حين قال الضابط: هي نمرة التحرش كام؟..شهادات من الشارع
سألنا الفتيات والنساء والرجال، والأجانب، و مسؤولي المترو وسائقي ميكروباص، و رجال شرطة.
تحقيق دعاء جمال بمشاركة ياسمين نور
لا شيء يمكن أن تقابله في شوارع مصر ومواصلاتها وبيوتها أكثر من قصص التحرش الجنسي، حتى أصبح يمكن تقسيمها إلى العديد من الأنواع: تحرش جماعي أو فردي، تحرش في الشارع أو في البيت أو في العمل، تحرش في المترو أو التاكسي أو الميكروباص، وحين بدأ تداول هاشتاج #اول_محاولة_تحرش_كان_عمري على موقع تويتر، الذي تحكي فيه الفتيات والنساء تجربة أول تحرش جنسي تعرضن لها ، أصيب الكثيرون بالرعب من مدى توغل الظاهرة، ومن تعرض الإناث لها في عمر مبكر جدا وصل إلى 4 أو 5 سنوات فقط، وكذلك من اتساعها وممارستها من قبل أقرب الناس للضحية،
ولأن البعض اتهم القصص المحكية على تويتر بالمبالغة، قررنا في زحمة أن ننزل الشارع لسؤال الفتيات والنساء “عن واقعة التحرش الأولى”، وكيف يتصرفن مع التحرش الآن، وكذلك وجهنا أسئلة أخرى إلى الرجال، وإلى أجانب يقيمون في مصر، وإلى مسؤولين في المترو وعاملين فيه وسائقي ميكروباص، وإلى رجال شرطة.
معظم من سألناهم تجاوبوا معنا،وبعضهم فضل الصمت، والبعض طلب إخفاء هويته.
أول تحرش كان عمري؟
بالقرب من جامعة القاهرة كانت الطالبات هن الأكثر عددا بين المارة، اقتربنا منهن ووجهنا إليهن السؤال الأشهر هذه الأيام، متى كانت أول محاولة تحرش تعرضن لها؟
تخبرنا نادين ( طالبة، 18 عاما) إنها كانت في الصف الثاني الابتدائي حين تعرضت لأول محاولة تحرش، تقول ” كنت بلعب مع ولاد الجيران.. كان جاري.. كان بيقعد يسألنا انتو لابسين إيه وكام بنطلون تحت بعض؟ .. تقريبًا كان عايزنا نقلع”.
ولم تتوقف وقائع التحرش التي تعرضت لها نادين عند ذلك العمر، تقول “السنة اللي فاتت ولد قرصني من رجلي في الشارع.. جريت وراه عشان أمسكه ملحقتوش، بس واحد لحقه وضربه.”
أما هدير محمد، 21 عاما، فتقول”كنت في رابعة ابتدائي .. فيه ممر جناين لازم أعدي منه عشان أدخل للبيت، واحد مشي ورايا في الممر، وفجأة مسكني “من ورا” وطلع يجري.”
وتتذكر أمنية ( 23 عامًا، خريجة) واقعة التحرش الأولى : أول مرة كان عمري 8 سنين، كنت نازلة أجيب حاجة وواحد سألني على شارع .. رحت معاه أوريهوله.. حط إيده على كتفي وأنا كنت عادي.. ده عمو، كنت طفلة، وبعدين إيده بدأت تنزل تلمس باقي جسمي .. أتخضيت وصرخت وجريت”،
أمنية أيضا لم تتوقف بعد محاولات التحرش بها، تقول ” من قريّب واحد كان قاعد جنبي في الميكروباص نزل إيدى من تحت رجله عشان يلمس رجلي من تحت، زعقت له وقولت للسواق في واحد (خ**) هنا.. السواق فهم وخد اللي فيه النصيب.”
أما صديقتها هدي الحسيني، 21 عامًا، فتقول: كنت في ثانية إعدادي تقريبا وبملابس المدرسة.. بارنّ الانتركم عشان ماما تفتحلي باب العمارة.. جه واحد رفع لي الجيبة وأول الباب ما فتح جري.”
وتتذكر حبيبة، 23 عامًا “كان عندي 17 سنة، كنت راكبة ميكروباص واللي قاعد جنبي حط إيده على كتفي، زعقت له وأول ما حد نزل غيرت مكاني.”
أما سمر ( 27 عاما، موظفة) فتتذكر أيضا محاولتها لمعاقبة أول متحرش بها، تقول “كنت في أولى جامعة، وكان في طريقي وانا مروحة للبيت مدرسة ثانوية، وأنا ماشية جنب المدرسة فوجئت بولد مسكني من صدري وجري، جريت وراه لحد ما ناس من مدرسته قالولي هو في سنة كام، رحت له المدرسة عشان أجيب معلومات وأعمل في محضر، حاول مدرس هناك يقنعني إنه حرام ومستقبله والكلام ده ، الولد كان في ثالثة ثانوي، قولتله لو من دلوقتي بيعمل كده ناقص إيه تاني يعمله.. وأخدت عنوانه ..الكلام ده كان 2011 أو 2012، مكنش حد بيهتم لسه، أنا كنت مصرة أعمل فيه محضر مع أن الناس قالولي الأُمنة “أمناء الشرطة” مش كويسين في القسم وهيضايقوكي لما يعرفوا أنه محضر تحرش.. بس كنت مصرة، وقلت لأخويا اللي كانوا أصحابه في نفس المدرسة.. عملت المحضر وكل شوية كنت بروح اسأل عن المحضر وكانوا بيقولولي إن العنوان مش مظبوط وأنه تقريبًا كان عنوانه وعزل.. وأصحاب أخويا كان مستحلفين له.. الولد ما كنش بيروح المدرسة ولا حتى بيعدي على أصحابه، وما راحش غير على الامتحانات بس… وأنا نسيت الموضوع.”
علا، 19 عاما، “كنت في أولى أو تانية إعدادي، وسواق الميكروباص حط إيده على رجلي، شتمته ونزلت.”
سلمي، 18 عاما، “أول مرة كانت فى ثانوي في شارع نصر الدين في الهرم، و واحد زقني.. قعدت ازعق فيه بس محدش عمل حاجة ولا اتحرك.”
ميسون، 18 سنة، “مش فاكرة أول مرة، بس لسة من أسبوع سواق توكتوك شد شعري وأنا ماشية”
منة 19 عاما، “لسة واحد على موتوسيكل صرخ في وداني”
كنا، أثناء توجيه أسئلتنا نتحرك عبر القاهرة، وصلنا إلى وسط البلد، إلى شارع شريف، واقتربنا من المتسوقين، هناك، قالت لنا “ندى، طالبة جامعية ” إن الواقعة الأولى حدثت وهي في الإعدادية،حين أمسك سائق توكتوك ذراعها بقوة أثناء مروره بجانبها، وبلغت قوة الجذبة أنها اضطرتها للذهاب إلى المستشفى وعلاج ذراعها، أما صديقتها “شيماء” فتقول إنها كانت أيضا في نفس السن -المدرسة الإعدادية- حين قام أحدهم “بقرص وسطها” أثناء سيرها في الشارع، وتؤكد أنها رغم عدم نسيانها للواقعة تحاول ألا تجعل الأمر يؤثر عليها.
أما (س. خ) 25 عامًا، فتشير إلى نوع آخر من من التحرش تتعرض له بشكل متكرر، حيث يتفحص المتحرش جسدها ثم يقول بصوت عالي” تبارك الخلاق” أو “سبحان الله”!
أجانب: عندما يبتعد زوجي 5 متر فقط!
أثناء تجوالنا في ميدان طلعت حرب صادفنا عائلة دنماركية تتكون من رجل وزوجته وطفلين كانت في طريقها لـ “تاون هاوس”، سألنا الزوجة عن تجربتها، فأخبرتنا إنها لم تتعرض لتحرش في موطنها، إلا أنها هنا في مصر تلاحظ تغييرات في نظرات الناس إليها وتصرفاتهم معها بمجرد أن يبتعد وزوجها عنها لخمسة أمتار فقط !
بتتصرفوا ازاي؟
تقول عايدة محمد (53 عاما) إنها لا تشجع بناتها على التصدي للمتحرش حتى لا يعتبرهن الناس” مش كويسة زيه.. والبنت الي بترد على الناس مش كويسه.. أنا امشي بأدبي ولو لقيته زاد عن حده أتحامى في حد.. دول لو اتنين بس مش هتقدر عليهم”.
وتضيف عايدة ، أثناء انتظارها الميكروباص في الجيزة “أيام زمان كنا بنلبس “كات” وتحت الركبة ومكنش لحد حاجه غير بنصحنا، نقبلها أو نرفضها” ، وتضيف أن الحل هو نزول الشرطة للشوارع مجددًا.. وأنه لا يجب كبت الفتاة بمنعها من الخروج لما لذلك من أضرار نفسية”
وأمام أحد محلات العصائر بميدان طلعت حرب سألنا فتاة شابة (أ.م- موظفة) بدا أنها ترتاح قليلًا بعد يوم عمل مرهق، فقالت إنها تحاول تجنب التحرش في المواصلات من خلال الابتعاد عن أي متحرش محتمل، لأن أهلها غالبًا سيلقون باللوم عليها مؤكدة على أن والدها يلقي اللوم على ملابس فتاة الزقازيق التي تم التحرش بها مؤخرًا.
وفي ممر الشاي الهندي المتفرع من طلعت حرب، سألنا “هدى” التي أكدت أنها إنها لا تسكت أبدًا، وقد قامت مؤخرًا بضرب متحرش على وجهه والتصدي له عند محاولته التحرش بها في المترو، مؤكدة أنها ستعلم أبنتها وتشجعها على القيام بالمثل وعدم التنازل عن حقها”، أما صديقة هدى التي كانت معها وهي في مل عمرهاـ فقد فضلت التزام الصمت.
المترو : سبب التحرش البنت بنسبة 90%!
توجهنا إلى محطة مترو الأنفاق ( جامعة القاهرة ) لسؤال الموظفين بشأن حالات التحرش التي يقابلونها أثناء عملهم، وأخبرتنا رشا، 36 عامًا، موظفة تذاكر، أن هناك كاميرات بالمحطة، وفي حالة وجود حالة تحرش يتفاعل معها الأمن عند مشاهدتها في الكاميرات، وتعتقد رشا أن التحرش سببه ملابس الفتاة، وذلك رغم تأكيدها على تعرضها يوميًا للتحرش اللفظي، وتضيف أن أغلب حالات التحرش تحدث في محطتي الشهداء والعتبة.
ويتفق معها هاني، 53 عامًا، رئيس المحطة، إذ يقول : سبب التحرش يعود بنسبة 90 % إلى البنت و10% إلى الولد”، مضيفًا أن السبب هو انعدام التربية من قبل الأهل فلا ينشأ الأولاد والبنات على خلق، ويؤكد هاني أن الحل توظيف رجال دين على حق “مثل الشيخ الشعراوي الذي رفض الجلوس مع مذيعة غير محجبة وليس عمل برنامج لصافيناز لتتحدث عن الأخلاق”
أما موظف الأمن في المحطة نفسها فلم يرغب في التعليق.
في الميكروباص : ضرب وسلبية
في ميدان عبد المنعم رياض يتحدث محمد، سائق ميكروباص بخط المعادي؛ عن حالات التحرش التي يواجهها أثناء جولاته اليومية، فيخبرنا أنه عند وقوع حالة تحرش عادة ما يجبرون المتحرش على النزول من الميكروباص وأحيانًا يضربونه، موضحًا أنه غالبًا ما يكون رد فعل الرجال والسيدات من كبار السن سلبيا، حيث يطلبون أن يكتفي السائق بتغيير مكان المتحرش والطلب من فتاة أخرى أن تجلس بجانب الضحية. مؤكدًا أنه -محمد – يرى هذا تصرفا خاطئًا.
أما حسين عبد الفتاح، 43 عامًا، سائق الميكروباص الذي التقيناه أمام جامعة القاهرة ويعمل على خط “جامعة جيزة وبيت الطالبات”، فيرى أن ” السبب الرئيسي للتحرش هو تبرج البنات”، وحين جادلناه بأن هناك منتقبات يتعرضن للتحرش كانت إجابته “يبقى هما مش محترمات”.. وأوضح “يعني أنا مراتي مش منقبة بس محدش بيتحرش بيها ولا يعاكسها، مع أنها حلوة، على قدر كاف من الجمال.. المحترم بيجبر الناس تحترمه ومش شرط المحترم يكون لا بس نقاب أو حجاب، بس محترمة في نفسها.. في مشيتها.”
ويخبرنا حسين بأن لديه ابنتين يأمرهما بألا تردان على أي أحد في الشارع، فعندما لا ترد “هتسيبه زي الكلب.. متديلوش أهمية”. وأضاف “الولد برضه عليه ذنب المفروض يغض البصر، الغلط متبادل لكني بحمل البنت الغلط الأكبر لأن من مصلحتها صدّ أي شخص…أنا بحكم المهنة ومعظم زبايني بنات باقابل بنات مش كويسة خالص.. وبرضه في ولاد مش كويسين بس الرك على البيئة”.
الرجال: مش مظبوط وزبالة!
استوقفنا عددا من المارة الرجال بشكل عشوائي بين منطقتي الجيزة ووسط البلد، لنسألهم عن رأيهم في أسباب التحرش:
يقول محمد، رئيس قطاع في التأمينات الاجتماعية سابقًا (62 عامًا ) إنه يرى أن التحرش يرجع لأكثر من سبب منها البعد عن الدين والأخلاقيات ،و ثانيًا: الفتاة تخرج من المنزل بشكل “غير مظبوط” على حد وصفه “في شكل معين بيخرج للشوارع متعودناش عليه. العيب من الكل، يعني أنا اشوف أخويا بيعاكس واحدة أقول الواد كبر، وفي نفس الوقت أشوف البنت خارجة لابسة بنطلون محزق ولبس يوري أكتر ما يخبي.. لو شفت حد بيتحرش قدامي هلعن سلسفيل جدوده، وأنا معود بنتي من البداية على عادات معينة، بقول لبنتي امشي في حالك وكأنك مبتسمعيش حاجة مع أنها كانت في تجارة بنها بتسافر وتيجي كل يوم”
بينما يقول محمد أحمد ( 20 عاما ) طالب بجامعة عين شمس، أنه لا يرى أن ملابس الفتاة دعوة للتحرش بها، وحكى عن صديق له تحرش بفتاة مما جعله يتدخل ويعتذر لها، مشيرًا إلى سبب تحرش صديقه بالفتاه قائلًا: “عشان هو زبالة“
و يحكي ح .أ ( 21 عامًا، خريج ويؤدي فترة الخدمة الوطنية كحارس أمام إحدى المؤسسات ) بأنه شاهد واقعة تحرش قام بها طفل ، حيث صرخت فتاة في ولد يبلغ حوالي 14 عامًا، وقال ح.أ إنه جرى ورائه وأمسك به ، ثم عرف أن السبب تحرش وليس سرقة، وشعر بالتعاطف معه لصغر سنه، ولكن زملائه كانوا قد شاهدوه يطارده وأمسكوا به معه بالفعل، وقامت قوة الشرطة الخاصة بمكافحة التحرش بعمل إثبات حالة للطفل وتسليم الطفل لوالده، مضيفًا ان الفتاة التي صرخت كانت تعمل في محل كوافير وأنها حسب قوله “ماكنتش مظبوطة برده”.
وعلى مقهى بوسط البلد يقول ( م. ج) أنه يرى أن ملابس الفتاة جزء من أسباب التحرش بها ولهذا ينتبه إلى ملابس طفلته التي تبلغ 4 أعوام، وأنه يعلمها أنه لا يجب أن يدخلها الحمام سوى والدتها وأنها لا يجب أن تمسك يد أي شخص سوى من يوافق عليهم والديها، كما أكد أنه لن يفرض عليها الحجاب عندما “تبلغ” وأنه يرى ارتدائه حرية.
بينما يرى محمود.، 20 عامًا على نفس المقهى أنه ليست كل حالات التحرش “مشكلة فعلية” وأن هناك من الفتيات لديهن “نقص عاطفي” ولا يمانعن في المعاكسة ولكن لديهن مشكلة في التحرش باليد فقط.
بوليس: خط التحرش كام ؟!
في سيارة دورية بأحد ميادين القاهرة جلس ثلاثة رجال شرطة، اقتربنا منهم وسألناهم عن حالات التحرش التي شهدوها، فأجابوا بأن أغلب الفتيات اللاتي يلجأن إليهم بسبب تعرضهم للتحرش يرفضن كتابة محضر أو الذهاب لقسم الشرطة، وأشاروا إلى واقعة حديثة حيث اشتكت فتاة من شخص قام بتعرية أجزاء من جسده أمامها، وعندما طلب منها بطاقتها لعمل محضر رفضت، ولدي سؤالهم بشأن ما يجب أن تفعله الفتاة عند تعرضها للتحرش في أي مكان، أخبرونا بأن على الفتاة الاتصال على الرقم الساخن للإبلاغ عن التحرش، إلا أنهم لم يتمكنوا من تذكر الرقم .
شهادتي
وفي النهاية أرغب أنا –دعاء– في إضافة شهادتي الخاصة، “أتعرض يوميًا لمختلف أنواع التحرش بداية من توقف سيارات ملاكي أمامي تطالبني بالركوب، وعربات النقل التي تحاول إخافتي من خلال السير باتجاهي كما لو كانت ستدهسني من أجل أن يشعر السائق التافه ربما ببعض المرح، إلى من يحاول “الحكّ” في الميكروباص غالبًا أثناء ذهابي للعمل، سواء عن طريق التحرك لتقليص المسافة بيننا أثناء الجلوس إلي محاولة التحرش من الكرسي الخلفي.. هذا غير التحرش اللفظي أثناء سيري من المترو لمكان عملي وهي مسافة لا تتخطى العشر دقائق، وتعاد الكرة أثناء العودة إلى المنزل، فضلا عن عربات تتوقف في منتصف طريق سريع اضطر لعبوره يوميًا للعودة لمنزلي، فقط ليلقي سائقها بكلمة تحرش، وهو ما كاد يعرضني لحادثة أكثر من مرة”.