استجواب كل منا في الشارع.

بالنسبة لي، سألوني أين أقيم في القاهرة ولماذا غيرت الفندق الذي كنت أقيم فيه ومتى وصلت القاهرة. بعد نصف ساعة أعادوا إلي جواز سفري وقالوا لي أن أذهب. رفضت المغادرة حيث أن الشخصين الآخرين لم يتركوا ليغادروا كذلك. بعد خمسة دقائق أخذوا جواز سفري مرة أخرى وسألني أحد الضباط إذا كان لدي تصريح من وزارة الأعلام، لم يكن لدي.

عقب إجابتي رد نفس الضابط معتقداً أنه حاصرني “وإذا أردت أن أجري مقابلات في فرنسا، ألن أحتاج لتصريح؟”، كان متفاجئاً من ردي بالنفي. بعد ساعة أبلغت السفارة الفرنسية وكذلك نقيب الصحفيين المصريين بالموقف وعقب ذلك تم إبلاغ شخصيات كثيرة من بينها على ما يبدو رئيس الوزراء المصري وبالطبع وزارة الداخلية.

بعدها “أطلق سراحي” لكن مرة أخرى لم يسمح للمرأتين بالمغادرة ولهذا السبب رفضت المغادرة بدونهم ومرة أخرى هاتفت نقيب الصحفيين. أخيراً تركونا نذهب جميعاً واستغرق الأمر كله ساعة ونصف.

بعد أن عدت إلى الفندق وفي السادسة مساءاً تلقيت اتصالاً من وزارة الداخلية وقيل لي أن سيارة ستأتي وتلتقطني وتأخذني إلى الوزارة. أقيم لقاء مع نائب الوزير لحقوق الإنسان (جنرال ) بحضور جنرالات آخرين وعبروا عن اعتذاراتهم قائلين إن إلقاء القبض علي كان خطئاً.

تثير هذه الحادثة ثلاثة أسئلة مهمة، والقضية الأهم هنا بوضوح ليست القبض نفسه ولكن حقيقة أن “مواطنة صالحة” أدانتنا ويعكس هذا الأمر المناخ المهيمن في البلاد والذي تساهم في معظم وسائل الإعلام ومن بينها وسائل الإعلام الخاصة.

تخريب الدولة

مؤخراً قال مدراء فنوات تلفزيونية وصحف إنه بسبب الحرب على الإرهاب سيمتنعون عن نشر أي معلومات قد تضر الدولة، وإن كان مئات من الصحفيين وقعوا على بيان ضد ذلك.

وأكثر من ذلك فإن قنوات التلفزيون تشجب أي شخص يقوم بأي انتقاد ولو بسيط وعملياً تم إقصاء الصحفيين ذوي الآراء المختلفة من أعمدة الصحف اليومية.

قطاع من الرأي العام متحفز جداً، مقتنع بأن مصر تخضع لمؤامرة أوروبية أمريكية إسرائيلية غادرة وهو الأمر المثير للسخرية بالنظر للعلاقات القوية بين القاهرة وتل أبيب في الوقت الراهن. الأجواء تذكر بالولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر والتي وصفها الرئيس جورج بوش بشعار “إما أن تكون معنا أو أنك مع الإرهابيين.”

القضية الثانية هي قوة وسائل التواصل الإجتماعي التي نشرت أخبار عن ما حدث لي بسرعة وبقوة فاجئتني، وخلال ساعات انتشر الخبر حول العالم وتلقيت رسائل دعم كثيرة وحاورتني قنوات تلفزيونية عديدة وأصدر مفوض الإتحاد الأوروبي لقضايا حقوق الإنسان بيان إدانة.

ثالثاً، لا أستطيع ألا أفكر في أن ردود الفعل هذه، المضخمة بشكل جزئي، متعلقة بوضعي كـ”صحفي أبيض” ، أو بكلمات أخرى، هناك الآلاف من السجناء السياسيين في مصر وبعضهم مضرب عن الطعام وقد يموت إضافة إلى الاعتقالات التعسفية والحالات المثبتة للتعذيب والتي يجب أن تثير استنكاراً وإدانة أكثر.

وبقول ذلك فإنه من الأفضل جذب الانتباه لهذه الحالات. أفكر بشكل أساسي في السجناء السياسيين المضربين عن الطعام ومن بينهم علاء عبد الفتاح ومحمد سلطان. الوضع المتردي لحقوق الانسان وتقلص الحريات الديمقراطية في مصر يجب أن لا يقابل باللامبالاة  وبالتأكيد ليس ممن يعتبرون أنفسهم أصدقاء مصر وشعبها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى