منوعات

المخاطر الخفيّة لكتمان الأسرار

المصارحة أفضل سلاح للديمقراطية

Psychology Today

ترجمة وإعداد: ماري مراد

هناك قول شهير للفيزيائي الدنماركي، نيلز بور: “أفضل سلاح للديكتاتورية هو الكتمان، بينما أفضل سلاح للديمقراطية يجب أن يكون المصارحة”. والحكمة الشائعة تُخبرنا بأن كتمان الأسرار يمكن أن تكون له خسائر فادحة، بينما يمكن للمصارحة أن تكون خطوة للأمام نحو التعافي. فكلما كبر السر ازدادت صعوبة كتمانه وكذلك الصراع المحتمل، فهل تخون صديقة لك شريكها الذي يعد صديقك أيضًا وأنت لا تعلم ما إذا كان عليك الإفصاح عن الأمر أم لا؟ أم إنك تعاني من صعوبات مالية ولا تريد إخبار شريكتك؟ أم تبحث عن وظيفة أخرى سرًّا وتحرص على عدم الإفصاح عن الأمر مع زملاء العمل؟

كل هذا مُجرد غيض من فيض حينما يتعلق الأمر بالأسرار، وعادة ما نكون طرفًا في إخفاء سر ما، حتى عندما نعلم أن الأمر ستكون نهايته سيئة. فرغم أن الأسرار قوية وكذلك الصراحة لكن السرية في كثير من الأحيان تبدو كأنها الطريق الأسهل.

السرية يُمكنها تقليل الرفاه في حين أن مشاركة الأسرار تزيد الارتياح

هناك الكثير من الأبحاث التي تُظهر أن الصراحة “الإفصاح الذاتي” تُعزز الود والحميمية. على سبيل المثال، يُظهر بحث أن الأزواج الذين يتحدثون معًا عن قضايا العلاقة المهمة مع شركائهم الآخرين يتمتعون بحميمية أكبر، كما ينعكس في مقاييس الحب العاطفي والرضا عن العلاقة. واستجابت النساء بقوة أكبر، ليس فقط في ما يتعلق بالكشف عن الذات، بل أيضا بالاستجابة.

ويحد إخفاء الأسرار من الاستجابة عن طريق منع الأشخاص من التصرف بشكل طبيعي والمشاركة بحرية. والأكثر من ذلك، فقد يؤدي إلى وقوع ضرر. وأثبت سلافين وزملاؤه عام 2017، في دراسة أجريت على 13 ألف سر، أن الأشخاص قد يشتتون بفعل الأسرار، ما يؤدي إلى انشغالاتهم، وتقليل الشعور بالرضا عن حياة المرء.

ما هي سيكولوجية السرية؟

وفقا إلى الباحثين سلافين وهاليفي وجلينسكي من جامعة كولومبيا وستانفورد، الذين كانوا يدرسون بشكل مكثف العديد من جوانب الأسرار (على سبيل المثال من الذين نأتمنهم على الأسرار؟)، هناك أسباب وجيهة وراء فكرة أن إخفاء المعلومات يستنزفنا أو يفعل ما هو أسوأ من ذلك.

وهناك فرق بين المعلومات التي يجب أن تبقى سرية والمعلومات شخصية، التي قد لا نشاركها، لكننا سنكشفها إذا ظهرت دون خوف من العواقب.

لذا، يكتب الباحثون أن الأسرار تفرز بالضرورة “صراع تحفيزي”، “فهدف تجنب التكاليف الاجتماعية لكشف المعلومة يتعارض مع هدف التواصل مع الآخرين والحفاظ على الحميمية في العلاقات الوثيقة من خلال مشاركة المعلومات السرية”. ونظرًا لأن إخفاء الأسرار يمكنه تقويض العلاقات الاجتماعية فيمكن للسرية أن تؤدي إلى الشعور بالوحدة وتؤدي “في الحالات القصوى” إلى العزلة، كما أن الحفاظ على السرية أمر مُتعب لأنه يحتاج إلى طاقة، وأحيانًا ما يكون مستحيلًا.

السرية تطلب تدريب الإرادة، واليقظة لما يقوله المرء، وبشكل عام يستخدم المرء الموارد العاطفية والمعرفية، ما يتركه بمشاعر سلبية محتملة، بما في ذلك الشعور بالذنب.

7 تجارب لتحليل السرية:

من أجل الحصول على فهم أفضل لما يحدث لنا عندما نُخفي الأسرار، صمم سلافين وزملاؤه سلسلة من 7 تجارب للنظر في عوامل مختلفة، لمعرفة ما إذا كان كتمان السر مُرهقًا، وفي ظل أي ظروف، وما إذا كانت تكلفة الاحتفاظ بالسرية لها عواقب على أرض الواقع، بما في ذلك التأثير على الأداء والشجاعة والتصميم.

في كل تجربة، استُخدمت استطلاعات عبر الإنترنت للحصول على لمحة عن قطاع عريض من السكان مقارنةً بطلبة الكليات الذين عادة ما تستخدمهم الأبحاث النفسية، وذلك بمشاركة 200 شخص بداية من التجربة الأولى وحتى الخامسة، و400 في التجربة السادسة والسابعة، متوسط أعمارهم في منتصف الثلاثينيات.

وطُلب من المشاركين التفكير في سرّ مهم، كانوا يعتزمون الاحتفاظ به لأنفسهم ومقارنته بالمعلومات الشخصية المهمة التي لم يشاركوها بعد، ولم يكن في نيتهم التكتم عليها. ونظروا في تدابير العزلة الاجتماعية، التي يُعتقد بأنها تعكس الصراع التحفيزي لأن الصراع الأكبر حول الأسرار يؤدي إلى زيادة مشاعر العزلة.

والإعداد التجريبي الواسع متعدد المستويات، ففي التجربة الأولى، تم البحث في ما إذا كان إخفاء الأسرار يزيد من الشعور الإجهاد بشكل غير مباشر، كنتيجة للعزلة الاجتماعية. ووجد الباحثون أن أولئك الذين تكتموا على الأسرار أفادوا بتعب أكبر متعلق تحديدًا بجهد الاحتفاظ بتلك المعلومات لأنفسهم، وأن جزءًا كبيرًا من هذا التعب مرتبط بمشاعر العزلة الاجتماعية الناتجة عن ذلك.

والثلاث تجارب التالية، الثانية والثالثة والرابع، بحثت في مدى تحكم المشاعر الشخصية القوية في تأثير الحفاظ على السرية. وفي التجربة الثانية، سُئل المشاركون عن معلومات مصحوبة بمشاعر العار أو الشعور بالذنب أو الإحراج. والتجربة الثالثة تطرقت إلى تأثير الطموحات الكامنة التي قد تعوض الجوانب الإشكالية من الأسرار، على سبيل المثال حمل دوافع رائعة للحفاظ على الأسرار أكثر مما يُدرك الآخرون. وفي التجربة الرابعة، نظر الباحثون في كيف شعر الناس حول المعلومات التي من غير المحتمل أن تظهر في المحادثة. واتضح أننا نقلق بشكل أقل بشأن شيء من غير المرجح أن يظهر، مقارنة بالمواضيع التي قد لا نكون قادرين على تجنبها.

ومن هنا، ثبتت صحة التأثير المجهد للسرية الذي يرتبط جزئيًا بالعزلة الاجتماعية، حتى بعد السيطرة على المشاعر السلبية وانخفاض احتمالية ظهور المعلومات. ومع ذلك، بالنسبة إلى التجربة الثالثة حيث وجدت تطلعا داخليا للتخفيف، لم يكن الإرهاق أعلى، رغم أن المشاركين لم يبلغوا عن شعورهم بالعزلة الاجتماعية المتعلقة بإخفاء السر، فيبدو أن وجود “سبب وجيه” للحفاظ على سر يكون له تأثير وقائي ضد الإرهاق، لكنه ما زال يترك شعورًا بالعزلة.

في التجربة الخامسة، ابتعد المشاركون عن الإبلاغ عن المشاعر وبدلا من ذلك نظروا إلى مقاييس السلوك، بما في ذلك المثابرة وأداء المهام. وطُلب منهم التفكير في المعلومات السرية مقابل الأخرى غير السرية، وتقدير العزلة الاجتماعية ومن ثم تنفيذ مهمة حل الألغاز (إعادة ترتيب الحروف). وقاس الباحثون مدى نجاحهم وعدد الألغاز التي حلوها. واتضح مرة أخرى وجود علاقة بين إخفاء الأسرار والعزلة الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، أظهروا أن السرية بشكل غير مباشر عبر العزلة، قللت من المثابرة والأداء. كما توصلوا إلى أن الأداء هو الأكثر تأثرا بانخفاض المثابرة، والتي تتعلق في حد ذاتها بالإرهاق الناجم عن العزلة الاجتماعية.

وتعمقت آخر تجربتين، السادسة والسابعة، بشكل أكبر في تفاصيل العاطفة والصراع التحفيزي. وسأل الباحثون عن العواطف باستخدام PANAS-X (جدول التأثير الإيجابي والسلبي للحزن والخوف والعداء والشعور بالذنب والنزاع التحفيزي المباشر من خلال التحقق من كيف يمكن للأسرار أن تتداخل مع الأهداف الاجتماعية). على سبيل المثال: تساءل الاستطلاعات “ما مدى تصارع هذا السر أو المعلومة غير المعروفين للآخرين، مع هدفك للتواصل مع أشخاص آخرين أو أن تكون قريبين منهم”. وكررت التجربتان النتيجة نفسها التي تفيد بأن كتمان الأسرار كان مرتبطا بشكل فريد بتعب أكبر متعلق بالعزلة الاجتماعية.

وعلاوة على ذلك، وجدت التجربة السادسة والسابعة أن العزلة الاجتماعية كانت أعلى بشكل ملحوظ في أولئك الذين أبلغوا عن صراع تحفيزي أكبر. كما أظهرتا أن السرية ارتبطت بمستويات أعلى لجميع مشاعر جدول “PANAS-X”: العداء والخوف والشعور بالذنب والحزن. ووجد الباحثون أنه من الناحية الإحصائية، يرتبط الحزن والعزلة الاجتماعية بشكل كبير ببعضهما البعض، ويقيسان حالة عاطفية كامنة متداخلة للغاية. لذلك، اتخذ الباحثون خطوات خاصة لمنع هذا التداخل من التأثير على تحليل البيانات.

عندما استقر الأمر، وجدوا أن العزلة الاجتماعية الناجمة عن السرية، بغض النظر عن الخوف أو العداوة أو الذنب، تنبأت بالإجهاد.

ما الآثار المترتبة على إخفاء الأسرار أو الكشف عنها؟

إخفاء الأسرار مُرهق ويطلب جهدًا. يبدو الأمر واضحًا، لكن من السهل التقليل من شأنها ما يعرضنا للخطر. وقد اتضح أن من يعانون من مستويات أعلى من الصراع حول الأسرار يستسلمون بسهولة أكبر ويؤدون بشكل أكثر سوءًا في المهام الإدراكية. وأحد الأسباب الرئيسية للتأثير السلبي على مستوى الطاقة والأداء، هو أن الأسرار تجعلنا نشعر بالوحدة والحزن، وبمزيد من الخوف والعداء والذنب، لكن الحزن والعزلة يجعلاننا أكثر إرهاقًا.

ويقوض كتمان الأسرار إحساسنا بالرفاه، والرضا عن الحياة العامة، وفي حين أن المصارحة (في ظل الظروف المناسبة) يمكن أن تقودنا إلى الشعور بالسعادة وتجعلنا أكثر رضا وقربًا من الآخرين. وكما لاحظ سلافين وزملاؤه، فإن “السرية تخلق صراعًا بين هدفي التواصل مع الآخرين وإبقاء المعلومات السرية مجهولة، ما يظهر في مشاعر العزلة الاجتماعية والصراع التحفيزي”.

المصارحة؟

لسوء الحظ، ليس من السهل جدًا إخبار الجميع بكل أسرارنا الصعبة، كما أنه ليس واضحًا دائمًا متى وكيف يكون القيام بذلك مفيدًا كما تخبرنا نظرية الصراع التحفيزي، هناك عواقب للكشف عن معلومات حساسة والتي تستخدم على نحو متوازن للحفاظ على كل ما هو سري.

وفي كثير من الأحيان، يُحب الكثيرون إثارة المشاكل من أجل مكاسبهم الخاصة، والكشف عن أسرار الآخرين المدمرة، الذي يمكن أن يكون طريقة مكيافيلية للمضي قدما. ومن ناحية أخرى، غالباً ما يكون الكشف عن الأسرار مفتاحًا للعدالة.

وتتراوح الأسرار من الأكثر حميدية إلى الأكثر خبثًا وخجلًا. فكلما كان السر أسوأ، ازدادت العزلة والتعب. وفي حين أنه بالنسبة لكثير من الأسرار، هناك صراع حقيقي بين تكلفة الاحتفاظ بالسرية والعواقب المترتبة على الإفصاح عنها، فهناك العديد من الأسرار التي تظل سرية تحت القسر والإكراه، بسبب ديناميكيات الأسرة المختلة، والأعراف المجتمعية لإنكار وقمع الحقائق غير المريحة.

المعضلة

هذا يتركنا مع المعضلات المتكررة: نحن نعرف شيئًا، لكن هل نرويه؟ هل من الأفضل مشاركة مخاوفك مع صديقك المقرب حول إخلاص شريكته والمخاطرة بإلحاق الضرر بعلاقتك على المدى القريب، أو التكتم على الأمر حفاظًا على الصداقة مع الشعور بالذنب والخوف من أن يدرك صديقك أنك تركته يُخدع؟ هل تصارح رئيسك في العمل بأنك تفكر في تغيير مهنتك، أم أنك تحتفظ الأمر، وتخاطر بتدمير العلاقات بينكما؟

يمكن لمن يواجهون الأسرار استخدام هذا البحث لفحص النفس بشكل أكثر فعالية لمعرفة: ما هي الصراعات التحفيزية المحددة التي يواجهونها مع هذا السر؟ وما هي العواقب المترتبة على احتفاظهم بالسر على أنفسهم وأصحاب المصلحة الآخرين؟ وما مدى شعورهم بالعزلة؟ وكم يكون مزعجًا حينما لا يكونون مع أشخاص آخرين؟ وكم هو متعب؟ وما هي بعض الطرق الجيدة والأوقات والإعدادات المناسبة للإفصاح عن أسرار صعبة؟

التسلح بمثل هذه الأسئلة وغيرها، يُمكننا من اتخاذ قرارات أكثر وعيا وتعمدًا حول ما يجب القيام به مع أسرارنا، وكيفية الاستمتاع بالمصارحة مع الآخرين للاستمتاع برضا وشغف وعلاقة أقوى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى