مجتمع

الجارديان: كيف نواجه ”زيكا“ ؟

الفيروس تحوّر وأصبح يهدد 4 مليون شخص في الأمريكتين

الجارديان – روبن ماكي – ترجمة: محمد الصباغ

عقد خبراء الصحة البارزون محول العالم اجتماعا طارئا  في جينيف الإثنين، ولمناقشة قضية حيوية واحدة: هل انتشار فيروس زيكا في أمريكاالجنوبية والوسطى يمثل أزمة صحية عالمية؟

يشعر أغلب العلماء والأطباء بالقلق من انتشار الفيروس- الذي يسبب تشوهات جنينية تسمى صغر أو ضمور الرأس- ويعتقدون أن إجابة السؤال الذي سيطرحه اجتماع الإثنين هو نعم بلا شك. ويؤمنون بأن العواقب الكارثية لفيروس زيكا تهدد الكوكب بأكمله.

وقال رئيس مؤسسة (welcome Trust) جيمي فارار: ”تفشي هذا المرض يوفر كل الجوانب التي تؤدي إلى إعلان حالة طوارئ صحية حول العالم.“ وأضاف: ”لا يعبر فقط الحدود الوطنية بل يءثر على المنطقة بأكملها. يجب أن نكون مستعدين لهذا المرض ونساعد الدول حول العالم وجعلهم قادرين على مواجهة وصوله إليهم.“

وأكد فارار: ”تفشي مرض إيبولا والذي تسبب في وفاة أكثر من 11 ألف شخص في غرب إفريقيا بين أعوام 2014 و 2015، كان مريعاً. هذا المرض يبدو أسوأ بمراحل، مع إصابة صامتة لا يمكن الشعور بها للنساء الحوامل، يكون التأثير بشعاً على الأطفال.“

يواجه خبراء الصحة عديد المشاكل. مبدأياً، لا يوجد لقاح أو احتمالية قريبة لوجوده. ويقول مايك تيرنر، رئيس قسم العدوى والمناعة بمؤسسة ويلكم تراست: ”تجربة مصل على امرأة حامل هو كابوس بشع عملياً وأخلاقياً.“

بالإضافة إلى ذلك، على الأقل 80% ممن أصيبوا بالفيروس لم يظهر عليهم أعراض. وبالتالي تعقب المرض أصبح صعب جداً. وفي النهاية هناك طبيعة للبعوضة آيديس المصرية، البعوضة التي تثوم بنشر فيروس زيكا (وأمراض أخرى مثل حمى الضنك والصفراء).

يقول فارار: ”تزدهر تلك البعوضة في الظروف الحالية بالقرن ال21. تحب الحياة الحضرية  وانتشرت في كالم الحزام الإستوائي على الكوكب، وبالطبع، يتمدد هذا الحزام مع ظاهرة الاحتباس الحراري.“ في الحقيقة دولتين فقط –تشيلي وكندا- من بين دول الامريكتين لا تتواجد بهم بعوضة ايجبتي آيديس، وكلالهما دولتين باردتين وتبدوان الناجيتين الوحيدتين من الفيروس.

تقول منظمة الصحة العالمية إن عدد الإصابات بفيروس زيكا في الأمريكتين قد يصل إلى قرابة 4 مليون. ويتوقع خبراء آخرين أن يكون العدد أكبر. يقول بول رييتير، الاستشاري بمعهد باستور بباريس: ”4 مليون حالة إصابة يبدو رقماً كبيراً لكن يمكن أن يصل العدد لدرجة لا تحصى.“ ودعم فكرته خبير الفيروسات ،جوناثان بول، أستاذ الفيروسات الجزيئية لجامعة نوتنجهام. وقال: ”أعداد الإصابات المتوقعة بفيروس زيكا في الأمريكتين قد تكون هائلة. أطلق العنان للفيروس ا في منطقة تنتشر فيها الحشرات والتعداد السكاني لم يكن كذلك في الماضي. لا يوجد لديهم أي مناعة وبالتالي قد تنقل البعوضة الفيروس من شخص لآخر بلا عوائق.“

يطرح انتشار زيكا أسئلة أخرى. كيف وصل إلى المنطقة وما الذي حول الفيروس الذي كان يصنف على أنه غير ضار وغير جدير بالاهتمام الطبي منذ عام مضى إلى ما هو عليه الآن من تأثير خطير على الأطفال الذين لم يولدوا؟

يعتقد الكثير من الخبراء أن الفيروس وصل إلى المنطقة بواسطة حامليه الذين لا يبدو عليهم أي أعراض. ويقول بول كيلام، رئيس قسم علم الجينات الفيروسية بمعهد سانجر بكامبريدج، :”أحد الاحتمالات هو أن بعض من الآلاف بين المشجعين الذين تجمعوا لمتابعة مباريات كأس العالم 2014 بالبرازيل كانوا من حاملي فيروس زيكا. ثم لدغتهم بعوضة آيديس ايجيبتو، وبالطبع، تنتشر عبر الأمريكتين. تلك البعوضات بالطبع لدغت أفراد آخرين وبالتالي نقلت لهم الفيروس.“

الأصعب هنا هو الإجابة على السؤال المتعلق بكيفية تسبب هذا الفيروس في الأثار الجانبية المريعة على الأجنة. يقول ميلس دراكمان، مسؤول منظمة الإغاثة الدولية بالأمريكتين: ”وجد فيروس زيكا بالأساس بين أشخاص بمنطقة الزيكا بأوغندا سريعاً بعد الحرب العالمية الثانية. ثم انتشر في جنوب شرق آسيا وبعد جزر المحيط الهادئ. معظم هؤلاء المصابين لم تظهر عليهم أعراض بينما عانى قليل منهم من الحمى، وآلام المفاصل وأحياناً طفح جلدي.“

اقترن الفيروس فقط بضمور الرأس (microcephaly) عندما وصل إلى البرازيل. ويضيف دراكمان: ”بدأ الفيروس في إظهار نفسه في بعض الحالات في ربيع العام الماضي. وبحلول سبتمبر، لاحظ مسؤولو الصحة أن أعداد حالات ضمور الرأس بدأت في الزيادة بشكل درامي. فقد وصل إلى حوالي 200. وفي النهاية، وصل العدد وفقاً لأطباء إلى أكثر من 4 آلاف وارتبط أغلبهم بفيروس زيكا.“

ضمور الرأس (microcephaly) هي حالة مرضية فيها يولد الأطفال برأس صغيرة ومشوهة. وهؤلاء المصابين قد يعانون من تشنجات ونوبات وقصور عصبي. لم يرجع أحد المرض إلى فيروس زيكا إلا عند وصوله إلى البرازيل، ويشير ذلك إما إلى أنه في الماضي القريب تحوّر فيروس زيكا بيولوجياً أو أن هناك تغيير في سلوك البعوضة المصرية (آيديس ايجيبتي). الأمر الغالب هو حدوث تحور في الفيروس جعلته يتسبب في هذه الأعراض الكارثية، إلا أن هذا التأويل سيكون في حاجة إلى الوقت للتأكيد.

على المدى القصير، يتفق الباحثون على أن انتشار ”زيكا“ سيصل إلى الذروة في وقت ما. ويقول بول: ”من المرجح أن يحرق نفسه فالناس أصبحت معرضة له ثم ستتحصن منه. لكن من غير المحتمل أن ينتهي تماماً. في المستقبل، ربما يعود للانتشار في أوقات متفرقة ويصيب الأضخاص الذين لم يتعرضوا للفيروس، مثل الأطفال.“

فكرة استمرار هذا النوع الجديد من فيروس زيكا وانتشاره حول العالم هو مايقلق علماء مثل ترنر. يقول: ”أحد الأمور الإيجابية هو تركزه في دولة تدعم جيداً الخدمات الصحية. ما يقلقني حقاً هو التهديد بعودته إلى إفريقيا في شكله الجديد. هنا قد سكون له تأثير مدمر.“

إذاً ما الذي يمكن فعله لمنع انتشاره؟ على المدى القصير، السيطرة على أعداد ناقلي العدوى من أولويات الخبراء. ويتم اختبار عديد الطرق. على سبيل المثال، تشترك البرازيل في تجارب دولية على البعوض لمعدل جينياً الذي تجريه شركة أوكسيتيك البريطانية (Oxitec). هذا البعوض –الذكور- معدل وراثياً بحيث يواجه الوفاة حينما يتعرض للإناث من حاملات المرض. وفي إحدى التجارب بمدينة بيراسيكابا، ذكر الباحثون أن أعداد البعوض هبطت إلى 90%.

يبدو الأمر إيجابياً. إلا أن ترنر حذر من شئ ما. وقال: ”مهاجمة البعوض فكرة جيدة لكننا نهاجم البعوض منذ عقود ومازالوا مشكلة رئيسية. ونعم، البعوض المعدل وراثياً الذي يجرى عليه التجارب في عدة دول من بينها البرازيل، لكن لا يوجد استعداد لنشرها بشكل واسع إلى الآن. السؤال المفتوح هما، هو هل يمكننا زيادة المعدل إلى الذي نحتاجه في المستقبل القريب.“ في الحقيقة، ربما يجبر مسؤولي الصحة على العودة إلى الأقدم، الطرق الأكثر إثارة للجدل للسيطرة على البعوضة المصرية، من بينها رش مادة الدي دي تي (DDT)، وفقاً لترنر.

تلك الخطوة يجب أن تكون بشكل مستمر. فالمادة مبيد حشري فعال جداً لكن استخدامها في الستينيات والخمسينيات صحبه ارتفاع في أعداد المصابين بالسرطان والوفيات في الحياة البرية وخصوصاً الطيور. ومن المحظور استخدامها الآن في أنحاء كثيرة من العالم.

يقول ترنر: ”لا يجب أن نعود بشكل طبيعي إلى مادة DDT، لكننا في موقف مفاضلة. يجب أن نوازن بين المخاطرة التي توجه للبيئة والتأثير المريع الذي يسببه الفيروس على الأجنة. يجب أن نفكر في الأحلاقيات والتطبيق العملي الآن.“

دعم وجهة النظر تلك فارار، وقال: ”لا يجب استبعاد أي شئ عن مناقشة ما الذي يجب فعله حيال فيروس زيكا، لأننا لا نستطيع توقع إلى أي مدى سيصل هذا الوباء. نحن في موقف مخيف من عدة جوانب.“

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى