عن الجارديان – خالد البري- ترجمة زحمة
في أيام حكم مبارك الطويلة، لم يكن الحزب الوطني حزبا سياسيا بالمعنى الذي يفهمه الناس فى الغرب، بل كان تجميعا ضخما لجماعات المصالح بلا أيديولوجية حقيقية. وهكذا، استقر فيه اشتراكيون وإسلاميون ورأسماليون –وانتهازيون بكل تأكيد- من دون أن يجدوا غضاضة في ذلك. وقد تفكك بالطبع عقب سقوط مبارك.
لماذا أذكر هذا؟ لأنه سبب من أسباب ارتباك الأوضاع في مصر إلى هذه الدرجة بعد مبارك. لقد أصبحت كل مؤسسة في مصر باستثناء الجيش ساحة لصراع من أجل السيطرة، بما في ذلك مؤسسة القضاء. فالخلايا الإخوانية النائمة نشطت، والانتهازيون غيروا ولاءاتهم، والحرس القديم استشعر الخطر.
وكانت النتيجة سلسلة من الأحداث والقرارات القضائية غير المفهومة. وكشف ذلك عما كان يعرفه الجميع منذ زمن طويل: لقد سُيست قطاعات من القضاء. وكل قطاع كان كبيرا بما يكفي لتحقيق المطلوب منه لصالح هذه الجماعة أو تلك.
مبارك نفسه، مثلا، لم تتم إدانته بـ”قتل المتظاهرين”، لكن حكم عليه بالسجن المؤبد لأنه “امتنع عن حماية المتظاهرين”. أما مرسي فقد انقض على النيابة، فعين نائبا عاما جديدا وأقال القديم، ضاربا بالقانون عرض الحائط.
الأحداث الأخيرة نقلت المعركة على القضاء بين الحرس القديم والإخوان المسلمين إلى مستوى جديد. والتعبير المجازي “سيف العدالة” أصبح تعبيرا حرفيا حين بدأ كل طرف في استخدام المحاكم للانتقام من الآخر. وأعضاء جماعة الإخوان، الذين تمتعوا بحصانة كاملة من القانون أثناء حكم مرسي وتصرفوا كالبلطجية، وجدوا الحماية من أصدقائهم فى النظام القضائي، حتى عندما التقطت لهم صور بكاميرات الهواتف المحمولة وهم يعذبون متظاهرين سلميين داخل القصر الرئاسي نفسه.
هؤلاء أنفسهم أصبحوا، بعد الإطاحة بمرسي في يوليو الماضي، ضحايا للنظام القضائي، حيث صدر الأسبوع الماضي حكم بالإعدام على أكثر من 500 من أنصار مرسي، بخلاف عشرات الآلاف القابعين في السجون.
والمشكلة لا تكمن فقط في ما تمثله هذه الأحكام من ظلم فادح، فهي ستسقط في الاستئناف بلا شك. إنما المشكلة الأساسية أن هذه الأحداث تزيد من إحساسنا بالتشاؤم بشأن مستقبل مصر.
كنت في التاسعة عندما تولى مبارك الحكم عام 1981، ولا يسعني إلا أن أقارن بين الوعود التي سمعتها وقتها وبين الوعود التي أسمعها الآن من المشير عبد الفتاح السيسي، الذي أعلن الأسبوع الماضي ترشحه للرئاسة، وهو المنصب الذي سيناله بالتأكيد. ولا يسعني إلا أن أقارن بين سلوك المؤسسات المحيطة بمبارك وبين السلوك الحالي لمؤسسات الدولة. فإذا كان العالم يُحكم بالقوانين الرياضية، سيكون السيسي هو مبارك الجديد. لكن في عصر الفيزياء، بتنا نعرف أن كل شيء نسبي.
إذا نحن انطلقنا من سلوك القضاء والإعلام، لن نجد في مصر ما يدعو للتفاؤل. وليس لدي سوى ومضة أمل وحيدة، ومضة تأتي من مكان غير متوقع: حقيقة أنني أنا نفسي كنت إسلاميا متطرفا ذات مرة. أعرف خطورة أن يحكمك إسلاميون متعصبون يؤمنون في أعماقهم أنهم نواب الله على الأرض وأن واجبهم الديني هو جعل الناس تتبع “طريق الحق”، ويرون كل شيء من وجهة نظرهم ويصنفون الناس وفقا لمعتقداتهم الدينية. إنه خليط خطير من العنصرية والتطرف لا يعترف بمبدأ المواطنة. بالنسبة لي، كان صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة أمرا كارثيا. وكنت أعرف من الدروس التي تلقيتها في الجامع أنهم يكذبون في كل مرة يصدرون فيها بيانا بالانجليزية يصورون فيه أنفسهم على أنهم مسلمون معتدلون ومنفتحون على الجميع.
صارت العداوة للإخوان المسلمين كاسحة. السنة التي قضوها في السلطة أقنعت معظم الناس أنهم كانوا يسعون إلى تحويلنا إلى نسخة من إيران أو غزة تحت حكم حماس. ليس ذلك ما نريده لمصر، لا أنا ولا معظم المصريين. ورد الفعل على ذلك هو السياق الذي يجب أن تُفهم فيه المحاكمات الأخيرة وأحكام الإعدام. إنه الغضب وقد امتزج بالمشاعر “الوطنية” التي ترى في الإسلاميين أدوات لمشروع أمريكي مزعوم في الشرق الأوسط.
داخليا، ربما يفسر ذلك حالة “اللامبالاة” الواضحة من جانب السلطات الحالية فيما يتعلق برد الفعل الدولي. وربما تكون هناك أسباب إقليمية أيضا، فمن الواضح أن نظاما إقليميا جديدا يتشكل، تقف فيه مصر والسعودية والإمارات في جانب، وفي الجانب الآخر تركيا والتنظيم الدولي للإخوان وقطر.
تعرف السلطات المصرية أن الكروت التي تلعب بها أمريكا قاربت على الانتهاء. وإذا ازداد الضغط الدولي عن الحد فسوف يُستخدم داخليا في تأجيج المشاعر المعادية لأمريكا والغرب. إن أمريكا معرضة لأن تخسر “أصدقاءها” في المنطقة بسهولة. وعلى الجانب الآخر، فإن الصمت الدولي سوف يضعف معنويات الإخوان المسلمين وحلفائهم، ويمنح النظام الجديد، الذي سيصبح فيه المشير السيسي رئيسا، رسالة أنه يستطيع أن يفعل ما يحلو له.