رئيس الفلبين وعهد الرعب
أرييه نيير – ترجمة: إبراهيم محمد علي
نيويورك ــ منذ تولى رئيس الفلبين رودريجو دوتيرتي منصبه في أواخر يونيو/حزيران وأعلن “الحرب على المخدرات”، قُتِل أكثر من 1900 شخص ــ 756 منهم قتلهم ضباط الشرطة، في حين قَتَل “الحرس الأهليون” 1160 آخرين، وفقا لتقارير الشرطة الصادرة اعتبارا من 24 أغسطس/آب. ويحتفل دوتيرتي بعمليات القتل، كما تعهد بمواصلة برنامجه لمكافحة المخدرات ما دام رئيسا للبلاد.
ويبدو أن هيئات إنفاذ القانون في الفلبين والتي تواصل حربها ضد المخدرات تتجاهل تماما كل القواعد والمتطلبات الأساسية مثل جمع الأدلة، والتمسك بالإجراءات القانونية الواجبة، أو حتى إجراء المحاكمات. حتى أن رئيس الشرطة في الفلبين رونالد ديلا روزا حَمَّل الضحايا المسؤولية عن موتهم، مدعيا أنهم “لو لم يقاوموا قوات الشرطة لظلوا على قيد الحياة”.
ينافي هذا التفسير لارتفاع عدد القتلى العقل. ففي السيناريوهات حيث يُطلَق الرصاص على أفراد يقاومون الاعتقال، لابد أن يكون عدد المصابين ــ كما هي الحال في الصراعات العسكرية ــ أكبر كثيرا من عدد القتلى. أما إذا مات كل شخص تُطلِق عليه الشرطة النار تقريبا، فإن هذا يشير إلى أن الرُماة يعدمون الأشخاص الذين يحتجزونهم بالفعل.
وعلاوة على ذلك، إذا كان الجناة يقاومون الشرطة، فمن الطبيعي أن يتوقع المرء ارتفاعا حادا في عدد أفراد الشرطة المصابين أو القتلى. ولكن تقارير الشرطة لم تُشِر إلى أي زيادة في عدد الضحايا بين أفراد الشرطة.
ليس من المستغرب أن يشجع دوتيرتي عمليات القتل هذه. فسابقا، عندما كان لفترة طويلة عمدة مدينة دافاو في جزيرة مينداناو في جنوب الفلبين، تولى تنفيذ حملة مماثلة من التحريض على الاقتصاص الأهلي، وأوضح أنه سوف يواصل هذه الحملة على المستوى الوطني في حال انتخابه رئيسا للبلاد. ويبدو أن هذا الوعد ساهم في نجاحه الانتخابي، وهو ما يشير إلى اتجاه تاريخي مؤسف في السياسة في دول جنوب شرق آسيا.
ففي عام 1983، أشرف سوهارتو، الذي حكم إندونيسيا بقبضة من حديد في الفترة من 1967 إلى 1998، على سلسلة من الوفيات الغامضة، التي عُرِفَت باسم “عمليات قتل بيتروس”. فعل مدار سنتين، أُعدِم ما يقدر بنحو 3000 إلى 10000 من صِغار المجرمين ــ يفترض أن كثيرين منهم كانوا من متعاطي المخدرات ــ بدون محاكمة. (السبب وراء هذا التقدير الواسع أن الرقابة في إندونيسيا جعلت نشر التقارير عن حقوق الإنسان في ذلك الوقت في حكم المستحيل).
في وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، في عام 2003، أدار رئيس وزراء تايلاند آنذاك ثاكسين شيناواترا حربا خاصة على المخدرات. وأسفرت هذه الحملة عن مقتل 2800 شخص عشوائيا، وقد توصلت لجنة تحقيق رسمية لاحقة أن أكثر من نصف القتلى كان سجلهم خاليا من التورط في المخدرات.
في نهاية المطاف، أطيح بكل من سوهارتو وثاكسين، ولكن ليس لأنهما دبرا عمليات قتل صِغار المجرمين المشتبه بهم ومتعاطي المخدرات. بل يبدو أن التحريض على القتل الجماعي، كما يفعل دوتيرتي الآن، ساهم في حقيقة الأمر في تعزيز شعبيتهما، على الأقل لبعض الوقت. ويتلخص أحد التفسيرات لهذا التشابه في أن إطلاق حملة شعبية ضد جماعة عاجزة محرومة من الشعبية مثل متعاطي المخدرات وسيلة سهلة يخفي بها أي زعيم عيوب وأوجه قصور أخرى.
الواقع أن دوتيرتي يمتطي موجة عالية في الوقت الراهن، ولكن هناك أدوات متاحة لمحاسبته، مثل المحكمة الجنائية الدولية، التي التحقت الفلبين بعضويتها في عام 2011. فبموجب نظام روما الأساسي لعام 2002، والذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، تختص المحكمة بمحاكمة كل الجرائم التي “تعجز” هيئات إنفاذ القانون في الفلبين أو “لا ترغب” في ملاحقتها بنفسها. وما لم يستبق المسؤولون عن إنفاذ القانون في الفلبين المحكمة الجنائية الدولية من خلال محاكمة دوتيرتي في محاكم الفلبين، فمن الممكن أن تتخذ المحكمة الجنائية الدولية الإجراءات اللازمة.
يُعَرِّف نظام روما الأساسي القتل أو الاضطهاد الذي “يُرتَكَب كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أي مجموعة من السكان المدنيين” باعتباره جريمة ضد الإنسانية. ومن المؤكد أن عمليات القتل الواسعة خارج نطاق القضاء والتي تنفذ تحت لواء حرب دوتيرتي على المخدرات تتفق مع هذا التعريف.
ينص نظام روما الأساسي أيضا على أن “الصفة الرسمية كرئيس للدولة أو الحكومة… لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تعفي الشخص من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي”. لا يوجد إذن ما قد يمنع المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية من إطلاق تحقيق ضد دوتيرتي ــ وضد مسؤولي الشرطة وزعماء اللجان الشعبية الذين تعاونوا معه في إدارة عمليات القتل. والقيام بهذا من شأنه أن يبعث برسالة مفادها أن العالم يراقب ويطالب بالعدالة. وإذا استشعر دوتيرتي وزمرته أنهم قادرون على الإفلات من العقاب، فسوف تستمر عمليات القتل وتتصاعد.
تدعو إحدى الشخصيات السياسية البارزة في الفلبين، ليلي دي ليما، عضو مجلس الشيوخ ووزيرة العدل السابقة، المحكمة الجنائية الدولية لاتخاذ الإجراءت اللازمة. وينبغي لكل الملتزمين بالإجراءات القانونية الواجبة وحقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم أن يستمعوا إلى ندائها. وحقيقة أن رئيس دولة يتمتع بشعبية كبيرة يدوس على حكم القانون بقدميه في الفلبين، تجعل الاستجابة الحاسمة السريعة أكثر أهمية.
أرييه نيير الرئيس الفخري لمؤسسات المجتمع المفتوح، ومؤسِّس منظمة هيومان رايتس واتش، ومؤلف كتاب “حركة حقوق الإنسان الدولية: سجل تاريخي”.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت ، 2016. ينشر بالاتفاق مع زحمة دوت كوم.
www.project-syndicate.org