مجتمع

نيويورك تايمز: بين الجزائر وفرنسا.. مواطنون بلا وطن

أحد المهاجرين: “يجب أن يضعونا على جزيرة في منتصف البحر بين الجزائر وفرنسا ويتركونا هناك“

نيويورك تايمز- أمير جلال يردومي – ترجمة: محمد الصباغ

يقسم صيادو “كاب فالكون”، المدينة الساحلية الهادئة غرب الجزائر، أنهم يستطيعون رؤية قمم الجبال الإسبانية عندما يكون الجو صافياً. وبسبب القرب الشديد من أوروبا يعتبر الشاطئ نقطة انطلاق مفضلة لـ”الحراقة“ وهو الاسم المتعارف عليه للمهاجرين غير الشرعيين. وأطلق عليهم هذا الاسم لأنهم يحرقون اوراقهم الرسمية قبل الهجرة.

تبتعد شواطئ ”كابو دي جاتا“ الإسبانية فقط مسافة 120 ميلاً، أي مجرد رحلة مدتها 18 ساعة بمحرك قدرته 30 حصانا، ومع ذلك يبقى الهدف الأسمى للجزائريين هو دائماً فرنسا.

يقول أويس بلعيد ،40 عاماً، الذي ترك الجزائر منذ 10 سنوات وعاد في يونيو: ”بالنسبة لنا إسبانيا مجرد محطة، نتركها للمغاربة، فهدفنا هو الوصول إلى فرنسا بسبب الاشتراك في اللغة والتاريخ“.

مع الاستعمار الفرنسي للجزائر الذي استمر لـ 132 عاماً، تظل الدولتان متشابكتين بشكل كبير، حتى وإن كانت العلاقة بينها غير سعيدة دائماً. وحملت موجات المد والجزر المستمرة ، سواء بصورة شرعية أو غير ذلك، أشخاصا مثل بلعيد وأعداد من السكان الفرنسيين الجزائريين والجزائريين الفرنسيين الذي يعيشون عادة دون راحة في كلتا الدولتين، ولا تحتضنهم أي منهما بشكل كامل.

لم تتوقف الهجرة منذ الموجة الأولى لهجرة الجزائريين قبل وخلال الحرب العالمية الأولى. ودعم ذلك حاجة فرنسا إلى إعادة البناء عقب الحربين العالميتين، وأيضاً بحث العمال الجزائريون عن فرص عمل.

وأصبح هذا التدفق بالكاد بطيئاً مع الاستقلال الجزائري عام 1962. واستمرت أعداد المهاجرين في الصعود بسبب لم شمل الأسر، وخلال منتصف الثمانينيات، كان حوالي مليون شخص من أصول جزائرية يعيشون في فرنسا. وإبان الاضطرابات الأهلية الجزائرية في منتصف التسعينيات غادر عشرات الآلاف بسبب العنف الدائر بين الإسلاميين والجيش.

ومازال الفصل الأخير من قصة الهجرة، التي تعود إلى قرن مضى، يكتب على رمال الشواطئ الجزائرية بواسطة شباب يائسين يحاولون عبور البحر المتوسط على قوارب بدائية ومحركات مستعملة. يقول بلعيد: ”تهاجر أعداد أقل هذه الأيام، لكنهم (المهاجرون) مازالوا يفعلون ذلك“.

ويروي الجزائري بلعيد قصة هجرته قائلاً: ”منذ عشر سنوات، كنا ثمانية على طوافة. وألقي الإسبان القبض فوراً على خمسة منا بمجرد وصولنا وتم ترحيلهم. وشخص آخر مازال يجوب المدن الفرنسية، فيما اختفى الشخص الأخير. ولا أحد يعرف ما حدث معه“.

ويضيف: ”لقد اختبأت لليلة كاملة في كهف كي أهرب من الشرطة الإسبانية. ثم عبرت كل إسبانيا حتى وصلت إلى سان سباستيان والحدود الفرنسية، وكنت أسرق الفاكهة من على الأشجار وأجمع ثمار الليمون في وظائف مدتها يوم واحد“. كانت أسباب رحيل بلعيد من الجزائر هى نفس الأسباب التى دفعت كثيرين للهجرة، وأهمها ضيق الحال بسبب الركود الاقتصادي وسوء السلطة الحكومية بشكل عام. والآن عاد إلى الجزائر بعد عشر سنوات من التنقل بين الوظائف مثل أعمال البناء، ومن الأمل وخيبة الرجاء. عاش في فرنسا كل هذه الفترة بصورة غر شرعية.

طلب بعد ذلك أوراقاً من القنصلية الجزائرية بمارسيليا في فرنسا ليتمكن من العودة للوطن. غادر إلى الجزائر على مركب حقيقي هذه المرة. ويؤكد: ”تغادر لأنك تعتقد أن الجزائر ليست بلدك، لا تعاملك بشكل جيد ولا تقدم أي فرص. ثم تصل إلى فرنسا لتكتشف أنها ليست بلدك أيضاً. تعيش في المجهول، وحيداً ومنبوذاً“.

عندما قام الأخوان سعيد وشريف كواشي باقتحام مكتب جريدة “شارلي إيبدو” الفرنسية في يناير الماضي، وقتلوا الكثير من العاملين، لم تفوت وسائل الإعلام الفرنسية فرصة إلا نادراً لتشير إلى أصول المهاجمين الجزائرية، رغم أنهم ولدوا وتربوا وتعلموا في فرنسا ويحملون جوازات سفر فرنسية.

ومن الملفت للنظر في الجزائر أن القليل أيضاً قام بتعريف الأخوين كواشي على أنهم جزائريين. لكن هنا كان الأخوان كواشي مواطنين فرنسيين، وثقافتهم الجزائرية لم تكن إلا أحد التفاصيل الصغيرة.

فكرة ألا يتم تقبلك من كلتا الدولتين، هو أمر متعارف عليه بين الكثير من الفرنسيين بالإرث الثقافي الجزائري. وخصوصاً من الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين.

يروي سامي رحيمي، الذي ولد في الجزائر وغادر إلى فرنسا في الخامسة ثم عاد كمستثمر عمره 35 عاماً، يقول: ”خلال 14 عاماً بقيت فيهم هنا، لم يتم تقبلي بشكل حقيقي، لا اجتماعياً ولا مهنياً. عندما وصلت هنا عام 1992 كانوا يطلقون علي لقب المهاجر. كان يتم تعريفي بالمكان الذي هاجرت منه وليس كشخص. لقد عشت في كاليفورنيا لعامين وكان كل شخض يناديني باسمي“.

كما يعاني بعض المواطنين الفرنسيين من أصول جزائرية من أفعال عدائية خلال زياراتهم لوطن آبائهم.

يقولها صراحة الطالب الجزائري عبدالقادر لمالي، 23 عاماً: ”أنا لا أحب المهاجرين. عندما يأتون هنا دائماً ما يشتكون من الشوارع القذرة وكل عيوبنا. عندما يأتون لقضاء إجازة، يظهرون اليوروهات ويغزون الأماكن السياحية القليلة هنا، بينما يعيشون في أوروبا على الرعاية الاجتماعية“.

أما كريم بيغاش، 22 عاماً، وعاشق موسيقى الهيب هوب فيقول: ”نحن نعرف أننا لسنا فرنسيين. لكننا لا نعرف من نحن“، ويضيف: ”هنا في فرنسا، العنصرية ضد الجزائريين في كل مكان. لقد وصمنا جميعاً بسبب مجموعة من المتطرفين. تخيل لو أن كل أصحاب البشرة البيضاء في الولايات المتحدة تم وصمهم لأن مجموعة كو كلوكس كلان موجودة“.

فيما وصف أمين بن كاري، 37 عاماً، الأمر بأنك تقف بين ثقافتين ولا تنتمي لأي منهما. ويقول: ”يجب أن يضعونا على جزيرة في منتصف البحر المتوسط، بين الجزائر وفرنسا ويتركونا هناك“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى