سياسةمجتمع

فورين بوليسي: “كريسماس أسود” لمسيحيي الشرق الأوسط

فورين بوليسي: من مليون مسيحي عرافي لم يتبق سوى ربعهم، و”الانقراض” يهدد مسيحيي سوريا المحاصرين بين الأسد والمعارضة الإسلامية ، بينما تفحمت العديد من كنائس أفباط مصر

Mary statue

فورين بوليسي – (كريستيان كاريل *(CHRISTIAN CARYL

ترجمة – محمد  الصباغ

يعيش حالياً في العراق ربع مليون مسيحي بعد أن كانوا مليوناً

وجدت نفسي منذ أيام قليلة على أبواب كنيسة سانت إلياس، و هي واحدة من كُثر في أحد الأحياء التقليدية المسيحية في أربيل، عاصمة إقليم كردستان. لكن هناك لم أجد في استقبالي أي شئ تقليدي. فساحة الكنيسة كانت مكتظة بالخيام البلاستيكية الملونة بالأزرق السماوي و الأبيض المميزين للأمم المتحدة، و صارت تلك الخيام  الملجأ الوحيد  للعائلات التى تم طردها من بيوت سكنتها  لأجيال متتابعة حتي قبل شهور قليلة.

و هناك، وجدت أيضاً الأطفال الذين لا يجدون مدارسا ليذهبوا إليها، يركلون الكرة وسط الطين المحيط. و البالغون منهم يصطفون بأسى في طوابير ،  مطاردين وظائف غير موجودة في المدينة.

كل من في تلك المخيمات ينتمي للكلدان الكاثوليك، و هو فرع بارز و قديم من الكنيسة الكاثوليكية. و هذا تحديداً ما جعلهم لاجئين.

و وسط كل هذا البؤس و القذارة ينتصب تمثال لمريم العذراء كرمز يائس لإيمانهم.

بالطبع الحياة في العراق ليست جيدة لأي شخص منذ الغزو الأمريكي في عام 2003، و الذي أطلق العنان لصراع طائفي مستمر سواء بشكل دائم أو متقطع حتى يومنا هذا. لكن المجتمعات المسيحية العراقية بالخصوص واجهت الأصعب. فمن مليون مسيحي يعيشون في العراق مع بداية الحرب، تبقي تقريباً ربع مليون يعيشون في البلاد حالياً.

خلال العشر سنوات الماضية، قام أعداؤهم بسلبهم و خطفهم  هم وكهنتهم ، ودمروا كنائسهم. الطائفة المسيحية التي كانت تنبض بالحياة في بغداد تم محوها. و حتي وقت قريب تمركز من تبقي من المسيحيين في شمال العراق و تحديداً في مدينة الموصل ثاني أكبر مدينة في بلاد الرافدين.

لكن مثّل قدوم الجهاديين من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام، نهاية لحياة المسيحيين في شمال العراق.

في كنيسة سانت إلياس، سمعت قصصا عن الأيام التي عاشوها في أغسطس عندما اقتحم مقاتلو الدولة الإسلامية الكنائس و المنازل. و أثناء جلوسنا  في الخيام المزدحمة نرتعش من البرودة الشديدة يندفع سيل الذكريات: الأخبار الأولي عن هجوم وشيك، الرحيل السريع، انفصال العائلات و ما واجهه من تركوا وراء الظهور من تعذيب و قتل.

قادني بعض الفتية لقبو في ساحة الكنيسة بداخله ضريح وبه تمثال آخر للعذراء، و أخبروني أنهم رأوا وجهها مبللاً و قالوا:”إنها تبكي لأجلنا“ و قال أحدهم و هو يخرج صوراً ”إنها تري ما نعانيه“.

أعتقد أنك من الممكن أن تعتبر كل ذلك أخبارا قديمة. الكثير حدث منذ نوفمبر الماضي، والكثير من القصص تم نشرها.

بشكل عام تحرك الإعلام العالمي، لكن اللاجئين مازالوا هنا تجمعهم ساحة الكنيسة، أو مواقع أخري منتشرة حول الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد، و التي منحتهم ترحيباً كبيراً بالرغم من نقص الموارد.

لقد نسى العالم هؤلاء، لكن هم مازالوا يصارعون للوصول لحل لتلك الكارثة. و تتكرر الحكايات و تتداخل: ”لقد خبأت مدخراتي في المنزل، كنا نعتقد أننا سنعود بعد أيام قليلة. لكن الآن أدركنا أنه من المحتمل ألا نعود أبداً.“
”هم يعرفون أرقام هواتفنا المحمولة، بعد أيام قليلة اتصلوا بنا و قالوا: سيعثرون علينا و يقتلونا“, و يقول آخر ”لقد أخذوه بعيداً، ولم يصلنا شيئاً منه مرة أخري“.

و يمكننا اعتبار “مخلص يوسف يعقوب” صاحب ال 37 عاماً من المحظوظين. و الشكر في ذلك لرجل من بلدته “قراقوش” ذات الغالبية المسيحية شرق الموصل.

و جد ابن نفس البلدة و ظيفة ليعقوب في إربيل، يبيع الملابس علي عربة و يوفر له ذلك العمل مال كافي لشقة في حجم خزانة الملابس يسكنها مع زوجته و أطفاله الثلاثة. و ذلك عزاء صغير لمن فقد عالمه بالكامل.

”لقد أتوا في السادس من أغسطس“، هكذا بدأ يعقوب حديثه معى حول اعتداء الجهاديين على بلدته قراقوش. احتجزه مقاتلو الدولة الإسلامية مع ابنه “مارك” الذي يبلغ تسع سنوات، فيما وجدت زوجته و ابنتيه طريقاً للفرار. طالبه محتجزوه بالتحول للإسلام. و عندما رفض، ضربوه بضراوة حتى فقد إحدى عينيه. و بعدما اتضح أنه لن يرضخ، اتجهوا لابنه.

يحكي الرجل عن معاناته فيقول:” لقد ربطوا جسد ابني و قدميه بالحبال ثم جروه بعربة في الشارع“. و بعد سبعة أيام تعبوا من الإستمرار في اللعبة و طردوا يعقوب و ابنه من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة.

و مشى الابن و والده لأميال حتى وصلا للأراضي الكردية الآمنة.

مارك الصغير تبدو صدمته الكبيرة واضحة. عندما سألته عن كارثتهم لم يرد الحديث، و احتمى قلقاً بذراع والده. وبعد دفعة من أبيه أظهر بفخر وشماً بصورة لمريم العذراء على كتفه. هؤلاء أناس أقوياء دفعوا طويلاً ثمن إيمانهم و معتقدهم. أجدادهم عاشوا الألفي عام السابقة في هذا الجزء من العراق و قاوموا محاولات لا تحصي لاقتلاعهم من تلك الأرض.

الكثيرون من مسيحيي شمال العراق ينتمون إلى الآشوريين، المجموعة التي ارتبط اسمها بمجزرة كبرى ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية المنهارة خلال الحرب العالمية الأولى، الحدث الذي لا يُذكر كثيراً في العالم الخارجي. لقد عاشوا أجيالا من الصدمات يمكن للقليل منا تخيلها.

الآن، و بالرغم من امتلاكهم أخيراً للقليل. فالكثير من اللاجئين يقولون أنهم لا يتخيلون الذهاب إلى منازلهم. الحقيقة أن أعداداً من جيرانهم السنّة حذوا حذو تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي و يعنى ذلك أنهم لن يكونوا في أمان أبدا حتى لو انهزم الجهاديين.

 يقول “نمرود إلياس حنا” أنه يريد الذهاب لمنزله اليوم. و يضيف صاحب ال 52 عاماً وهو  من الكلدان مثله مثل يعقوب: ”أريد أن أذهب لمنزلي اليوم لكني لا أستطيع، نحن هنا محبطون و بلا أمل. قرانا دمرت و بيوتنا أحرقت. العيش هنا صعب جداً و نحن لا نستطيع الهجرة خارج البلاد.“

مأساة مسيحيي العراق، التى امتدت لمذاهب و جماعات عرقية أخري، تتكرر في أماكن أخري كثيرة.

التوترات الطائفية تتعمق حول العالم، و المسيحيين في الغالب الضحايا. مسيحيو سوريا ،و الأغلبية منهم من الأرثوذكس، يجدون أنفسهم محاصرين في منتصف الحرب الأهلية بين حكومة بشار الأسد و المعارضة الإسلامية.

و في مصر الأقباط في كنائسهم المتفحمة،  يحاربون العداء ضدهم. و تهاجم الكنائس من الهندوس القوميين في الهند.

و قبل مهاجمتي، أعلم أن المسيحيين ليسوا وحدهم من يعانون من التعصب و العنف في العالم. فخلال هذا الأسبوع الكثير من الأيزيديين، إقلية أخرى في شمال العراق، أعيدوا للحياة بعد كسر القوات الكردية للحصار المفروض عليهم من الدولة الإسلامية في جبال سنجار. و بالطبع هناك الكثير من المسلمين و الهندوس و البوذيين يسقطون ضحايا للإرهاب.

و أعتقد أن كل شخص في العالم يجب أن يكون سعيداً لو انتهي ذلك. لا يجب أن يكون المعتقد سبب للعنف.

و من المهم في حالة مسيحيي الشرق الأوسط أن نأخذ في الاعتبار أن المجتمعات التي تتعرض للهجوم تمثل تقاليد ثقافية فريدة توشك على التدمير أو الإنقراض. فبعض مسيحيي العراق يتحدثون اللغة الآرامية و هي لغة المسيح.

و لا يدهشني اجتماع قيادات مسيحية و مسلمة في القاهرة و إصدارهم بياناً يدعو للتسامح لإيقاء المسيحيين في الشرق الأوسط. لقد فهموا أن فقدان أي من هذه المجتمعات الإيمانية هو خسارة للجميع، وفي نفس الوقت انتصار  لقوى التعصب التي من الصعب على العالم تحملها.

………….

كريستيان كاريل: كاتب ومؤلف كتاب “ميلاد القرن 12” ومساهم منتظم في “نيويورك ريفيو أوف بوكس” وزميل مركز الدراسات الدولية في معهد ماساتشوستش للتكنولوجيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى