سياسةمجتمع

فورين بوليسي: دواعش إسرائيليين؟.. الوجه الجديد للإرهاب اليهودي

فورين بوليسي: تنظيمات متطرفة تجتذب الطلاب المتسربين من المدارس الدينية على طريقة “داعش”

الثأر .. كلمة كتبها الذي أحرقوا منزل دواعشة في الضفة الغربية

فورين بوليسي – شيرا روبين – ترجمة: محمد الصباغ

تقول جيلبوا مارمرشتاين إن حياتها عبارة عن ”نضال يومي“. وتنتظر الفتاة التى تبلغ 16 عاما اليوم الذي تنتقل فيه عائلتها إلى بيت مستقر بدلاً من الشاحنة التي تفتقد إلى العزلة. عندما قابلت جيلبوا تناقشنا حول حياتها في بؤرة استيطانية على تلال وادي الأردن. بطريقة ما كانت تبدو كشابة إسرائيلية عادية مهووسة بأصدقائها وهاتفها المحمول، لكنها تتحدث بشئ من المسؤولية نحو عائلتها ورسالتها.

 وتقول 42 عائلة من مستوطنة ”Mitzpe Karmim“ ومعناها “المتطلعون إلى حقول الكروم” بالعبرية، إنهم لن ييأسوا من الوصول إلى حياة عائلية مستقرة وصالحة، خاصة بعد صدور حكم من المحكمة العليا الإسرائيلية في 2011 بأن الأرض التي يعيشون عليها هي ملكية فلسطينية ويجب إخلاؤها. أما جيلبوا فسخرت من قرار المحكمة، وقالت إنها تعتقد أنه عاجلاً أم آجلاً، سينضم إليهم اليهود من إسرائيل وكل أنحاء العالم إلى (يهودا والسامرة) – الإسم المستخدم في التوراه للضفة الغربية.

تدعم الحكومة الإسرائيلية معظم الـ500 ألف يهودي المنتشرين في حوالي 100 مستوطنة بالضفة الغربية، وتزودهم بالحماية العسكرية وتسمح لهم بشكل كبير بالاستمرار في البناء دون حتى إستصدار التراخيص المطلوبة. لكن هناك أيضاً قرابة 100 بؤرة استيطانية أخرى لا تجد مثل هذا الدعم، ومنها (Mitzpe Karmim). ورغم زيادة البناء المخالف عن العام الماضي بنسبة 200% إلا أن “جيلبوا” وجيرانها يشعرون بأن الحكومة الإسرائيلية تخونهم. وقامت مظاهرات عنيفة اعتراضاً على هدم بعض المباني أو حتى بؤر استيطانية كاملة في الضفة الغربية. وخلال تلك المظاهرات ألقى المستوطنون الحجارة على قوات الأمن وشبهوهم بالغزاة في التوراه الذين دمروا المعابد اليهودية العتيقة في القدس القديمة.

وتقول جيلبوا: ”الإسرائيليون ينظرون إلينا باعتبارنا سارقي منازل، وقاذفي حجارة وقتلة أطفال، لكن حقاً هذا هو الشىء الأكثر إسرائيلية الذي يمكن الوصول إليه“.

صار المستوطنون المتشددون كـ”جيلبوا” وعائلتها في الأسابيع الأخيرة قضية مشتعلة في المجتمع والسياسة الإسرائيلية، وقادت إلى إدانة سياسية وردود أفعال كبيرة. ففي 31 يوليو قام مهاجمون مجهولون بإلقاء زجاجات حارقة على منزل بقرية دوما بالضفة الغربية في فلسطين. أسفر ذلك عن مقتل علي الدوابشه الطفل الذي يبلغ عمره  18 شهراً، ووالده سعد.

لامت سلطات تنفيذ القانون والساسة الإسرائيليون ”الإرهابيين اليهود“. ودان نتنياهو الفعل ووصفه بالبشع ووعد بتقديم الجناة إلى العدالة.

يؤمن الكثيرون بأن الهجمات يقف ورائها اليمين المتطرف. ويمكن أن يكونوا شباب التلال (hilltop youth) وأغلبهم من المراهقين والعائلات الشابة الرافضة بدرجات متفاوتة لسلطة الدولة الإسرائيلية، ويعيشون حياة توراتية صارمة على ما يروه حدود الأراضي الصهيونية. كما يشتبه أيضاً بجماعة ”Price taggers“ التى تتعهد دائما بالانتقام  من الفلسطينيين في شكل هجمات على الممتلكات أو الأشخاص في كل مرة تقوم فيها إسرائيل بالحد من التوسع اليهودي في الضفة الغربية. وتسعى تلك المجموعات المختلفة إلى هدف مشترك، هو تنظيف إسرائيل من غير اليهود. وفي بعض البؤر الإستيطانية الأكثر تطرفاً، يسمح فقط للعمالة اليهودية من منطلق أن اليهود هم فقط من يمكنهم زرع الكروم والأرض. كما تتزين حوائط المنازل بشخصيات يهودية كنوع من تجهيز الأرض والناس لوصول المسيح اليهودي المنتظر.

صارت المجتمعات الصغيرة مثل (Mitzpe Kramim) أرضاً خصبة لنمو حركة شباب التلال. وتقول جيلبوا إنها لا تبرر العنف مثل ما حدث في هجوم دوما، لكنها ربطت ذلك بالإحباط والدوافع التي تسببت في وجود تلك الجماعات المسلحة، وأصرت على أن اليهود في حاجة إلى فعل أي شىء ضروري من أجل الدفاع عن حقهم الإلهي في الأرض. وأضافت: ”هذه أرضنا، بالطبع. وبجانب ذلك يمتلك العرب أكثر من 18 دولة . فماذا يفعلون هنا؟“.

الإرهاب اليهودي ليس بالأمر الجديد. ففي أحد الحوادث الشهيرة، قامت منظمة “ارجون” المسلحة الصهيونية بتفجير فندق كينج ديفيد بالقدس في يوليو 1946، وأسفر ذلك عن مقتل 91 شخصاً. لكن شلومو فيشر، أستاذ علم النفس والخبير في التطرف اليهودي، يقول إن التجسيد الحديث للتطرف أصبح أصغر سناً وأكثر تديناً، ويوحد مجموعات من المهمشين المنبوذين حول الهوية يمكن وصفها بأنها ”قومية رومانسية دينية“.

تعود تلك الحركة إلى عام 1967، عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة. ويقول فيشر إن تلك الحركات ضعيفة التنظيم تجتذب الشباب المهمشين والمتسربين من المعاهد اليهودية الدينية (يشيفا)، ويقارن فيشر بين أسلوب تجنيدهم وطريقة عمل تنظمات إسلامية متطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

وقال أحد الأعضاء السابقين بمجموعة “شباب التلال” (Hilltop) إن التجنيد يجتذب شباب من سن 14 عاماً، ونسبة 80 أو 90% منهم يأتون من أسر مفككة.

منذ انهيار عملية السلام عام 2000، انقسمت إسرائيل حول مستقبل هوية الدولة، حيث أن اعتبار الدولة كدولة للشعب اليهودي سوف يعارض مبادئ أساسية تعتنقها كالديمقراطية والتعددية. وعقد السياسيون اليمينيون مؤتمرات ذات طابع ديني، وتوصلوا إلى حل يعتمد على قدرة الدولة على الإرتقاء بمقوماتها ”اليهودية“ –مثل الاستيطان في الضفة الغربية كوسيلة لإعادة الوعد التوراتي- على المقومات الديمقراطية، مثل ضمان كل الحقوق المدنية لـ 1.7 مليون فلسطيني يعيشون داخل حدود إسرائيل.

واليوم، أصبح الكنيست الإسرائيلي ملىء بالتشدد والتدين أكثر من أي وقت مضى في التاريخ. كما تنتشر فيه التعليقات المعادية للعرب واللاجئين والكارهة للمثليين.

وقالت تشايا شيمدوف، 28 عاماً، إن تمييز الدولة ضد اليهود المتدينين دائم. وذكرت أن صديقاً لها كان في مظاهرة ضد هدم الحكومة الإسرائيلية لمستوطنة وتم الهجوم علي المظاهرة بقنابل الغاز وكان الجيش والشرطة مسؤولين عن الأمر، ثم سجن صديقها لعدة أيام. وتعيش شيمدوف في بؤرة استيطانية غير شرعية تبعد فقط 20 ميلاً عن رام الله.

وتحدثت عن صديقتها آفيا التي كانت في زيارة إلى جبل الهيكل (في حرم المسجد الأقصى) وفي اشتباك مع المسلمين صرخت قائلة ”محمد خنزير“، وتسبب ذلك في تدخل الشرطة فوراً والقبض عليها. فيما هتف المسلمون ”الموت لليهود“.

ويقول زوج آفيا ”موريس“ وعمره 20 عاماً، إن الشرطة الإسرائيلية تفرض رقابة كبيرة على المنطقة منذ حادث دوما. وأكد موريس أنه اشترك في كثير من ”الأحداث“ ضد الفلسطينيين، ولم يحدد أي منها.

أحد أسباب احتقان موريس ومن يفكرون بنفس الأيدولوجية هو إخراج المستوطنين من قطاع غزة عام 2005. حين قرر رئيس الوزراء حينها آرييل شارون ترحيل 8500 يهودي من غزة، وبعضهم بالقوة، لأنهم يحتاجون إلى الآلاف من القوات الإسرائيلية لحمايتهم.  ومازال موريس يطلق على الحدث لفظ ”الطرد“.

يعتقد أن ما يحدث بالضفة الغربية هو أمر مشابه لما حدث في غزة، فيما يتوقع الكثيرون أن الحكومة لن تكرر ”الخطأ“ السابق بانسحاب كامل من المنطقة. ويضيف موريس إنه عازم أكثر من أي وقت مضى على تحصين مشروع الاستيطان ”وعلى إيجاد حل للصراع بزيادة المستوطنات هنا ببطء“.

أخبرتني مريم شوارت المستوطنة من أوروجواي عندما كنا نقف سويا أمام محطة للحافلات مليئة برسومات الجرافيتي وعبارات مثل ”الموت للعرب“، أن “التوراه مكتوب فيها أن اليهود سينتشرون حول الأرض ثم سيعودون إلى وطنهم أرض إسرائيل“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى